خبر تغطية الاستيطان بالمفاوضات ..عريب الرنتاوي

الساعة 08:28 ص|05 مارس 2010

تغطية الاستيطان بالمفاوضات ..عريب الرنتاوي

حدث ما كان متوقعاً تماماً، فالمكتوب يقرأ من عنوانه، وعنوان لجنة المتابعة العربية التي التأمت في القاهرة كان نافراً: لا بديل عن المفاوضات إلا المزيد منها، حتى وإن كانت عبثية وبلا طائل و"مضيعة للوقت والحقوق"، ولا بديل عن خيار السلام الاستراتيجي الوحيد، سوى خيار السلام الاستراتيجي الأوحد، ولا ملجأ من واشنطن إلا إليها، ولهذا لم نكن "نقرأ بالمندل" ولا "نضرب بالرمل" عندما قلنا وقال غيرنا، بأن عرب الاعتدال وفلسطينييه، "سيلحسون" مواقفهم المسبقة، ويبتلعون شروطهم - مطالبهم المحقة، ويهرولون إلى مائدة مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، فالطريق الذي سلكناه منذ مدريد، هو طريق ذو اتجاه واحد، نغذ السير عليه ونحن مدركون أنه غير نافذ، حتى وإن تحوّل سيرنا عليه إلى نوع من المراوحة في المكان، كتلك التي تتقن أداءها الطوابير العسكرية عندما تصدع لأمر آمرها: مكانك سر؟.

 

السلطة الفلسطينية، ومن موقع "الانضباط الشديد" لقواعد العمل العربي المشترك (؟)، أعلنت مبكراً بأنها ستنحني للقرار العربي الجماعي، ولا أدري إن كان الذهاب إلى أوسلو قد تم بقرار عربي جماعي، بل ولا أدري إن كانت الرصاصة قد أطلقت بقرار عربي جماعي، أليس تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بمجمله، هو تاريخ الصدام مع "القرار العربي" الجماعي، المائل بخط ثابت ومن الهزيمة - النكسة، نحو مزيد من التخاذل والتهافت والهرولة إلى غير ما هنالك.

 

والعرب كدأبهم دائماً، لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وهم يدعمون ما يريده الشعب الفلسطيني، طالما أنه لا يتعلق بالثورة والمقاومة والانتفاضة وتعزيز الصمود والتسليح والتدريب والتجهيز والتمويل، هم والحق يقال، مستعدون تمام الاستعداد لدعم السلطة والمنظمة في جنوحهما المستمر للتخلي عن كل هذا "الركام القديم" والهرولة على دروب المفاوضات غير المشروطة، مباشرة كانت أم غير مباشرة.

 

لقد حصلت "المعجزة"، والتقت الرغبات والمصالح، وسار النظامان الرسمييان، الفلسطيني والعربي، جنباً إلى جنب، على دروب الهرولة نحو مفاوضات غير مشروطة، لقد تم توزيع "دم الفلسطينيين وحقوقهم" على القبائل العربية، فلا أحد مسؤول عن "الفضيحة" والكل بمقدوره أن يدّعي بأنه غير مسؤول، وأنه فعل ما فعل خدمة للتضامن والعمل العربي المشتركين، وتحت ضغطهما.

 

لن نأخذ بكل الإنشاء الحازم والصارم الذي غلّف أكثر القرارات العربية تهافتاً، فما بقي عالقاً في الأذهان من قرارات الوزراء العرب ومداولاتهم، هو الذهاب إلى مفاوضات غير مشروطة، مع حكومة اليمين واليمين المتطرف، وفي ظرف سياسي وأمني بالغ الإهانة للعرب والاستهانة بحقوقهم ومقدساتهم وكراماتهم، ففيما حكومة نتنياهو - باراك - ليبرمان تمعن في التوسع الاستيطاني، وتكثف التهويد الزاحف للقدس، وتقضم المواقع الدينية والمقدسات قطعة تلو أخرى، وتضيفها إلى قائمة التراث الديني اليهودي، فيما هذه الحكومة تواصل عدواناتها على الضفة والقطاع على حد سواء ومن دون تمييز، نجدنا "ندير لها خدنا الأيسر"، ونمد له يد السلم والتفاوض، وكيف لا نفعل ذلك ونحن الذي جردنا أنفسنا من كل عناصر القوة وأوراق الاقتدار، ورضينا أن ندخل الحرب بلا سلاح، وأن نقلم أظافرنا ونقلّع أسناننا بأيدينا.

 

أما حكاية الأشهر الأربعة فمضحكة للغاية، أولاً لأننا نعرف والوزراء يعرفون ما الذي سيحصل خلال هذه الفترة وفي ختامها، لأننا ندرك وهم يدركون أن التلويح بورقة مجلس الأمن، هو سلاح مثلوم، جربناه ولوحنا به المرة تلو الأخرى، ومن دون جدوى، وستنتهي فترة الأشهر الأربعة، وسيخرج علينا عند انتهائها وقبل انتهائها، من يطلب التجديد والتمديد، ومن يدعو لـ"تصفير العداد"، هكذا كان حالنا من قبل، وطوال سنوات وعقود طوال، وهكذا هو حالنا الآن، وسيظل الحال على هذا المنوال، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 

أخطر ما في قرار وزراء المتابعة العرب، أنهم وبغالبيتهم، أجازوا وارتضوا استمرار المفاوضات والاستيطان معاً، أنهم صادقوا على أن المفاوضات لا تتعارض مع الاستيطان، صحيح أننا فاوضنا من قبل من دون وقف الاستيطان، ولكن الصحيح أن المفاوضات هذه المرة، وبعد أن هزمنا في معركة تجميد الاستيطان، ستنطوي على إقرار المهزوم باستمرار الاستيطان، وعدم اعتباره عقبة على طريق السلام والمفاوضات، فهنيئاً لليمين واليمين المتطرف الذي عرف كيف يعيدنا إلى بيت الطاعة، مثنى وثلاث ورباع، فرادى وجماعات، وبأسرع مما كان يعتقد.

 

صحيفة الدستور الأردنية