خبر بينما كنتم تتجادلون..هآرتس

الساعة 12:26 م|05 مارس 2010

بقلم: عاموس هرئيل

الشخصي يختلط بالاستراتيجي والاستراتيجي بالشخصي. في الوقت الذي يتقدم فيه البرنامج النووي الايراني بوتيرة اسرع من المتوقع، بينما اسرائيل تخشى الاشتعال في لبنان وتواصل دفع ثمن سياسي على التورط في قضية دبي، ينشغل كبار رجالات جهاز الامن بعدة امور اخرى. كل شيء مرتبط. الخلافات بين وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الاركان غابي اشكنازي ليست شخصية فقط. فهي تتسرب الى سلسلة من الامور المهنية، وعلى رأسها معالجة الازمة الايرانية. غير أنه حين تكون العلاقات متوترة، يكون من الصعب ادارة نقاش استراتيجي مبدئي، نقي. واصعب من ذلك، للناظر من الجانب المستعين بقطع من المعلومات والمعلومات الكاذبة من الاطراف المتناكفة ان يعرف من حقا قلق فقط على أمن اسرائيل ومن غارق ايضا في تحقيق مصالح شخصية.

علاقات الوزير ورئيس الاركان، والتي اشتعلت بصخب في الصدام بين مساعديهما قبل بضعة اسابيع، لم تعد الى مسارها الصحيح رغم مساعي التهدئة العلنية. وهذا تصعيد متواصل يتغذى بالشبهات المتبادلة وبنبش من غير قليل من المحافل. اصدقاء رئيس الاركان، بينهم جنرالات متقاعدون، يدعون بتنكيل منهاجي وموجه من جانب مكتب الوزير. في محيط الوزير يعتقدون بان هذا ادعاء ممجوج ويتحدثون عن علاقات عمل سليمة ولقاءات جارية.

ما يبحث حقا في قمة المحور الراديكالي في دمشق، قبل نحو اسبوع يعرفه فقط المشاركون فيه وربما بعض من محافل الاستخبارات الغربية. فهل تشاور زعماء ايران، سوريا، حماس وحزب الله في كيفية اشعال صدام مستقبلي مع اسرائيل ام ربما سعوا فقط الى خلق هذا الانطباع لاغراض الردع؟ الواضح هو أن درجة الحرارة الاقليمية لا تزال قريبة جدا من الغليان.

المشاركون في المناورة الاركانية "حجارة نارية 12" في نهاية شباط خرجوا منها متشجعين من الجدية ومن التعاظم اللذين اظهرهما كبار رجالات الجيش الاسرائيلي ولكن متشككين من السطر الاخير. اسرائيل تجد صعوبة في ايجاد صيغة مظفرة لمواجهة مستقبلية في الشمال. صحيح، هي قادرة على ان توقع خرابا ودمارا على لبنان وبناه التحتية، ولكن ليس بوسعها ان تقلص بشكل حاد وكاسح نار الكاتيوشا او المنع التام لنار الصواريخ الاثقل على غوش دان.

عصبية اقليمية

        السناتور جون كيري، الذي مر هنا هذا الاسبوع، اماط اللثام عن سلسلة الزيارات الاخيرة لمسؤولين امريكيين كبار الى البلاد، حين اعترف بشكل غير مباشر بان هدفها كان منع هجوم اسرائيلي قريب في ايران. صحيح أن الامريكيين يحتاجون الى العصا الاسرائيلية كي يقنعوا الصين المتشككة بالانضمام الى عربة العقوبات ضد ايران، الا انهم قلقون حقا. اسرائيل، التي شككت مسبقا بنجاح مبادرة الحوار بين ادارة اوباما وايات الله، تشكك الان (حاليا على مستوى منخفض من الانكشاف) بقيمة العقوبات، التي يتبين أنها ستبدأ في اقرب وقت في نيسان.

        الادارة اخطأت في التواضع في الخيار العسكري على مدى المفاوضات وفي موافقتها على التأجيلات المتكررة للمفاوضات الدبلوماسية، بناء على طلب ايران. وعندما تم البحث اخيرا، في تشرين الاول الماضي في اقتراح الحل الوسط للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالتخصيب الخاضع للرقابة لليورانيوم خارج ايران، كان الايرانيون هم الذين تملصوا. يبدو ان القرار اتخذه الزعيم الروحي علي خمينئي الذي لم يؤمن بصدق النوايا الامريكية. وبين هذا وذاك، كسبت ايران لنفسها اكثر من سنة في اثنائها عملت اجهزة الطرد المركزي دون انقطاع.

        العصبية الاقليمية ولدت ترددات في اسرائيل، بعضها في محافل غير رسمية. هذه هي  لحظة المستشارين والمبعوثين، الذين يسعى بعضهم الى وقف خطر التدهور. واذا كانوا في الماضي وثقوا بباراك، بفضل تجربته الكبيرة، فانهم يضعون أملهم الان في اشكنازي.

        اشكنازي، يقول شخص يعرفه جيدا، يعرف ان التاريخ لن يغفر له اذا ما تبين مع قدوم الوقت انه لم يعد الجيش الاسرائيلي كما ينبغي لمهمة الهجوم المحتملة. بالمقابل، فانه على علم بقيود قوة اسرائيل. فهل سيوفر رئيس الاركان توصية لا لبس فيها للقادة السياسيين؟ احد الادعاءات تجاهه هو أنه يميل الى ان يعرض على الوزراء تفاصيل عمليات محتملة دون الاعراب عن موقف ملزم.

        حسب تقرير في "معاريف" قبل اسبوع يعتقد رئيس الاركان بان الخيار العسكري لاسرائيل صوري وان الهجوم على المواقع النووية لا يمكنه أن يكون عملا اسرائيليا. وقيل ان اشكنازي اقام حلفا استراتيجيا مع رئيس الدولة شمعون بيرس، محور معتدل يصد الثنائي نتنياهو – باراك.

        بالنسبة لاشكنازي، الذي يرفع بدرجة تغطيته الاعلامية (رغم انه لا يزال يمتنع عن اجراء المقابلات) كان هذا اسبوعا اعلاميا معقولا نسبيا. بالمقابل، تساءل هذا الاسبوع بعض من مرؤوسيه الكبار اذا كان النشر في "معاريف" لا يحقق نتيجة معاكسة لما هو مرغوب فيه من ناحية رئيس الاركان. في مكتب باراك يقرأون ويسجلون كل كلمة. اذن ماذا سيخرج لاشكنازي من هجوم آخر على وزير الدفاع، الرجل الذي يفترض به أن يحسم اذا كان سيحصل على سنة خامسة في منصبه؟ والحكماء اضافوا تفسيرا "مقلوب على مقلوب": اشكنازي يعرف بان الشرخ مع باراك اكبر مما ينبغي. اذا كان الاحتمال لسنة خامسة متدن، فان وجهته نحو الحياة المدنية بعد 11 شهرا – الى الاعمال ومن هناك، بعد نحو ثلاث سنوات من التجميد – ربما الى السياسة ايضا.

        سيكون الحال على ما يرام

        الضيوف الذين تلقوا دعوة الى مبنى هيئة الاركان يوم الاحد من هذا الاسبوع لاحظوا التوتر على وجه رئيس الاركان. قبل وقت قصير من ذلك التقى مع تشيكو تمير وابلغه بقراره انهاء خدمته في الجيش الاسرائيلي.

        وسبق تنحية تمير، في اعقاب ادانته في قضية حادثة طرق التراكتور الصغير الذي ساقه ابنه القاصر، تردد طويل. وتلقى تمير من محيط رئيس الاركان رسائل متناقضة: قبل ثلاثة اشهر نقل هنا بان اشكنازي يخطط لـ "تجفيفه" وليس لعرض مناصب جديدة عليه. ولكن مقربي تمير يدعون ان في شباط، بعد القرار بتقديم العميد عماد فارس الى المحكمة الانضباطية، المحوا له من المكتب بانه في حالته بالذات سيكون الامر على ما يرام.

        يبدو أن تمير سعى الى كسب الوقت وانتظار تعيين رئيس الاركان القادم. اثنان من المرشحين لخلافة اشكنازي (موشيه كابلنسكي ويوآف جلانت)، كانا سيعينانه بالتأكيد لواءا. لدى اثنين آخرين (بيني غينتس وغادي آيزنكوت) من المعقول ان يرى الباب الى الخارج.

        قرار محكمة الاستئناف، الذي الغى في تشرين الثاني الماضي تخفيض رتبة تمير وأبقى ادانته على حالها، ترك لرئيس الاركان خيارين: ابقاء تشيكو في الجيش (شريطة الا يرفع على مدى سنتين) او السماح له بالاعتزال مع رتبه. حقيقة أن القضاة لم يقرروا صراحة اذا كان تمير كذب في التقرير عن الحادثة، منحت اشكنازي مجال مناورة معين.

        الكثير كتب هذا الاسبوع عن الاعتبارات القيمية التي وجهت اشكنازي، في محاولة لاقتلاع وباء التقارير الكاذبة في الجيش. وتقريبا لم يجرِ الحديث عن العلاقات الاخرى. منصب رئيس الاركان هو الاكثر شعبية عند الجمهور، ذاك الذي يلصق بوستر حامله بفخار على الجدران. ولكن رئيس الاركان هو ايضا شخصية سياسية. تماما مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع، كل خطوة بهذا الحجم تدرس ايضا من زاوية الصورة: هل سيخرج معززا ام ضعيفا من القضية؟ طامس للقصورات ام رجل مبادىء؟

        تنحية تمير، والامور تكتب بأسف لان الحديث يدور حقا عن القائد القتالي المتميز في جيله، معقولة في هذه الظروف. الطريقة كانت معوجة، ولكن حتى لو خرج اشكنازي من القضية مرضوضا، فانه لم يصطدم بمعارضة حقيقية.

        لا تزال هناك تساؤلات عديدة حول تدحرج تحقيق تمير، في النيابة العامة والشرطة العسكرية. كيف اتفق على الصفقة القضائية (دون الادانة بالكذب) بسرعة كهذه فور شهادة محقق الشرطة العسكرية في المحاكمة والذي تلقى تعليمات بعدم التحقيق مع العميد المتميز تحت طائلة التحذير. كيف يحتمل أن يكون قرار القائد المجرب للمحقق، المقدم شاشي مجيدو، اعتبر فقط كـ "خطأ مهني"؟ ماذا يساوي عقاب تأخير الترفيع بسنتين، والذي كان اتخذه مجيدو، اذا كان لا يفترض أن يرفع في هذه الفترة على أي حال؟ وكيف نسي كبار رجالات النيابة العسكرية الاطلاع على تحقيقات الشرطة العسكرية على مدى نحو سنة، وان كانوا صادقوا على بدئها؟

        لجنة داناي التي حققت مع المحققين اخرجتهم تماما بثمن زهيد. تقريرها الكامل رآه قلائل فقط ولكن في الشكوك يشارك كثيرون، في النيابة العامة وفي الشرطة العسكرية. لولم يختر اشكنازي هذا الاسبوع ابعاد تمير، يحتمل ان يكون فحص القضية ثار من جديد، هذه المرة من خلال محافل اخرى، لا تلبس بزات الجيش الاسرائيلي.