خبر مفاوضات غير مباشرة وغير مبشرة .. راسم عبيدات

الساعة 09:42 ص|10 مارس 2010

بقلم: راسم عبيدات

لا أعرف ولا أفهم ما الذي يريد أن يصل إليه دعاة "حلب الثور" و"عنزة ولو طارت" و"الحياة مفاوضات" عربياً وفلسطينياً. ولعل من بدع آخر الزمان والضحك على ذقون الشعب الغلبان، بدعة المفاوضات غير المباشرة، والذي يبشرنا جهبذها وواضع وشارح صرفها ونحوها ومؤلف كتبها الدكتور صائب عريقات بأنها لن تكون مفاوضات تقليدية. ولن تكون وفود أمريكية تنتقل بين غرف الوفدين، بل وفود منفصلة تشرح وتعبر عن وجهة نظرها للوسيط الأمريكي.

وفعلاً هذه طريقة "إبداعية خلاقة" لم تخطر لا على بال الأنس ولا الجن، تماماً كما حال "الإبداع والابتكار وحسن الاختيار في استبدال أعضاء الوفد المفاوض"، وكأن جوهر المشكلة في الأسماء ومن يمتلك المهارات اللغوية والجمل الإنشائية أو في الغرف والوفود منفصلة أو غير منفصلة. وعلى قدر فهمي المتواضع، أعرف أن المفاوضات غير المباشرة تجري بين دول لا تعترف ببعضها البعض وبينها حالة من العداء، كما هو الحال في المفاوضات السورية- الإسرائيلية، أما مفاوضات غير مباشرة بين طرفين بينهما اتفاقيات ولقاءات ومباحثات سرية وعلنية ومفاوضات مباشرة وغير مباشرة، بحيث وصل الأمر حد تكوين ونسح العلاقات وتبادل التهاني والتبريكات بين أعضاء الوفود، فهو ما لا نفهمه، ونريد من جهابذة وواضعي علم اللغة والعروض التفاوضي عرباً وفلسطينيين أن يوضحوا"للغلابا" من أمثالنا شروحا مبسطة تمكنهم من فهم منافعه وفوائده في استجلاب الحقوق واسترداد الأوطان.

من الواضح أن الطرف الفلسطيني تخلى عن شروطه السابقة بالعودة إلى المفاوضات من دون وقف للاستيطان وتحديد مرجعية واضحة لعملية السلام واستئناف تلك المفاوضات من النقطة التي انتهت إليها، والتجاوز الصارخ للمؤسسات الفلسطينية وقراراتها من مجلس مركزي ولجنة تنفيذية في هذا الشأن، تلك المؤسسات التي أضحى دورها استخداميا ليس له علاقة لا في التقرير ولا في التنفيذ ولا حتى في التشريع، والهرولة العربية الرسمية والفلسطينية نحو العودة للمفاوضات، هو نتيجة طبيعية ومنطقية لعدم امتلاك الطرف المفاوض أو بناءه ورسمه لإستراتيجية بديلة للمفاوضات العبثية والمارثونية غير المنتهية، ولكن ما هو غير مفهوم أن يعود هذا الطرف لتلك المفاوضات بدون أية اشتراطات، أو حتى تطور ايجابي أو تغير في موقف الطرف المقابل أو حتى الراعي للمفاوضات، فما أن أعلنت لجنة المتابعة العربية عن موافقتها لعودة الطرف الفلسطيني لمفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر، حتى جاء الرد الإسرائيلي والأمريكي سريعاً، فإسرائيل استمرت في أسرلة وتهويد القدس، حيث صادق يوم الثلاثاء 9/3/2010 الوزير "ايلي يشاي" على إقامة 1600 وحدة سكنية في شمال شرق القدس، من أجل توسيع مستعمرة"رمات شلومو"، كما أن نائب رئيس بلدية القدس أعلن عن عزمه افتتاح مكتب له في أحد المنازل العربية التي استولى عليها المستوطنين في منطقة الشيخ جراح، وكذلك بدأت بروفا فعلية نحو هدم الأقصى أو على الأقل تقسيمه، وأقدمت على اقتحامه والسماح للجماعات الاستيطانية بالدخول إلى ساحاته، واستمرت في التحضير لإخراج مخططاتها لتغير واقع البلدة القديمة وتاريخها في القدس فعلياً، وذلك بتغير مدخلها الرئيس من باب العامود إلى باب الخليل من خلال إقامة ساحة عامة في ميدان عمر بن الخطاب في باب الخليل تصل حتى شارع يافا، وبالتالي ربط البلدة القديمة بالكامل مع القدس الغربية، وكذلك أعلنت عن قرارها ببناء 112 وحدة استيطانية جديدة في مستعمرة "بيتار عليت" بمنطقة بيت لحم، والذي وصفته الإدارة الأمريكية بأنه لا ينتهك ما يسمى بإعلان إسرائيل التجميد المؤقت للاستيطان.

ولم يقتصر الرد والانحياز الأمريكي الصارخ لإسرائيل ومواقفها والتطابق مع رؤيتها واستراتيجيتها من العملية السلمية على ذلك، بل إن "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي، أعلن أثناء زيارته للمنطقة ولقاءه مع القيادة الإسرائيلية بأنه صهيوني على الرغم من أنه غير يهودي، وبما يؤشر ذلك على أن مصالح إسرائيل وأمريكا هي واحدة، وأن هناك رافعة قوية للسياسات الإسرائيلية في البيت الأبيض، عدا عن تغلل اللوبي اليهودي في الكونجرس والمؤسسات المالية والإعلامية الكبرى الأمريكية، وبما يدع حداً لكل أوهام دعاة نهج ما يسمى بالاعتدال والواقعية والعقلانية في الساحتين العربية والفلسطينية، بأنهم إذا كانوا يراهنون على موقف أمريكي مستقل أو حتى أقل انحيازاً لإسرائيل، فهم كمن "يطلبون الدبس من قفا النمس"، فالإدارة الأمريكية في ردها وأجوبتها على الأسئلة التي وجهها إليها الرئيس أبو مازن، لم تبد التزاماً بأي شيء، ولجأت إلى الردود الغائمة والضبابية وحمالة الأوجه والتفسيرات حول مرجعية العملية السلمية وسقفها الزمني. وهي لم تعط التزاما ولا رسالة ضمانة واحدة، بل كانت الأجوبة تقول ستسعى وسترحب الإدارة الأمريكية مثلاً أن تقوم الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات، وأن تنتهي تلك المفاوضات خلال 24 شهراً، وكذلك قيل بأن الرسالة الأمريكية للرئيس عباس والتي على أساسها وافق على استئناف المفاوضات غير المباشرة من جملة ما تقوله ما يلي "إن الإدارة الأمريكية تتوقع من طرفي المفاوضات العمل بجدية وبنية صافية, وإذا ما رأينا أن طرفا لم يقم بما يجب وفق توقعاتنا، فإننا سنعرب عن قلقنا بوضوح، وسنتصرف وفقا لذلك لتخطي العقبات".

إن من يدقق في الأجوبة الأمريكية والرسالة الموجهة للرئيس عباس، وما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات، من حيث استمرار سياسة التطهير العرقي في القدس والأسرلة والتهويد، وتكثيف الاستيطان وتصعيده في الضفة الغربية وكذلك الاستمرار في الحصار الظالم على القطاع، يدرك أن الموافقة العربية والفلسطينية للعودة إلى المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، يعبر عن حالة من الانهيار غير المسبوق ومغامرة غير محسوبة، و تشكل ربحاً صافياً للإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، فهي تأتي دعماً للرئيس الأمريكي الذي يواجه مشكلات جدية مع الكونغرس، وكذلك يوفر له الفرصة لخلق اصطفاف عربي لمواجهة ومعالجة الملف النووي الإيراني، وإسرائيليا يوفر وقتا إضافيا من أجل العمل على تأبيد الاحتلال وتكريسه وشرعنة وجوده بموافقة فلسطينية.

ونحن نفهم أن مبررات النظام الرسمي العربي المنهار، من موافقته على عودة الطرف الفلسطيني للعودة إلى مفاوضات غير مباشرة، لكي ينقذ ماء وجه ويستر عورته، فيما يتعلق بمبادرة النعش الطائر- مبادرة السلام العربية-، التي أشبعتها أمريكا ركلاً وترحيلا من قمة إلى أخرى من قمة بيروت 2002 وحتى قمة سرت القادمة، دون أن توافق عليها حتى بشروطها وتعديلاتها، وبما يعفي القمة من وضعها على جدول الأعمال، وإفراد حيز لها في البيان الإنشائي الذي سيصدر عنها.

ولكن ما هو خطير ويدفع بالساحة الفلسطينية نحو المزيد من الانقسام والضعف، هو الموافقة الفلسطينية غير المشروطة على العودة للمفاوضات، والاستقواء بالمظلة العربية للعودة إليها، وتهميش وتجاوز المؤسسات الفلسطينية، فلم يعد يكفي انقسام سياسي بين فتح وحماس، بل شرخ وانقسام آخر تصطف فيه قوى اليسار والحالة الديمقراطية الفلسطينية، ناهيك عن ما ستنتجه تلك العودة من حراك ومعارضة داخلية في فتح، وهذه العودة ليس لها سوى تفسير واحد، هو الرغبة عند البعض بالحفاظ على السلطة بأي ثمن، وعدم الاستعداد لدفع استحقاقات مغادرة نهج التفاوض، والبحث عن خيارات أخرى، تفقد هذا الطرف امتيازاته وسلطته من طراز تصعيد وتدعيم خيار المقاومة والنضال، وخصوصاً أن رئيس الموساد قد حذر السلطة من أن عدم وقفها للأنشطة الاحتجاجية والمظاهرات في الضفة الغربية، يجعل منها هدفاً لإسرائيل وتقوض سلطتها الوهمية حتى فيما يسمى بمنطقة (أ).