خبر النساء ينافسن الرجال..تونس: تتفوق عربياً في التدخين

الساعة 06:34 ص|06 مارس 2010

 فلسطين اليوم-وكالات

  3500 شخص فقط، من بين أكثر من 4 ملايين مدخّن في تونس، «بطلة العرب» في استهلاك التبغ، أقلعوا عن التدخين عام 2009 ما دفع الحكومة آنذاك لإطلاق خلاله حملة واسعة النطاق بل وغير مسبوقة لمكافحة التدخين وتستمر 5 سنوات لتقليص عدد المدخنين بنسبة 10 بالمائة( بمعدل 2 بالمائة سنويا) والنزول به إلى نسبة 25 بالمائة من مجموع السكان مع حلول عام 2013

 

وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد أعلن 2009 «سنة وطنية لمكافحة التدخين» بعد أن أظهرت دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية (سنة 2008)عن أنّ تونس هي الأولى عربيا في عدد المدخنين وأن 35 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين نسمة يدخنون. وبحسب الدراسة فإن 50 بالمائة من الرجال و10 بالمائة من النساء في تونس يدخنون وأن معدل استهلاك الفرد الواحد من التبغ يبلغ 17 سيجارة يوميا.

 

عجز متفاوت

 

وقالت الدراسة إن أعلى نسبة من الرجال المدخنين في الوطن العربي توجد في تونس، فيما حل رجال اليمن في المركز الثاني ورجال سلطنة عمان في المركز الأخير باعتبارهم الأقل استهلاكا للتبغ. كما أظهر المشروع العربي الأخير لصحة الأسرة بجامعة الدول العربية أن أكبر نسبة للمدخنين بين الشباب العربي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة توجد بتونس وتبلغ 16 بالمائة. وكشفت إحصائيات حديثة نشرتها جريدة الصباح التونسية أن عدد المدخنين في تونس ارتفع إلى 4 ملايين و200 ألف من بينهم 22 بالمائة من الإناث ممن تتراوح أعمارهن بين 17 و64 سنة.

 

وأظهرت أحدث إحصائيات وزارة الصحة التونسية أن 20 تونسيا على الأقل يموتون يوميا بسبب الأمراض التي يسببها التدخين. وتعتبر هذه النسبة من بين الأرفع في الدول العربية والعالم إذا ما قيست بعدد سكان تونس البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين نسمة.

 

 

وأفادت دراسة حديثة أجرتها وزارة الصحة التونسية أن 90 بالمئة من حالات الإصابة بسرطان الرئة و 85 بالمئة من الالتهابات المزمنة للقصبات الرئوية و 75 بالمئة من الجلطات القلبية و 25 بالمئة من أمراض القلب المسجلة بين التونسيين ناجمة عن التدخين. وتقول الوزارة إن التدخين يتسبب في ثلث حالات الأمراض السرطانية المسجلة سنويا في تونس. وبحسب إحصائيات رسمية حديثة يتم سنويا تسجيل 12 ألف إصابة جديدة بالسرطان في تونس.

 

الأطفال والدخان

 

من ناحية أخرى أكدت «الجمعية التونسية للدراسات والبحوث الجنسيّة» في دراسة نشرتها سنة 2008 أن التدخين كان من العوامل الرئيسية المتسببة في إصابة نحو 40 بالمائة من رجال تونس بعجز جنسي متفاوت الخطورة (خفيف، متوسط، تام) ولا تصيب الأمراض الناجمة عن التدخين المدخنين فقط بل تشمل أحيانا المدخنين السلبيين والذين يضطرون دون إرادتهم إلى استنشاق دخان التبغ الذي ينفثه زملاء العمل أو أفراد العائلة أو رواد المقاهي.

 

ويقدر عدد المدخنين السلبيين في تونس بنحو 6 ملايين شخص. وتتكبّد وزارة الصحة التونسية سنويا خسائر بنحو 200 مليون دينار (حوالي 155 مليون دولار أميركي) جراء الإنفاق على علاج الأمراض التي يسببها التدخين مثل أمراض القلب والشرايين والأمراض التنفسية والسرطانية.

 

وأظهرت دراسة أجراها عام 2000 المعهد التونسي للصحة العمومية أن 60 بالمئة من أطفال تونس جربوا التدخين. كما أظهرت دراسة حول «صحّة المراهقين بالوسط المدرسي»، أجرتها وزارة الصحة العمومية ونشرت نتائجها عام2007 ، أنّ التونسي يدخن أول سيجارة في حياته في سن 13 عاما وهو تلميذ بالمدرسة. وبحسب نفس الدراسة فإن 13 فاصل 5 بالمئة من التلاميذ الذكور و 4 بالمئة من الإناث ممن هو في سن ال13 عاما يدخنون الشيشة.

 

ويحذر أطباء ومدرسون ووسائل الإعلام المحلية باستمرار من أن ظاهرة تدخين تلاميذ المدارس من الجنسين باتت في تفاقم متواصل وان النسبة الحقيقية للأطفال المدخنين بالمدارس أرفع بكثير مما هو معلن رسميا لان أغلبهم يدخّن سرّا.

 

وأصبحت مدارس وجامعات المدن التونسية الكبرى ومقاهيها ومطاعمها تعج بالمدخنات اللاتي كسرن احتكارا ذكوريا للتبغ استمر عقودا طويلة في تونس.

 

ويؤكد علماء الاجتماع أن تدخين المرأة التونسية للسجائر أو الشيشة في الفضاء العام (المقاهي والمطاعم والمدارس والجامعات...) ظاهرة اجتماعية جديدة في البلاد برزت بعد عقود من اختلاط الجنسين في أماكن العمل والدراسة.

 

وقديما كانت نساء الأرياف والقرى التونسية وبخاصة العجائز يشاركن الرجال في استنشاق «النفّة» وهي تبغ مسحوق لونه مائل إلى البنّي وطعمه حار يتمّ استنشاقه مباشرة عبر الأنف أو الفم دون حاجة إلى حرقه مثلما تحرق السجائر. ولم يكن المجتمع آنذاك يرى في ذلك أي حرج.

 

وقال عالم الاجتماع التونسي محمود الذوادي إن تدخين المرأة ظهر أول مرة في تونس بين نساء المستعمر الفرنسي (1881 -1956 ) ثم في المدن الكبرى بين التونسيات المنتميات إلى الطبقة البورجوازية لكنه لم يخترق الفضاء الخاص إذ كان يتمّ داخل منازل تعقد فيها اللقاءات النسائية.

 

أحكام سلبية

وأضاف الذوادي أن المجتمع التونسي يحمل أحكاما مسبقة سلبية عن المرأة المدخنة موضحا أن هذا المجتمع لا يزال يعتبر مسك السيجارة رمزا دالا على الذكورة ويرى في تدخين المرأة تشبها بالرجال يفقد المرأة خصوصياتها كأنثى.

 

وتعدّ المقاهي «مرتعا» حقيقيا للمدخنين في تونس التي بها حوالي 30 ألف مقهى أي بمعدل مقهى لكل 350 ساكن. وتعج هذه الفضاءات من الصباح الباكر وحتى المساء بمدخني السجائر والنرجيلة شصالشيشة». ولا يتطلب فتح مقهى في تونس الحصول على ترخيص من السلطات بل يكفي احترام «كراس شروط» يحدد المواصفات الواجب توفرها في المقهى لفتحه للعموم. وأظهرت دراسات محليّة أن المقهى هو المكان المفضل الذي يقضي فيه أغلب الرجال التونسيين أوقات فراغهم لشرب السجائر والشيشة.

 

إنفاق كبير

 

وقال محمد صاحب محلّ بيع سجائر وسط العاصمة تونس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن المدخّن الواحد من زبائنه ينفق ما بين 30 و100 دينار شهريّا على شراء التبغ وذلك بحسب نوعية السجائر، مضيفا أن أعدادا غير قليلة من عملائه يشترون يوميا علبتين وأحيانا ثلاث علب دخان (العلبة تحوي 20 سيجارة ).

 

وبحسب إحصائيات رسمية فإن نسبة إنفاق العائلة التونسية على التدخين تبلغ 1,3 بالمئة من ميزانية العائلة مقابل 9ر2 بالمئة على من إنفاقها على التعليم .

 

ويقول أغلب المدخنين إنّهم لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين وأنهم حاولوا أكثر من مرة لكن دون جدوى. ويقرّ أطباء بصعوبة الإقلاع لأن خلايا دماغ المدخن تدمن على مادة النيكوتين التي يحتويها التبغ وتصبح في حاجة إلى كميات متزايدة منها كي يحس المدخّن بالراحة والهدوء ويستطيع التركيز.

 

ولفت أطباء إلى أن المدخّن يعاني إلى جانب الإدمان البيولوجي على النيكوتين إدمانا نفسيا يتمثل في اعتقاده الراسخ واقتناعه بأنه يستحيل عليه العيش دون السجائر. ولمساعدة مدمني السجائر على الإقلاع فتحت السلطات عيادات تقدم مساعدة طبية ونفسية لتخليص المدمنين من براثن التبغ.

 

بدأت تونس سنة 2000 تجربة عيادات المساعدة على الإقلاع عن التدخين التي يقدّم فيها أطباء متخصصون العون الطبي والنفسي للمدخنين الراغبين في توديع عالم التبغ دون رجعة.

 

مكافحة التدخين

 

وقد فتحت وزارة الصحة العمومية في سنة 2009 التي أعلنها الرئيس التونسي «سنة وطنية لمكافحة التدخين» مئة عيادة إضافية دفعة واحدة بمختلف محافظات البلاد ما رفع عدد العيادات الجملي إلى نحو 130. وجنّدت الوزارة لهذه العيادات حوالي 2000 طبيب تابعوا دورات تدريبية خاصة في مجال مساعدة المدخنين على الإقلاع عن استهلاك التبغ. ويوجد في كل عيادة طبيب مختص في الأمراض الصّدرية وطبيب نفساني وممرضون.

 

وتجرى على المدخن في أول فحص طبي اختبارات لمعرفة مستوى تبعيته للسيجارة ومدى استعداده ورغبته في تركها. ويتمّ على ضوء نتائج الفحص تحديد الطريقة الأنسب لكل شخص لمساعدته على الإقلاع.

 

وخلال كامل عام 2009 استقبلت عيادات المساعدة على الإقلاع عن التدخين 10 آلاف مدمن على التبغ طلبوا العون الطبّي للتخلص من التدخين إلا أن 3500 فقط منهم التزموا بمواصلة العلاج إلى الآخر إلى أن تخلصوا نهائيا من التبغ

 

وتوفر الدولة في هذه العيادات الجرعات المعوضة للنيكوتين وحبوب معالجة الإدمان مجانا للمعوزين والتلاميذ والطلبة والحوامل والكهول المصابين بأمراض مزمنة رغم غلاء هذه المواد.

 

وقال مصدر طبي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنّ المدة اللازمة لعلاج المدمنين على التدخين تتراوح بين 6 أسابيع و3 أشهر معتبرا أن الطول النسبي لفترة العلاج حدّ من إقبال الراغبين في التخلص من التبعية للتبغ على عيادات المساعدة على الإقلاع عن التدخين.

 

واقترحت صحف محلية على هذه العيادات التوجّه نحو المدخّنين في أماكن العمل والمدارس والجامعات موضحة أن كثيرا من المدخنين يرغبون في الاستفادة من خدمات هذه العيادات لكن التزاماتهم المهنية والدراسية حالت دون ذلك.

 

وأصدر محمد الغنوشي رئيس الوزراء التونسي في مارس 2009 منشورا إلى الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات ورؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية في تونس شدد فيه على ضرورة حظر التدخين في الأماكن المخصصة للاستعمال الجماعي بالإدارات العمومية وتفعيل قانون يفرض غرامات مالية على المخالفين.

 

وكانت تونس من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانونا عام 1998 يحظر التدخين في الأماكن العامة ويحظر الدعاية للسجائر.

 

 

قانون رادع

 

ويقضي القانون بتغريم كل مخالف بـ 25 دينارا (حوالي 20 دولارا) ومضاعفة الغرامة في حالة العودة، لكن هذا القانون بقي ضعيف التطبيق إلى أن قررت السلطات تفعيله منذ عام 2009 .

 

 

وذكرت تقارير صحفية أنه تم خلال عام 2009 رفع أكثر من 25 ألف مخالفة ضد أشخاص تم ضبطهم وهم يدخنون في أماكن محظور التدخين فيها.

 

ورغم أن مراقبة المخالفين وتحرير الغرامات كان من اختصاص رجال الشرطة فقط إلا أن السلطات أسندت عام 2009 هذه الصلاحيات إلى 1730 من أعوان الصحة كما قامت بتشكيل لجان جهوية بكافة المحافظات لمراقبة الفضاءات المستهدفة وخاصة المؤسسات الصحية والتعليمية.

 

وينتظر أن يتم في مارس القادم توسيع الحظر بصفة تدريجية ليشمل المقاهي والمطاعم والمؤسسات السياحية.

 

انتاج التبغ والاستيراد من الخارج

 

قالت «الوكالة التونسية للتبغ والوقيد» الحكومية التي تحتكر صناعة التبغ في تونس، في بيانات على موقعها في شبكة الانترنت إن قطاع التبغ يشغّل نحو 21600 تونسي يتوزّعون بين حوالي 8400 عامل في زراعة التبغ و2200 عامل في صناعته و11000 في بيع السجائر. وتحتكر الحكومة وحدها صناعة التبغ في البلاد منذ عام 1890.

 

 

ويصنع في تونس اليوم 17 نوعا من التبغ (9 نوعيات من السجائر و5 من السيجار و 2 من تبغ الاستنشاق المعروف باسم «النفّة» ونوعية واحدة من تبغ الغليون). وتمثل أنواع التبغ المصنوعة محليا نحو 90 بالمئة من جملة مبيعات التبغ في البلاد. وتستورد تونس نحو 30 علامة أجنبية من السجائر والسيجار والمعسل.

 

كما يتم تهريب كميات هامة من التبغ من الجارتين الجزائر وليبيا وبيعها بأسعار أرخص ثلاث مرات من أسعار البضاعة المحلية. ولاحظت الوكالة وجود «تزايد مطّرد في الطلب على السجائر ذات النكهة الخفيفة والمعطرة» بين التونسيين. وأدخل الأوروبيون عام 1830 نبتة التبغ إلى تونس وزرعوها في حقول شمال البلاد. وأصبحت زراعة التبغ نشاطا عائليا وبخاصة في شمال غرب البلاد.

 

وتتأقلم هذه النبتة مع كل أنواع المناخ والتربة وتتراوح دورة زراعتها بين 110 و120 يوما.

 

وتؤثر الظروف المناخية ونوعية التربة مباشرة على الخصائص الكيميائية والفيزيائية للتبغ وخاصة على نسبة النيكوتين والقابليّة للاحتراق. ويزرع في تونس أربعة أنواع من التبغ هي التبغ الأسمر ويطلق عليه محليا اسم»العربي» وينبت في شمال البلاد، و»بورلي» و»الشرقي» وهما نوعان من التبغ الخفيف تم توريدهما وزراعتهما مؤخرا في الشمال، وتبغ الاستنشاق من نوع «الصوفي» ويزرع في الشمال الشرقي والجنوب الغربي للبلاد.

 

وتقول الوكالة التونسية للتبغ والوقيد إن المساحات المخصصة لزراعة أنواع التبغ الخفيف في تونس «ما انفكت تتزايد من سنة إلى أخرى».

 

وتوفر صناعة التبغ وتجارته للدولة إيرادات مالية سنوية بنحو مليار دولار أميركي لذلك يقلل مراقبون من جدوى حملات الحكومة لمكافحة استهلاك التبغ الذي باتت صناعته إحدى المحركات الاقتصادية في البلد.