خبر مسؤولية بناء النظام العربي الجديد .. بلال الحسن

الساعة 04:20 م|07 مارس 2010

بقلم: بلال الحسن

أصبح العالم كله مقتنعا بأن إسرائيل هي التي تعرقل كل المفاوضات والتسويات السياسية مع الفلسطينيين والعرب. إلا أن دول الجامعة العربية ليست لديها هذه القناعة، وهي تريد أن تحاول وتحاول، تماما كما أن الرئيس محمود عباس يريد أن يفاوض ويفاوض.

وما فعلته الجامعة العربية قبل أيام، حين أعطت لمحمود عباس غطاء سياسيا كان هو يصر على طلبه، لم يكن سعيا وراء مفاوضات ناجحة، أو وراء حلول، إنما كان وبإيجاز، عملية إرضاء للولايات المتحدة الأميركية، فما دامت هي التي تطلب فلا يجوز تفشيلها، وما دامت هي التي تتوسط فلنقنعها أن إسرائيل هي التي تعرقل وليس محمود عباس.

العرب يريدون إقناع أميركا بما أصبح العالم كله مقتنعا به، فها هو دبلوماسي بريطاني، يطرح على وزير الخارجية (ديفيد ميليباند) في ندوة (المعهد الملكي للشؤون الدولية) سؤالا فحواه: لماذا الازدواجية في تعامل بريطانيا والقيادات الغربية مع إسرائيل من جهة، وباقي دول الشرق الأوسط والعالم من جهة أخرى، وخصوصا في تعطيل إسرائيل لعملية السلام في الشرق الأوسط، وتجاوزها للقوانين الدولية؟ وليس مهما هنا ماذا كان جواب وزير خارجية بريطانيا، المهم أن مثل هذا السؤال أصبح مطروحا حتى في أعلى المستويات الأكاديمية البريطانية، وعلى الرغم من ذلك يهرع العرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، لإنقاذ وساطتها غير المباشرة، ولإنقاذ مبعوثها جورج ميتشل، حتى من دون توجيه أي سؤال، مع أن الكل يعرف أنه لولا دعم الولايات المتحدة لإسرائيل دعما مطلقا، لما تجرأ نتنياهو أن يتخذ أي موقف من مواقفه المتحدية إلى حد الرعونة، التي يكثر منها هذه الأيام. ومع أن الكل يعرف أن نتيجة المفاوضات غير المباشرة القادمة على الطريق لن تختلف عن المفاوضات السابقة، فإسرائيل تريد القدس، وتريد مستوطنات الضفة الغربية، وتريد الجدار والأراضي التي ضمها، وتريد تهجير الفلسطينيين، وهي مستعدة بسخاء لا حد له، أن تترك للفلسطينيين إدارة مدنهم أو قراهم بأنفسهم.

وفي اليوم الذي أصدر فيه العرب مكرمتهم بتغطية تراجع الرئيس عباس، وعودته إلى المفاوضات غير المباشرة، من دون أي شروط جادة، كان نتنياهو يتحدى العرب من جديد، ويعلن أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (2/3/2010) تمسكه بمواصلة احتلال وادي نهر الأردن، حتى بعد إنجاز تسوية سياسية ما. قال: "إسرائيل لن توافق على الانسحاب من نهر الأردن في إطار أي اتفاق سلام يتم توقيعه مع الفلسطينيين. إن الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية، تجعل من المستحيل على إسرائيل الانسحاب".

ولكن موقف عباس نفسه يحتاج إلى وقفة، فقد اعتاد القائد الفلسطيني أن يكون متقدما ولو خطوة، على الموقف العربي الرسمي، فيذهب إلى لقاء الجامعة العربية، أو لقاء القمة العربية، ليطلب مساندة العرب في التقدم خطوة إلى الأمام. أما أن يذهب إليهم طالبا دعم تراجعه، وتراجعهم، خطوة كبيرة إلى الوراء، فهذا أمر لم يحدث في تاريخ الدبلوماسية الفلسطينية من قبل.

ومن قائل هنا إن الأمر حين يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية، فإن الدول العربية لا تستطيع أن تقول لا، وهذا طلب مفاوضات غير مباشرة من أميركا نفسها، فكيف نقول لا لا؟؟؟ تحضر إلى الذاكرة هنا جملة الملك فيصل التي كان يرددها على مسامع كيسنجر، وهو يحاول إقناعه بالخطة الأميركية، فيكون رده أنه يريد الصلاة في القدس. ومع أن فيصل لم يستطع الصلاة في القدس، فإنه كان أساسيا في حرب 1973 من خلال حظر تصدير النفط. وتحضر إلى الذاكرة هنا قمة فاس التي جاءها ياسر عرفات بعد معركة بيروت 1982، ووجد أمامه مشروع الملك فهد لدعمه ولدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود 1967، وعاصمتها القدس. وتحضر إلى الذاكرة هنا، قمة بيروت حيث ووجه فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 بين عرفات وايهود باراك بمبادرة الملك عبد الله التي طلبت الانسحاب الإسرائيلي الشامل من أراضي 1967 المحتلة، وعلى الرغم من انحياز أميركا (بيل كلينتون) إلى إسرائيل بالكامل في تلك المفاوضات.

هناك إذن سوابق كثيرة، سعى العرب من خلالها إلى رفض الانصياع لطلب الإدارة الأميركية، حرصا ولو على شيء بسيط من المصلحة العربية، فلماذا إذن هذا السعي الجماعي للحرص على عدم إقلاق راحة الضيف الأميركي؟

لنذكر أن القمة العربية التي عقدت في السعودية، طاف في أرجائها طويلا شعار "استعادة القرار العربي". يعترف هذا الشعار بأن القرار السياسي العربي مسروق الإرادة، ويعترف بضرورة العمل لاستعادته ممن سرقوه، فلماذا لا يكون هذا الشعار من جديد هو شعار القمة العربية التي ستنعقد في ليبيا نهاية هذا الشهر؟ يبدو أن هذه الأمنية صعبة التحقيق، وبدليل قرار الجامعة العربية الأخير الذي يحرص على إرضاء جورج ميتشل، بينما "استعادة القرار العربي" هي معركة مع من هم أكبر وأهم وأخطر من جورج ميتشل.

لقد دق قرار الجامعة العربية الأخير، ناقوس الخطر حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في القمة المقبلة. فالمنطقة تعاني وكما يقول الكثيرون، وبلوم شديد للفلسطينيين، من حالة الانقسام فيما بينهم، تعرقل إنجاز الحلول السياسية. ولكن الحقيقة أن المنطقة تعاني من حالة انقسام عربية أخطر، والانقسام الفلسطيني هنا هو صنو الانقسام العربي، ومن يريد أن يبحث عن مخرج للانقسام الفلسطيني عليه أولا أن يبحث عن مخرج للانقسام العربي، وحين ينجح العرب في الاجتماع، وفي جدول أعمال، وفي صياغة خطة سياسية مستقلة تعبر عن المصالح العربية، ولا تراعي مشاعر هذه الدولة أو تلك، إلا من زاوية المصلحة العربية فقط، فعندها سنجد أن الخلاف الفلسطيني قد دخل فورا مرحلة الحل والتوحد. أما ما يقال عن المصالحات، وأوراق المصالحات، فليس سوى علامات طافية على السطح، تؤشر لما يغلي تحت السطح من قضايا جوهرية مختلف عليها. إن البحث عن توافق عربي ليس شكليا. فقد كان ثمة نظام عربي قائم، وكان لهذا النظام دول تقوده، ولكن هذا النظام غاب عن الوجود، منذ اتفاقات كامب ديفيد، ومنذ احتلال العراق للكويت، ومنذ الحرب الأميركية الأولى على العراق، ومنذ الحرب الأميركية الثانية ضد العراق، وهو لم يقم من جديد حتى الآن. ومن غير الممكن معالجة المشكلات العربية المستجدة من دون إعادة بناء هذا النظام العربي. إنها مهمة كبيرة إذن، وما لم نقدم عليها فسنبقى ندور في إطار القضايا الصغيرة، ونختلف حتى على القضايا الصغيرة. ولكن ما أن يبادر قائد، أو تبادر دولة إلى رسم منهج إعادة بناء النظام العربي، حتى تنتظم كل حالات الفوضى في إطار سياسي واحد يعبر عن التعاون والتضامن والقوة.

فمن هو القائد الذي يملك القدرة على فعل ذلك؟ ومن هي الدولة التي تملك القدرة على فعل ذلك؟ بالخطط لا بالكلمات. وبالفعل لا بالكلمات.