خبر إسرائيل والمقاومة: حسابات الربح والخسارة .. هيثم محمد أبو الغزلان

الساعة 11:34 ص|11 مارس 2010

إسرائيل والمقاومة: حسابات الربح والخسارة .. هيثم محمد أبو الغزلان

قامت إسرائيل باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي (19-1-2010)، مما يعني فتح  ملف الإرهاب الصهيوني منذ أكثر من قرن من الزمن. ماذا تعني هذه العملية؟ وما هي الرسائل التي تريد إسرائيل توجيهها؟ ولماذا؟

 

.. تواصل إسرائيل حربها ضد الشعب الفلسطيني ورموزه وقياداته المقاومة والمجاهدة، ضمن سياسة هدفها نقل المعركة بكل تجليات العنف وقوة الذبح إلى الطرف الفلسطيني. وهذا دأب إسرائيل منذ نشأتها، وعلى مدى تاريخها، وما مجازر «دير ياسين، وكفر قاسم، وبحر البقر، والطنطورة، وقانا، وغزة...»، إلا شواهد قليلة على ذلك. وسبق لإسرائيل أن نفذت عمليات إرهابية كثيرة استهدفت المدنيين الفلسطينيين، وقادة الشعب الفلسطيني ورموز المقاومة؛ فقد اغتالت إسرائيل الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، في مالطا (26-10-1995). وسبق ذلك أيضاً اغتيال أمين عام حزب الله السيد عباس الموسوي في لبنان. كما اغتالت أبا علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء انتفاضة الأقصى (27-8-2001)، وهو الأمين العام الثاني لتنظيم فلسطيني يجري اغتياله والثالث على مستوى العالم العربي قبل أن يلحقه الشيخ المجاهد أحمد ياسين (22 ـ 3 ـ 2004)، والرئيس ياسر عرفات.

 

ويتبع العدو سياسة الاغتيالات والتصفية لرموز العمل الفلسطيني منذ أمد بعيد فقد اغتال عدداً من القادة والمفكرين والسياسيين الفلسطينيين أبرزهم: أبو جهاد الوزير (16-4-1988)، أبو إياد، غسان كنفاني، ماجد أبو شرار، كما ناصر، كما عدوان، أبو جهاد، هاني عابد، محمود الخواجا، يحيى عياش، عز الدين خليل عضو حركة حماس الذي اغتيل في دمشق وغيرهم الكثير...

 

وتعبيراً عن تكثيف هذا الأمر نورد نصاً للمقبور رحبعام زئيفي ـ الذي اغتالته الجبهة الشعبية رداً على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى ـ، وكتبه المقبور في جريدة "معاريف" الإسرائيلية (27/8/2002) مطالباً بمواصلة حرب الاغتيالات كإحدى أهم الوسائل التي يطالب بها ويقول: «علينا أن نفهم أننا في الحرب، والحرب هي الحرب، يجب أن نبادر، أن نهاجم، أن نضرب، أن نحبط، أن لا نتهاون حتى لو كان هناك فترات هدنة فقوتنا بالغة ونستطيع أن نفعل كل ذلك وأكثر، فلقد بنينا القوة من أجل جلب الأمن في اللحظة الحاسمة، وها هي اللحظة قد حلّت».

 

وبعد عملية اغتيال الشيخ ياسين والتي أطلق عليها الإسرائيليون اسم (محول السرعة) واصلت إسرائيل استهداف قيادات حركات المقاومة، فشارون ـ إياه ـ، كان أكد ذلك: «تصفية أحمد ياسين لن تكون العملية الأخيرة» وهي بطبيعة الحال ليست إلا استمراراً لنهج الاغتيالات الإسرائيلية ضد المقاومة. والكلام نفسه أكده قادة أمنيّون: «نحن نعد لعمليات أخرى ستذهل منظمة حماس والمنظمات الأخرى»، معتبرين أن كل «قادة حركة حماس أهدافاً للتصفية»، وموفاز بات يعرّفها كعدو استراتيجي لإسرائيل. هذا الكلام ليس من فراغ، ولكنه يستند إلى مزاج إسرائيلي عام يؤيد هذا الأمر ويباركه. فغداة اغتيال الشيخ ياسين أظهر استطلاع للرأي أن 60% يوافقون على الاستمرار بعمليات الاغتيالات، واظهر استطلاع آخر أن 61% يوافقون، مع علمهم المسبق أن ذلك قد يُصعّد العمليات الفلسطينية الانتقامية ضدهم.

 

ويأتي اغتيال إسرائيل للمجاهد المبحوح أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، ليصب في اتجاهين: الأول: محاولة إسكات الصوت الفلسطيني المقاوم، وذلك بالتخلص من قيادات لا يمكن لها أن تقبل بوجود إسرائيل أصلاً، ولا يمكن أن تلتقي معها، وذلك يعود لتكوين هذه القيادة من حيث الجانب العقدي أو الجانبين الفكري والسياسي غير القابلين للمساومة أو القسمة.

 

الثاني: إثبات قدرة إسرائيل على الفعل في محاولة لإضعاف حركات المقاومة ومحاولة بث الرعب في صفوفها.

 

 

 

زمام المبادرة

 

يطرح سؤال نفسه وبقوة هل بدأت إسرائيل تتحكم بزمام المبادرة؟! وهل يمكن لها ذلك؟! وهل ستستمر بعمليات الاغتيالات والتصفية؟!.

 

إن تلمس الإجابة على هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل، لأن المقاومة في فلسطين ولبنان تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد عدو مدجج بأحدث ترسانات الأسلحة، ولا يملكون مقابله إلا القليل القليل من العتاد، ولذلك فإن قادة إسرائيل يحاولون التأثير على المقاومين من خلال عمليات الاغتيالات المنظمة والتي بات الإسرائيليون أنفسهم يدركون أن عمليات الاغتيالات لا توقف مسيرة المقاومة بل تزيدها تأججاً واستعاراً، ولعلّ ما يقوله الكاتب الصهيوني يوئيل ماركوس يأتي في هذا السياق:  «..إن تصفية المقاومة، عدا أن توقيتها سيء، فإنها ستجر خلفها عمليات تخريبية انتقامية، بعد كل قائد إرهاب يُصفّى، يقوم قائد جديد، بعد كل قنبلة فعلية أبدناها نمت عشر قنابل. إننا نهدم المخارط، وتستمر الصواريخ الفلسطينية بالوصول إلى سديروت والمستوطنات».. (هآرتس، 11/3/2002).

 

واعتبر أليكس فيشمان بعد اغتيال د. عبد العزيز الرنتيسي (17/4/2004)، أنه إذا كان يوجد شيء يمكن تسميته اغتيال إيجابي فإن اغتيال الرنتيسي يناسب هذا التعريف. ومن جملة ما أرادت إسرائيل تحقيقه يتمثل بتوجيه ضربة قوية لحماس تؤدي لتطويعها ودمجها بشكل «سوي» وعادي بالتسوية، والقضاء على المقاومة بشكل نهائي. وهذا ما أدركته حماس والفصائل الأخرى بتركيزها على التأكيد على الاستمرار بطريق المقاومة ضد الاحتلال حتى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في العودة والتخلص من الاحتلال.

 

ويدرك القادة الإسرائيليون أن التهديدات التي تطلقها المقاومة ليست تهديدات جوفاء، فما حصل بعد اغتيال أمين عام الجبهة الشعبية، وبعد اغتيال يحيى عياش، والشهيد د. فتحي الشقاقي، يثبت هذا الأمر. وهم أنفسهم من أعلن مرتين اكتشافهم خليتين خططتا لقتل شارون وعدد من المسؤولين الإسرائيليين في العام 2003.

 

كما أن إصرار المقاومة على التغلب على كافة الظروف الصعبة والضاغطة من أجل استمرارها في المقاومة قد دفعها في ظروف عديدة لابتكار العديد من الطرق للتغلب على تلك الظروف الصعبة، مثل براميل المتفجرات التي عثرت عليها شرطة الاحتلال في شواطئ أسدود وعسقلان في (2/2/2010).

 

وقدّر مسؤول رفيع في سلاح البحرية الصهيونية عقب اكتشاف العبوات الناسفة، أن البراميل المفخخة دفعت بها المقاومة الفلسطينية من غزة إلى البحر.

 

مدعياً «انه من الممكن أن تنفجر هذه البراميل إلى الشمال بعد اكتشاف عدد منها على طوال الشواطئ المختلفة».

 

ولفت المسؤول «أنه الصق بهذه البراميل جهاز تشغيل وصل ببطارية تعمل إذا مست بأي زورق قد يتبع لسلاح البحرية الصهيوني».

 

 

 

تأثير الاغتيالات

 

ومن جهة ثانية، فإن أسئلة عديدة  مطروحة وبحاجة لإجابات: كيف سيكون تأثير هذه الاغتيالات على حماس وحركات المقاومة؟

 

أسئلة عديدة طرحت وأخرى لم تطرح لكنها بحاجة إلى تلمس إجاباتها ضمن فهم واقعي وموضوعي لميزان القوى والواقع الذي تتحرك فيه حماس وحركات المقاومة.

 

إن الإجابة على بعض هذه الأسئلة تقتضي الإشارة إلى أن عمليات الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل منذ سبعينيات القرن المنصرم أثرت على العمل المقاوم في بعض الأحيان إلا أنها لم تقض عليه؛ ففي 1971 اغتالت أحمد الأسود (جيفارا غزة)، وباجس أبو عطوان، وخليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988، وفتحي الشقاقي 1995، ومحمود أبو شنب، وأبو علي مصطفى، والشيخ ياسين وصولاً والرنتيسي... إلا أن العمل المقاوم استمر، وغداة كل اغتيال كانت حركات المقاومة تنفذ عمليات انتقام وتطور من أساليبها في مواجهة الاحتلال. ويدرك الإسرائيليون جيداً أن هذه الحرب ستزيد كراهية الفلسطينيين والعرب والمسلمين لها، وهذا ما يعبّر عنه الكاتب الإسرائيلي سيفر بلوتسكر: «المبادرة اليوم في يد إسرائيل التي تقود حرباً ضد الإرهاب، والنتائج مثيرة للانطباع ولكن يجب أن لا نوهم أنفسنا. فتفكيك العمود الفقري لحماس، وقتل قيادته لن يشطب الكراهية الفظيعة ضد إسرائيل بل سيزيدها ـ على الأقل ـ في المدى القصير».

 

وإذا كانت الأوساط العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن اغتيال قيادات المقاومة خارج فلسطين يمكن أن يردع المقاومة من تنفيذ عملياتها أو يحد منها، هو تصور ثبت عدم صحته على امتداد الصراع بل كان الاغتيال باستمرار يزيد من إصرار المقاومة على استمرار الصراع ومواجهة الاحتلال. وعدا عن ذلك فتلك الأوساط تدرك أن الجسم الأساسي للمقاومة تدريباً وتخطيطاً وتنفيذاً موجود داخل فلسطين وتبقى علاقة الخارج محدودة في هذا السياق وبالتالي فلن تترك أثراً مفصلياً على بنية المقاومة وتواصل عملياتها.

 

كما أن الاغتيالات بشكل عام داخل وخارج فلسطين لم تنجح في تحقيق أهدافها أو فرض المعايير الإسرائيلية للصراع ويمكن الاستشهاد على ذلك بالعديد من العمليات الإرهابية الإسرائيلية....

 

كما أن إسرائيل بعدد من عمليات الاغتيال التي نفذتها خارج فلسطين أرادت توجيه رسالة إسرائيلية تعبّر عن الرفض الكامل للتعاون الفلسطيني ـ اللبناني في مجال المقاومة. ويمكن التدليل على ذلك باستهداف الشهيد غالب عوالي الذي اغتيل  في الضاحية الجنوبية وهو "ضابط ارتباط بين المقاومة الإسلامية من جهة والمقاومة الفلسطينية في الداخل". وكذلك الشهيد أبو حسن سلامة. وأبو حمزة المجذوب عدا أنه "مهندس" في قطاع السلاح ومنه ما يطال الداخل الإسرائيلي عبر صواريخ "قدس" بأنواعها المختلفة، فإنه أيضاً "ضابط الاتصال بين الجهاد وحزب الله".

 

وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي في لقاء أجرته معه فضائية الجزيرة "ان إسرائيل تشن حرباً مفتوحة على الإرهابيين - ويقصد الفلسطينيين وأن هذه الحرب ستستمر".

 

وفي تصريحات للإذاعة العبرية الرسمية لرئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق (11/1/2010)، طالب الجنرال أمنون ليبكين شاحاك "الجيش بتوجيه ضربات ساحقة إلى قيادات التنظيمات الفلسطينية وعدم الانتظار للتصعيد المتواصل الذي تقوم به". وقال شاحاك "لا يمكن لإسرائيل انتظار سياسية التصعيد التي تقوم بها التنظيمات الفلسطينية ويجب توجيه ضربات ساحقة وتصفية قياداتها ومخازن السلاح وعدم انتظار تنفيذ عملية كبرى"، وقال "يجب استهداف قيادات مؤثرة في حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية حتى لا نصل إلى المواجهة الكبرى والدخول إلى قطاع غزة".

 

ودعا سيلفان شالوم، لاستئناف سياسة اغتيال مسؤولي حماس في قطاع غزة"، وقال"ينبغي استئناف التصفيات الهادفة ضد زعماء حماس الإرهابيين".

 

وكان"آفي ديختر" رئيس "الشاباك "الإسرائيلي ووزير الأمن الداخلي سابقاً قد سبق في التنظير للاغتيالات، إذ أعلن :"أن هنية ليس محصناً ضد الاغتيال كونه رئيساً للحكومة الفلسطينية"، ليكشف لنا عن تلك النوايا المبيتة ضد قيادات وزعماء وكوادر الشعب الفلسطيني..

 

ثم يؤكد ديختر مجددا في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي "أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ليس في مأمن من عملية تصفية قد تستهدفه في أول فرصة تسمح بذلك".

 

ويضيف ديختر "أن القضاء على مشعل هدف أكثر من مشروع ، وإنني مقتنع بأنه في أول فرصة سنتخلص منه رغم صعوبة المهمة".

 

ويقول نائب وزير الجيش الإسرائيلي افرايم سنيه مؤكداً: "أن أياً من قياديي حماس لن يكون في مأمن" ، وفي السياق قالت مصادر إسرائيلية "إن الجيش الإسرائيلي كان رفع إلى القيادة السياسية قائمة "اغتيالات" بأسماء قيادات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في أعقاب قرار المجلس الوزاري المصغر استئناف التصفيات ضد ناشطي وقادة الحركتين". (1)

 

 

 

اغتيال المبحوح وتوعُّد بالمزيد

 

 وعن تعاطي إسرائيل مع الجريمة بعد ارتكابها؛ فقد تفاخرت كعادتها الصحف الإسرائيلية بـ"إنجاز" جهاز "الموساد" في عملية اغتيال القائد العسكري في حماس محمود المبحوح المسؤول عن أسر ومقتل الجنديين الإسرائيليين: آفي سسبورتس وايلان سعدون، ويهود كثيرين آخرين..

 

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن اغتيال المبحوح يدخل ضمن سلسلة الاغتيالات التي حققها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في العقد الماضي. وقالت الصحيفة إن "الموساد" في العقد الماضي بدأ في إتباع نظام جديد يستهدف عناصر فصائل المقاومة خارج دولة الاحتلال.

 

وأشارت الصحيفة  إلى أن إسرائيل في كل حوادث الاغتيال لقيادات المقاومة خارج إسرائيل والتي توجه فيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل تمتنع عن الرد الرسمي عن الاتهامات المنسوبة إليها وكأنها تعترف بذلك.

 

وأضافت الصحيفة أن اغتيال المبحوح يأتي بعد فشل "الموساد" في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997 في الأردن واعتقال عميلين من الموساد على يد السلطات الأردنية.

 

وتابعت الصحيفة أنه في مستهل العقد الماضي وتحديداً في الفترة ما بين 2002- 2006 تم اغتيال مالا يقل عن 6 من رجال المقاومة في وحدة 1800 التابعة لحركة المقاومة اللبنانية "حزب الله".

 

وفي عام 2008 اغتال الموساد الشهيد عماد مغنية، القيادي في حزب الله،  في انفجار وقع في العاصمة السورية دمشق واغتيال الجنرال محمود سليماني منسق العلاقات بين سوريا وكلا من حزب الله وإيران الذي اغتاله قناصة في بيته في شمال سوريا.

 

وختمت الصحيفة تعليقها على اغتيال المبحوح بالقول: "إن العنصر المفاجئ في الحادث الحالي أنه وقع في دولة خليجية تقيم معها إسرائيل علاقات في قنوات مختلفة بعضها دبلوماسي الأمر الذي من شأنه أن يعرض العلاقات المستقبلية مع دول المنطقة للخطر".

 

أما صحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية فقد قالت إن عملية "اغتيال محمود المبحوح المطارد منذ عشرين سنة تعد ضربة ثانية يتلقاها ما يسمى بمحور الشر"، بعد عامين على اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق".

 

وذكر المحلل السياسي للصحيفة يعقوب كاتز أن اغتيال المبحوح سيشكل ضرراً بالغاً على قدرة حماس في تهريب الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى.

 

وأضاف كاتز: "إن قضية اغتيال المبحوح في دبي لا تقاس بمسؤولية إسرائيل عنها أم لا، إنما تقاس بما ستلحقه عملية الاغتيال من ضرر بقدرة حماس على تهريب السلاح".

 

وأوضح كاتز أن المبحوح كان يشغل منصباً في حماس مشابه لمنصب عماد مغنية في حزب الله.. وأشارت بعض الصحف الإسرائيلية إلى أنه كان للمبحوح دور في الأسلحة التي ضبطتها البحرية الإسرائيلية على سفينة «فرانكوب» قبل أشهر.

 

واعتبر المعلق الأمني لموقع «يديعوت أحرونوت» الالكتروني روني بن يشاي، أن الاغتيال رسالة لحماس ولآسري الجندي جلعاد شاليت. وكتب أنه لا غرابة في اتهام الموساد باغتيال المبحوح الذي كان «أحد كبار المسؤولين عن منظومة مشتركة لحماس وإيران، تنظم وتشرف على تهريب الصواريخ والسلاح والمواد المتفجرة والمخربين الفلسطينيين المدربين من إيران إلى قطاع غزة».

 

وخلص بن يشاي إلى أنه "إذا صحت اتهامات حماس للموساد، فإن اغتيال المبحوح في دبي يكشف عن القدرات الفائقة للاستخبارات الإسرائيلية في ملاحقة رجال حركة حماس والوصول إليهم".

 

 

 

رسالة وإشارات..

 

سعت إسرائيل عبر عملية اغتيال المبحوح في دبي إلى بعث رسالة مهمة إلى المقاومة والداعمين لها بأن الذراع الأمنية الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى أي دولة وحتى وإن كانت خليجية، ووجود بعض قادة فصائل المقاومة في العاصمة السورية لا يعني بالضرورة أنهم أصبحوا في مكان آمن، وان قرار إسرائيل بتصفية قادة المقاومة، خصوصا في حركتي حماس والجهاد، لن يستثني المقيمين خارج الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن معركة إسرائيل ضد فصائل المقاومة لن تظل محصورة داخل فلسطين، ولكنها سوف تنتقل إلى ما وراء الحدود...

 

وبحسب الكاتب المصري، فهمي هويدي فإن الصراع ليس له سقف أو قواعد، على الأقل فيما يخص الطرف الإسرائيلي، الذي أعطى لنفسه الحق في أن يفعل كل ما يعن له، في أي مكان بالمنطقة، دون مراعاة لأي ضابط أو حرمة.

 

إن إسرائيل تتحدث أحياناً عن قواعد للعبة، لكنها ترى أن تلك القواعد تلزم الطرف الفلسطيني وحده، ففي حوار أجرته صحيفة "معاريف" مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال اهرون زئيفي، نشر في (18-9-2004)، استبعد الرجل أن يقوم الفلسطينيون بشن هجوم على مدرسة أو مستشفى أو ضد مستوطنة داخل الخط الأخضر، وقال إن عملا من هذا القبيل يعد تقويضا لقواعد اللعبة، عندئذ سأله محرر الصحيفة، عامير ريبورت، هل لا تزال هناك قواعد لعبة بعد أن قمنا بالخطوة الأكثر تطرفا بتصفية الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي؟ عندئذ كان رده: نعم هناك قواعد لعبة هم يعرفونها، فمؤسسات التربية مثلا لا تمس، ونحن نعلم أن في الجامعات يعمل ويعيش عدد من الإرهابيين، وهم يجندون هناك أيضا، لكننا حذرون في التعامل مع هذه المؤسسات، وإذا كسروا الخطوط الحمراء، فإننا سنعاملهم بالمثل.

 

ويقول فهمي هويدي: "يتجاهل مثل هذا الكلام الذي يقال للاستهلاك وتجميل الصورة حقيقتين يشي بهما سجل إسرائيل، الأولى أنها لا تتخذ موقفاً مبدئياً تحترم فيه قواعد اللعبة، وإنما هي لا تتردد في انتهاك تلك القواعد والإطاحة بها إذا ما وجدت في ذلك مصلحة لها، والثانية أنها تخصصت في انتهاك القواعد والقوانين المتعارف عليها، منذ اللحظات الأولى لإنشائها حين ضربت عرض الحائط بقرار التقسيم، وحتى تصفية الفلسطينيين في عمان وبيروت وتونس وقبرص.. الخ في حين أن المقاومة الفلسطينية التزمت، بأن توجه سلاحها ضد إسرائيل في فلسطين وحدها". (2)

 

 

 

ترقب الرد القسّامي

 

وذكرت مصادر حركة حماس أن المبحوح كان قد وضع مقاعد وراء باب غرفته كإجراء احترازي من رجل يشعر أن الاستخبارات الإسرائيلية تسعى إلى قتله منذ 20 عاما.

 

وأشار شقيق الشهيد، فائق المبحوح في حديث لصحيفة "السفير" اللبنانية إلى أن النتائج الأولية للتحقيقات أثبتت أنه اغتيل بواسطة جهاز يحدث صعقة كهربائية، ثم جرى خنقه بواسطة قطعة قماش، وأن شخصين على الأغلب قاما بالاغتيال، وفقا للمعلومات التي ابلغ بها.

 

وأضاف أن شقيقه كان قد نجا خلال السنوات الأخيرة من ثلاث محاولات لاغتياله في غزة وفي بيروت، مشيراً إلى انه تم تسميمه قبل ستة أشهر، حيث ظل فاقدا للوعي لمدة 36 ساعة.

 

وحمّلت كتائب القسام الاحتلال المسؤولية الكاملة عن اغتيال المبحوح. وأكد المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة لشبكة "فلسطين الآن" أن الاحتلال لن يفلت من العقاب، مشددا أن "القسام" سترد على الاحتلال في الوقت المناسب ولن تسكت على مثل هذا الأمر.

 

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت "القسام" ستحول جبهة القتال مع الاحتلال إلى الخارج كرد على اغتيال المبحوح، قال أبو عبيدة إنّ "معركتنا مع الاحتلال داخل فلسطين، وسنرد عليه في الوقت المناسب، وسننشر تفاصيل الاغتيال أيضا في الوقت المناسب".

 

وكانت ولا زالت إسرائيل تراهن على تطويع حماس وحركات المقاومة الأخرى على القبول والرضوخ والاستجابة لمتطلبات عملية التسوية: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف ـ المقاومةـ، وهذه الإستراتيجية الهادفة لتطويع حماس التي تتبعها"إسرائيل" لإجبارها على نقل المعركة للخارج تمهيدا للإجهاز عليها وحرف بوصلتها عن طريق اغتيال قادتها والمؤثرين فيها لن تنجح فالظروف التي اضطرت الفلسطينيين في السابق للرد على عمليات الموساد في الخارج تغيرت وإن كانت "إسرائيل" نجحت في اغتيال المبحوح فإن التاريخ يذكر عشرات الإخفاقات التي لحقت بها والضربات التي كالها المقاومون الفلسطينيون من مختلف الفصائل لها سواء في الخارج أو في داخل فلسطين المحتلة..

 

فالدم الفلسطيني ليس زائدا ولن يكون وإن كان الموساد نجح هذه المرة فليتذكر الجميع إخفاقه الكبير في اغتيال خالد مشعل في أيلول/ 1997 في العاصمة الأردنية عمان حيث نجح مرافقه الوحيد في اعتقال اثنين من المنفذين قبل هروبهما ومن ثم تدخل الملك الأردني الراحل الملك حسين الذي لم يوافق على تسليم عميلي الموساد إلا بعد أن اعتذرت إسرائيل عن الحادثة وأفرجت في مقابل العميلين عن مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، إضافة إلى إحضار الترياق لإنقاذ مشعل وهو الإخفاق الأبرز في تاريخ الموساد. (3)

 

وحين يتم الحديث عن ترقب للرد على اغتيال المبحوح، فهو "يطال الجميع أي الفلسطينيين والإسرائيليين والإماراتيين كل حسب مفهومه وأهدافه. ترقب الفلسطينيين هو لمعرفة التكتيك الجديد الذي سيتم اتباعه من قبل "حماس" لمواجهة من هذا النوع نقلت الصراع إلى أراض إقليمية وعربية تحديداً والإستراتيجية المتبعة لوضع حد لاستهداف قادة الحركة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها على حد سواء. أما الترقب الإسرائيلي فسيكون محصوراً في توقع رد الحركة ونوعية الأهداف التي ستضعها، إضافة إلى رصد رد الفعل العربي والإماراتي على ما حدث... وفي ظل الحديث عن امكان حصول حرب ما في المنطقة، تبدو "حماس" في موقف صعب، لأنها إذا ردت على هذا الاغتيال بعملية نوعية، فستعرض نفسها لحرب جديدة وتظهر إسرائيل بمظهر المدافع عن نفسه وستعزز وضعية حركة "فتح" من الناحية السياسية وتريح الوضع الإسرائيلي الداخلي المتشنج، أما في حال عدم الرد فستبدو وكأنها باتت هدفاً سهلاً لا يقيم أخصامه أي اعتبار له وستقوّض بالتالي صورتها كمقاومة جديرة بمواجهة إسرائيل".(4)

 

وأخيراً، يبدو أن نتنياهو وحكومته وقادة جيشه لم يتعلموا من الدروس السابقة، وأنهم على ما يبدو لم يقرأوا نتائج عملياتهم الإرهابية ضد قادة المقاومة الفلسطينية في السابق وما تبعها من ردود زلزلت كيانهم. وهذا ما تعنيه كلمات قادة حركة حماس الذين أكدوا أن رد الحركة سيكون بأفعالٍ سَتُرى وتُلْمَس، لا بكلمات وخطب... وهذا وحده كافٍ بجعل العدو يعيش مرحلة انتظار الضربة القادمة، ولكن لا أحد يعلم متى؟! وأين؟! وكيف؟! فلننتظر ونر!!

 

 

 

كاتب فلسطيني

 

هوامش

-1- صحيفة الدستور، نواف الزرو، المبحوح وإستراتيجية الاغتيالات الصهيونية، (2-2-2010).

2- صحيفة  الشرق الأوسط، فهمي هويدي، (29-9-2004).

3- صحيفة الراية القطرية، تطويع حماس.. أو حرب الاغتيالات الإسرائيلية، أنور صالح الخطيب (3-2-2010).

4- موقع النشرة، اغتيال "أبو العبد" لم يكن مزحة والجميع يترقب الرد، (1-2-2010).