خبر اليسار الموهوم .. هآرتس

الساعة 09:11 ص|08 مارس 2010

بقلم: جدعون ليفي

معسكر السلام الاسرائيلي لم يمت؛ بل انه لم يولد على الاطلاق. صحيح أنه منذ صيف 1967 وحتى اليوم يعمل في اسرائيل بضع مجموعات سياسية راديكالية وشجاعة ضد الاحتلال وكلها جديرة بالثناء والتمجيد، ولكن معسكر سلام كبير وذا تأثير لم يكن هنا ابدا.

صحيح ايضا انه بعد حرب يوم الغفران، حرب لبنان الاولى وعهد اوسلو البهيج، هوه، عهد اوسلو البهيج، خرج مواطنون الى الشوارع ولا سيما عندما كان الجو لطيفا وفي المهرجانات اطلقوا موسيقى اسرائيلية في افضل صورها، ولكن قلة فقط قالوا امورا قاطعة وشجاعة وقلة اقل كانوا مستعدين لان يدفعوا ثمنا شخصيا لقاء نشاطهم. حتى بعد اغتيال اسحق رابين اشعلوا الشموع في الميدان وانشدوا لـ أفيف جيفن، ولكن هذا بالتأكيد لن يسمى معسكر سلام. صحيح ايضا أن اقوال حركة متسبين غداة حرب الايام الستة اصبحت اليوم شبه اجماع، ولكن الحديث يدور فقط عن هراء فارغ من المحتوى. فلم تتخذ أي خطوة عملية حتى الان لتحقيقها. من مجتمع ديمقراطي، يجري في ساحته الخلفية احتلال متواصل ووحشي بهذا القدر وحكومته تتخذ فقط تقريبا لغة التخويف، التهديد والعنف – يمكن ان نتوقع اكثر، اكثر بكثير.

لقد كانت هناك مجتمعات في التاريخ جرت باسمها مظالم فظيعة، ولكن على الاقل في بعض منها جرى ايضا احتجاج يساري حقيقي، غاضب ومصمم، احتجاج يستدعي المخاطرة والشجاعة والتي لا تحصر نشاطها بمجالات الاجماع الدافئة. مجتمع محتل، ميدان المدينة فيه فارغ منذ سنين، باستثناء مهرجانات ذكرى عقيمة ومظاهرات احتجاجية هزيلة المشاركين، لا يمكنه ان يرفع العتب بنقاء اليدين. لا ديمقراطية ولا معسكر سلام. واذا لم يخرج في حملة "رصاص مصبوب" عشرات الالاف الى الشوارع فانه لم يكن هناك في حينه معسكر سلام حقيقي؛ واذا لم يغمر الجماهير الشوارع اليوم حين تكمن المخاطر والفرص تفلت الواحدة تلو الاخر، حين تتلقى الديمقراطية المزيد فالمزيد من الضربات كل يوم ولم يعد وجود لاليات للدفاع عنها كما ينبغي، وحين يسيطر اليمين على الخريطة السياسية والمستوطنون يكتسبون المزيد فالمزيد من القوة – لانه لا يوجد يسار حقيقي.

ليس هناك مثل النقاش في مستقبل ميرتس، في اعقاب تقرير لجنة التحقيق الغريب والسخيف الذي نشر الاسبوع الماضي والذي يوصي بكل التوصيات الممكنة، لتجسيد بؤس اليسار. ميرتس اختفى، لان ميرتس صمت. ولهذا الغرض لا حاجة لاي لجنة، ولكن حتى في عهد عظمته النسبية، لم يكن ميرتس معسكر سلام حقيقي. فعندما هتف "معسكر السلام" لاوسلو، تجاهل عن قصد حقيقة أن فرسان السلام "التاريخي" لم يقصدوا اخلاء ولو مستوطنة واحدة في اطار "الاختراق" الاكبر الذي منح محدثوه جوائز نوبل للسلام، بالتأكيد للسلام. هذا المعسكر تجاهل ايضا خروقات الاتفاق التي قامت بها اسرائيل.

ولكن فوق كل شيء تكمن المشكلة في التصاق "اليسار" المستحيل بالصهيونية بمعناها القديم. بالضبط مثلما لا توجد "ديمقراطية ويهودية" في نفس واحد – ينبغي ان يتقرر ما هو الاسبق – لا يحتمل أن يلتصق اليسار بصهيونية الماضي، تلك التي بنت الدولة، ولكنها انهت مهمتها. هذا اليسار الموهوم لم يتمكن  ابدا أن يفهم المشكلة الفلسطينية حتى منتهاها. تلك التي ولدت في 1948 وليس في 1967 – لم يفهم بانه لا يمكن حلها في ظل تجاهل الظلم الذي لحق في بدايتها. اليسار الذي لا يتجرأ على ان يدس يده في نار 1948 ليس يسارا حقيقيا.

معسكر السلام الموهوم لم يفهم ابدا ما هو الاساس: بالنسبة للفلسطينيين، الموافقة على حدود 67، الى جانب حل مشكلة اللاجئين، بما في ذلك عودة رمزية على الاقل، هي ليس اقل من تنازل أليم. كما أن هذا هو الحل الوسط العادل الوحيد، الذي دونه لن يحل السلام ولا معنى من اتهام الفلسطينيين بتفويته. مثل هذا الاقتراح لم يعرض عليهم ابدا بما في ذلك كل الاقتراحات بعيدة المدى" لايهود باراك وايهود اولمرت.

ميرتس لا بد سيجد ترتيبا تنظيميا كهذا او كذاك وهو سيدخل مرة اخرى نصف دزينة من النواب الى الكنيست، وفي يوم طيب قد يدخل دزينة. ليس لهذا أي معنى. باقي جماعات اليسار، يهودية وعربية، مغيبة. لا احد يوليها أي اهمية ولا احد يفكر باشراكها وهي اصغر من أن تؤثر. وعليه، فهيا نسمي الولد باسمه: معسكر السلام الاسرائيلي هو خدج لم يولد بعد.