خبر تغطية الاستيطان بالمفاوضات .. عريب الرنتاوي

الساعة 03:22 م|05 مارس 2010

بقلم: عريب الرنتاوي

حدث ما كان متوقعا تماما ، فالمكتوب يقرأ من عنوانه ، وعنوان لجنة المتابعة العربية التي التأمت في القاهرة كان نافرا: لا بديل عن المفاوضات إلا المزيد منها ، حتى وإن كانت عبثية وبلا طائل و"مضيعة للوقت والحقوق" ، ولا بديل عن خيار السلام الاستراتيجي الوحيد ، سوى خيار السلام الاستراتيجي الأوحد ، ولا ملجأ من واشنطن إلا إليها ، ولهذا لم نكن "نقرأ بالمندل" ولا "نضرب بالرمل" عندما قلنا وقال غيرنا ، بأن عرب الاعتدال وفلسطينييه ، "سيلحسون" مواقفهم المسبقة ، ويبتلعون شروطهم ـ مطالبهم المحقة ، ويهرولون إلى مائدة مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ، فالطريق الذي سلكناه منذ مدريد ، هو طريق ذو اتجاه واحد ، نغذ السير عليه ونحن مدركون أنه غير نافذ ، حتى وإن تحوّل سيرنا عليه إلى نوع من المراوحة في المكان ، كتلك التي تتقن أداءها الطوابير العسكرية عندما تصدع لأمر آمرها: مكانك سر؟،.

السلطة الفلسطينية ، ومن موقع "الانضباط الشديد" لقواعد العمل العربي المشترك (؟،) ، أعلنت مبكرا بأنها ستنحني للقرار العربي الجماعي ، ولا أدري إن كان الذهاب إلى أوسلو قد تم بقرار عربي جماعي ، بل ولا أدري إن كانت الرصاصة قد أطلقت بقرار عربي جماعي ، أليس تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بمجمله ، هو تاريخ الصدام مع "القرار العربي" الجماعي ، المائل بخط ثابت ومن الهزيمة ـ النكسة ، نحو مزيد من التخاذل والتهافت والهرولة إلى غير ما هنالك.

والعرب كدأبهم دائما ، لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم ، وهم يدعمون ما يريده الشعب الفلسطيني ، طالما أنه لا يتعلق بالثورة والمقاومة والانتفاضة وتعزيز الصمود والتسليح والتدريب والتجهيز والتمويل ، هم والحق يقال ، مستعدون تمام الاستعداد لدعم السلطة والمنظمة في جنوحهما المستمر للتخلي عن كل هذا "الركام القديم" والهرولة على دروب المفاوضات غير المشروطة ، مباشرة كانت أم غير مباشرة.

لقد حصلت "المعجزة" ، والتقت الرغبات والمصالح ، وسار النظامان الرسمييان ، الفلسطيني والعربي ، جنبا إلى جنب ، على دروب الهرولة نحو مفاوضات غير مشروطة ، لقد تم توزيع "دم الفلسطينيين وحقوقهم" على القبائل العربية ، فلا أحد مسؤول عن "الفضيحة" والكل بمقدوره أن يدّعي بأنه غير مسؤول ، وأنه فعل ما فعل خدمة للتضامن والعمل العربي المشتركين ، وتحت ضغطهما.

لن نأخذ بكل الإنشاء الحازم والصارم الذي غلّف أكثر القرارات العربية تهافتا ، فما بقي عالقا في الأذهان من قرارات الوزراء العرب ومداولاتهم ، هو الذهاب إلى مفاوضات غير مشروطة ، مع حكومة اليمين واليمين المتطرف ، وفي ظرف سياسي وأمني بالغ الإهانة للعرب والاستهانة بحقوقهم ومقدساتهم وكراماتهم ، ففيما حكومة نتنياهو ـ باراك ـ ليبرمان تمعن في التوسع الاستيطاني ، وتكثف التهويد الزاحف للقدس ، وتقضم المواقع الدينية والمقدسات قطعة تلو أخرى ، وتضيفها إلى قائمة التراث الديني اليهودي ، فيما هذه الحكومة تواصل عدواناتها على الضفة والقطاع على حد سواء ومن دون تمييز ، نجدنا "ندير لها خدنا الأيسر" ، ونمد له يد السلم والتفاوض ، وكيف لا نفعل ذلك ونحن الذي جردنا أنفسنا من كل عناصر القوة وأوراق الاقتدار ، ورضينا أن ندخل الحرب بلا سلاح ، وأن نقلم أظافرنا ونقلّع أسناننا بأيدينا.

أما حكاية الأشهر الأربعة فمضحكة للغاية ، أولا لأننا نعرف والوزراء يعرفون ما الذي سيحصل خلال هذه الفترة وفي ختامها ، لأننا ندرك وهم يدركون أن التلويح بورقة مجلس الأمن ، هو سلاح مثلوم ، جربناه ولوحنا به المرة تلو الأخرى ، ومن دون جدوى ، وستنتهي فترة الأشهر الأربعة ، وسيخرج علينا عند انتهائها وقبل انتهائها ، من يطلب التجديد والتمديد ، ومن يدعو لـ"تصفير العداد" ، هكذا كان حالنا من قبل ، وطوال سنوات وعقود طوال ، وهكذا هو حالنا الآن ، وسيظل الحال على هذا المنوال ، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

أخطر ما في قرار وزراء المتابعة العرب ، أنهم وبغالبيتهم ، أجازوا وارتضوا استمرار المفاوضات والاستيطان معا ، أنهم صادقوا على أن المفاوضات لا تتعارض مع الاستيطان ، صحيح أننا فاوضنا من قبل من دون وقف الاستيطان ، ولكن الصحيح أن المفاوضات هذه المرة ، وبعد أن هزمنا في معركة تجميد الاستيطان ، ستنطوي على إقرار المهزوم باستمرار الاستيطان ، وعدم اعتباره عقبة على طريق السلام والمفاوضات ، فهنيئا لليمين واليمين المتطرف الذي عرف كيف يعيدنا إلى بيت الطاعة ، مثنى وثلاث ورباع ، فرادى وجماعات ، وبأسرع مما كان يعتقد.