خبر أي دور للعرب في عالم يعاد تشكيله؟ .. عوني فرسخ

الساعة 08:29 ص|05 مارس 2010

أي دور للعرب في عالم يعاد تشكيله؟ .. عوني فرسخ

في رحاب مكتبة الاسكندرية عقد بين 1 و3 مارس/ آذار الجاري الاجتماع السنوي السابع لمنتدى الإصلاح العربي تحت عنوان: "عالم يتشكل من جديد أين دور العرب؟". وكثيرة هي الأدبيات التي توالت في العقد الأخير متحدثة عن المتغيرات الجارية في موازين القوى الدولية والإقليمية. فيما تكاثر المتحدثون عن غياب أي دور عربي في العالم الذي يعاد تشكيله، خلافاً لما كان عليه دور العرب الفاعل إقليمياً والمحسوب حسابه دولياً في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. وليس ينكر انحسار فعالية العرب على الصعيدين القومي والقطري، بل وإن النظام العربي بات فاقداً المنعة تجاه المداخلات والضغوط الإقليمية والدولية، ولكن هذا ليس كل ما في المشهد العربي. وفي الوقوف مع أبرز المتغيرات الدولية والإقليمية ما يجيب عن التساؤل، الذي طرح في منتدى الإصلاح بالاسكندرية، حول دور العرب في عالم اليوم الجاري تشكيله من جديد.

 

ويكاد ينعقد إجماع الباحثين الموضوعيين، والأمريكيون في مقدمتهم، على أن زمن تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقطبية الدولية يؤذن بالأفول، وأن العالم على عتبة مرحلة جديدة، الدور الأمريكي فيها أول بين أقطاب متعددين. والجدير بالتذكير به ما روجه الإعلام الأمريكي، غداة غزو العراق في ربيع 2003 أن غاية "الفوضى الخلاقة"، المعتمدة في تدمير بنى العراق إعادة تشكيله "ديمقراطياً" على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، بحيث يشكل أنموذج بناء "الشرق الأوسط الكبير/ الجديد" المراد به أن يكون قاعدة تحقيق الطموحات الإمبراطورية للمحافظين الجدد، والتي تساقطت قبل أن يفارق بوش البيت الأبيض. وكان المأزق الأمريكي في العراق وأفغانستان في مقدمة عوامل بداية أفول زمن الأحادية القطبية الأمريكية. ما يعني في التحليل الأخير أنه كان للعرب، من خلال ممانعة شعب العراق وفعالية قوى مقاومة الاحتلال بقيادته الأمريكية، دور في المتغير الأول على الصعيد الدولي.

 

كما تحقق إقليمياً متغيران، الأول والأكثر صلة بالفعالية الشعبية العربية، التحول الدراماتيكي في ميزان قدرات "إسرائيل" خلال العقود الثلاثة الأخيرة. إذ بعد أن بلغت ذروة عربدتها بغزو لبنان صيف 1982، وإجلائها قوات منظمة التحرير الفلسطينية منه، وفرضها اتفاق الإذعان عليه في 17 مايو/ أيار 1983، تسارعت وتائر تآكل فعاليتها بدءاً بتفجر انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987، لينحصر الصراع داخل فلسطين المحتلة، والذي تأكد بانسحابها بليل من جنوبي لبنان في مايو/ أيار 2000 تحت ضغط المقاومة اللبنانية. ثم لجوئها لبناء جدار العزل العنصري، في إقرار ضمني بسقوط أسطورة "حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل". ليعقب ذلك سقوط أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" بالفشل المريع في العدوان على لبنان صيف 2006، وتأكد عدم قدرة "إسرائيل" استعادة قوة ردعها برغم المحرقة في قطاع غزة. فضلاً عن تعرية العنصرية الصهيونية بتقرير جولد ستون. وآخر مؤشرات سقوط أساطير التفوق المدعى بها ما حققه الأداء المتميز لشرطة دبي الذي أطفأ ألق الموساد، فضلاً عن أنه في اقتراف جريمة اغتيال الشهيد المبحوح على أرض دبي تأكيد أن ليس من أرض عربية مستثناة من العدوان الصهيوني، وأن ليس لطروحات السلام والاعتدال العربية صدى لدى الصهاينة، ما قد يلجم الهرولة للتطبيع المستشري في مشرق الوطن العربي ومغربه.

 

وكان المتغير الإقليمي الثاني، صعود الدور الإيراني، وبداية ما يمكن اعتباره تصدعاً في العلاقة التاريخية مع تركيا. ومع أنه ليس للعرب دور مباشر في المتغيرين الإيراني والتركي، إلا أنهما يؤشران لبداية نهاية ما كان يبدو تحالفاً ضمنياً مع "إسرائيل". فضلاً عن تنامي التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المشروعة في الساحتين. وحين تؤخذ في الحسبان التحولات الجارية في القرن الإفريقي، وانعكاساتها على الساحة الإثيوبية، يبدو جلياً أن الطوق الثلاثي: الإيراني والتركي والإثيوبي، الذي عملت "إسرائيل" على إقامته منتصف خمسينيات القرن الماضي من حول المشرق العربي لم يعد قائماً، ما يؤثر سلبياً في ميزان القدرات الصهيونية، ويسهم بالتالي في إضعاف اعتبارها رصيداً استراتيجياً لقوى الهيمنة والاستغلال الكونية.

 

ومما تقدم تتضح لا واقعية الأقوال المكرورة حول افتقاد العرب دورهم المؤثر دولياً وإقليمياً، إذ هي تسلط الأضواء بكثافة حول قصور النظام الإقليمي العربي الذي لا ينكر، فيما تتجاهل إنجازات قوى الممانعة والمقاومة التي، وإن كانت لا تبدو في مستوى الدور القومي العربي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، إلا أن تقويمها موضوعياً يستدعي النظر إليها في ضوء معطيات الزمن الذي تحققت فيه. إذ جاءت بعد إخراج النظام بمصر من الصراع العربي الصهيوني، وما رافق ذلك من انكفاء فعاليته داخل حدود مصر القطرية، على حساب دورها التاريخي في الإقليم العربي. فضلاً عن تغلب المنطق القطري، ودعوات الخلاص الذاتي، وشيوع ثقافة الهزيمة، والتطلعات الاستهلاكية، في عموم الأرض العربية. وبالتالي بدت قوى الممانعة والمقاومة، في تعبيرها عن مضمون ما تختزنه الأمة العربية من إرادة عصية على الاستلاب، وكأنها تجدف ضد التيار.

 

صحيفة الخليج الإماراتية