خبر مستحيلان في الصراع العربي – الصهيوني ..عوني فرسخ

الساعة 08:45 ص|11 مارس 2010

مستحيلان في الصراع العربي – الصهيوني ..عوني فرسخ

 

أصدرت لجنة المتابعة العربية، بالأغلبية، ما اعتبر قرار تغطية قيام رئيس سلطة حكم الذات في الضفة الغربية المحتلة، وأركان فريق أوسلو بقيادته، بمفاوضات "غير مباشرة " لمدة أربعة شهور، استناداً لادعائه تلقي "ضمانات" أمريكية.

 

فيما استقبلت دمشق وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو في مسعى تجديد الوساطة التركية في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا و"إسرائيل". وقد نسبت وكالات الأنباء لعمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، قوله، تعقيباً على قرار التغطية الذي صدر في رحاب الجامعة، "إسرائيل غير مستعدة لمفاوضات حقيقية تؤدي إلى سلام، وهناك تساؤل مشروع عن فاعلية دور الولايات المتحدة،. فيما نقلت عن الرئيس بشار الأسد، لدى استقباله وزير الخارجية التركي قوله "لا يوجد طرف إسرائيلي يرغب في تحقيق السلام":

 

وأن يكون أمين عام الجامعة على يقين بأن "إسرائيل" غير مستعدة لمفاوضات تؤدي للسلام. ولا هو واثق من فعالية الإدارة الأمريكية في إقرار رؤية الرئيس أوباما موضوع حل الدولتين. فيما الرئيس السوري لا يرى أن هناك طرفاً إسرائيلياً يريد السلام، ففي ذلك ما يلقى بظلال كثيفة من الشك حول دواعي وغايات قرار تغطية مفاوضات "غير مباشرة" مع الكيان المحتل لأرض فلسطين، والمغتصب لحقوق شعبها، والممتنع عن تنفيذ القرارات الدولية. فضلاً عن تجاهل مصدرو القرار لمعطيات الواقع الراهن، على جبهة العدو المصعد إجراءات تهويد القدس وجوارها، ومد إطار التهويد للحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم، والممعن في ممارساته العنصرية في عموم الضفة الغربية وبخاصة هدم المنازل وتشريد أصحابها. فيما هو يعاني مأزق سقوط قوة ردعه في مواجهة المقاومة، ومن اتساع دائرة إدانة عدوانه وتعرية طبيعته العنصرية، خاصة في أوروبا. وليس في الأفق الصهيوني ما يشير لأدنى استعداد للتعاطي مع مبادرة القمة العربية الملقاة على الطاولة منذ ثماني سنوات. وهذا يفسر تنديد غالبية المفكرين والمحللين السياسيين العرب بقرار تغطية من باتوا تجار مفاوضات تدر عليهم ملايين دولارات الدول المانحة، وتؤمن لهم القبول في دوائر صناعة القرار الدولي والإقليمي، صاحبة المصلحة بوجود الكيان الصهيوني.

 

وإن قراءة موضوعية للفكر والعمل الصهيوني توضح بجلاء تام أن ما يواجهه شعب فلسطين وأمته العربية ليس من قبيل النزاعات المعتادة بين الدول والمجتمعات الطبيعية، وإنما هو صراع وجود ولا وجود، مع استعمار استيطاني عنصري، مستنسخ عما شهدته أمريكا الشمالية واستراليا مع بداية الغزو الأنجلو سكسوني. حيث اعتمدت سياسة التطهير العرقي والاستئصال الشامل لغالبية مواطنيهما الأصليين، وتهميش الأقلية الضئيلة التي كتبت لها النجاة. وهذا ما تدل عليه الممارسات والمواقف الصهيونية منذ بداية الهجرة الكثيفة لفلسطين أواخر القرن التاسع عشر، إذ انه اعتباراً من العام 1906 اعتمد مبدأ "الأرض عبرية" و"العمل عبري"، وجرى إقصاء المواطن العربي، تماماً عن كل نشاط صهيوني. كما ربيت الأجيال المتوالية على ثقافة عنصرية تستوحي التلمود وأساطير التوراة في تعظيمها للذات الصهيونية وتحقيرها للمواطن العربي بحيث تعمق لدى المستوطن عدم الشعور بأي حس إنساني في عدوانه على حقوق الإنسان العربي. الأمر الذي لم يؤسس لتعايش سلمي مع المحيط العربي، بل أدى لإقامة حاجز نفسي في أعماق المستوطن الصهيوني يحول دون تأثره بثقافة التسامح والانفتاح على الآخر التي عرف بها العرب تاريخياً، بحيث استطاعوا استيعاب كل وافد على ديارهم وادماجه في نسيجهم المجتمعي.

 

ولقد تواصلت منذ عشرينيات القرن الماضي الدعوات العربية للتعايش السلمي مع الصهاينة، وتوالى عرض مبادرات إقامة الدولة الديمقراطية التي يوفر دستورها وأنظمتها المساواة التامة وتكافؤ الفرص لجميع مواطنيها دون تمييز. غير أن القيادات الصهيونية منذ بن غوريون في ثلاثينات القرن العشرين تعاطت مع مبادرات السلام العربية باعتبارها توفر فرص المضي في فرض الأمر الواقع الصهيوني على الأرض العربية، ولم يبد أي صهيوني أدنى استعداد للتنازل عن ولو واحد في المائة من الثوابت الصهيونية. ما يؤكد أن السلام الصهيوني مستحيل مهما قدم عرب التسوية، وبالذات فريق أوسلو الفلسطيني، من التنازلات. وهذا هو المستحيل الأول في الصراع العربي الصهيوني.

 

والمعضلة التاريخية التي واجهت التحالف الإمبريالي - الصهيوني أنه لا يواجه في فلسطين مثل ما واجهه الغزاة الأنجلوسكسون في أمريكا الشمالية واستراليا، وإنما واجه شعباً منتم إلى أمة عرفت على مدى تاريخها العريق بقدرتها الفذة على دحر الغزاة وتطهير ثراها المقدس من دنسهم. والذي يذكر أنه في العام 1920 جاء فلسطين لأول مرة الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان. وبعد أن جمع له الحاكم العسكري البريطاني في القدس، وممثلة في يافا، قلة من أعيان المدينتين العرب، مسلمين ومسيحيين، أدرك من حوارهم خطأ التصورات الصهيونية عن تخلف وبداوة الشعب العربي، ولدى عودته إلى لندن أبلغ وزير المستعمرات ونستون تشرتشل ضرورة الاستعانة بأصدقاء بريطانيا في العواصم العربية للتأثير في الحراك الوطني الفلسطيني المهدد نجاح المشروع الصهيوني، وذلك ما تكرر على مدى السنوات التسعين الماضية.

 

وبرغم الخلل الاستراتيجي لصالح التجمع الاستيطاني الصهيوني في ميزان الإمكانات المادية، والقدرات العلمية والتكنولوجية، والعلاقات الدولية، والقيادات ذات الكفاءة في إدارة الصراع، والدعم العسكري والمالي والسياسي من عمقه الاستراتيجي على جانبي الأطلسي المتواصل على مدى السنوات التسعين الماضية، إلا أنه لم ينجح بحسم الصراع لصالحه بقهر إرادة الممانعة والمقاومة للشعب العربي الفلسطيني، الذي سطر صفحات مشرقة في تاريخ حركات التحرر الوطني. وإن في صمود قطاع غزة برغم الحصار، وفي تصدي شباب القدس لمحاولة اقتحام الأقصى بصدورهم العارية، مثالين أخيرين على امتناع الإرادة الفلسطينية عن الاستسلام، أو قبول شعب فلسطين التفريط بأي من ثوابته الوطنية التي تأسست على الالتزام بها منظمة التحرير الفلسطينية، وتضمنها ميثاقها القومي غداة تأسيسها. وهذا هو المستحيل الثاني في الصراع العربي - الصهيوني.

 

كاتب فلسطيني