خبر الإسلام حرم الإشارة بالسلاح ولو مزاحاً

الساعة 07:35 ص|05 مارس 2010

 فلسطين اليوم-البيان الإماراتية

 لا شك أن الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار من أعظم النعم، ومن أهم ضروريات الحياة ومطلب ضروريّ من مطالبِ الإنسان، فلا يستطيع إنسان أن يعيش حياة طبيعية وحياة سوية إلا بهذه النعمة التي لو سلبت عن أهل بلد لما استطاعوا أن يخرجوا من بيوتهم آمنين، ولا أن يقضوا حوائجهم مستأمنين، ولكانت عيشتهم أشد من الجحيم، ففي ظلِّ الأمن يرغَد العيشُ وينتشر العِلم ويتفرَّغُ الناس لعبادةِ ربهم ومصالح دنياهم وتنبُت شجرةُ الهناء؛ لذا كانت دعوةُ إبراهيم الخليل عليه السلام، وهي من أوائل تضرُّعاته لربّه جل وعلا أن يبسُطَ الأمن على مهوى أفئِدَة المؤمنين، وقبلة المسلمين، فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ)، فانظر كيف قدَّم الأمن على طلب الرزق؛ لأنه لا يهنَأ عيشٌ ولا طعام ولا شراب بلا أمان.

 

دعوة واستجابة

 

فقال: (ربِّ اجعل هذا البلدَ آمنًا)، فاستجاب الله دعاءَه فقال سبحانه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا). وقال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)، بل وأقسم الله بهذا البلد المستقر الآمن لبيان أهمية الأمن في حياة المسلمين وخصوصا في جانب العبادة في حياة الناس، قال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ).

 

وحَبَس الله عن مكةَ الفيلَ وجعل كيدَ أصحاب الفيل في تضليل لتبقَى كعبة الله صرحًا آمنًا عبر التاريخ.

  

ولذلك كان من أعظم نعيمِ أهل الجنة في الجنّة نعيم الأمنُ، فلا خوفَ في الجنة ولا فزعَ ولا تحوُّل، قال تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)، وقال سبحانه: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)، وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ).

 

ولذلك لقد امتنّ الله تعالى على عباده بنعمة الأمن والأمان في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، ليذكرنا بفضلها وعظيم أهميتها، منها قوله سبحانه: (وَاذْكُرُوا إذ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). قال قتادةُ بن دِعامة السّدوسيّ رحمه الله في هذه الآية: «كان هذا الحيُّ من العرب أذلَّ الناس ذُلاًّ وأشقاهُ عيشًا وأجوَعَه بُطونًا وأعراه جُلودًا وأبيَنه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يُؤكَلون ولا يَأكلون، واللهِ لا نعلم قبيلاً من حاضِر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرَّ منزلاً منهم، حتى جاءَ الله بالإسلام، فمكَّن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلهم به مُلوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطَى الله ما رأيتُم، فاشكروا اللهَ على نعَمه، فإن ربَّكم منعمٌ يحبُّ الشكر، وأهلُ الشّكر في مزيدٍ من الله، انتهى كلامه رحمه الله.

 

الامن والامان

 

ولذلك نجد أن شعار الإسلام هو الأمن والسلام، ولذلك أمر المسلم بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمةِ والاطمئنان على أخيه المسلم وهي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وهذا فيه إشارة واضحة إلى أهمية نشرِ الأمن والسلام والطمأنينة بين الناس، وأنها من أعظم المقاصد وأهم الأسس الذي تنبني عليها المجتمعات.

  

ولذلك لمَّا دخل النبيّ مكَّة عامَ الفتح، منح أهلَ مكَّة أعظمَ ما تتوُق إليه نفوسهم، فأعطى الأمانَ لهم، وقال: (من دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السّلاحَ فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن) رواه مسلم.

  

وما شُرعت الحدود العادِلة الحازمة في الإسلام على تنوُّعها إلا لتحقيقِ الأمن في المجتمعات، لذلك نعمةُ الأمن من أعظم نعَم الله علينا، فمن الأهمية بمكان أن أذكر نفسي وجميع المسلمين بها لكي يسعى الجميع إلى الحفاظ عليها وأن لا تزول عنا هذه النعمة العظيمة، لا سيما أننا نعيش في بلاد قد حباها الله بنعمة الأمن والأمان حتى كدنا نحسد عليها، وذلك بسبب السياسة الرشيدة والحكمة السديدة لحكامنا وشيوخنا نسأل الله أن يحفظهم ويغفر لهم وأن يعينهم على الخير، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه، قال سبحانه: (وَاذْكُرُوا إذ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبح منكم آمنًا في سِربه معافًى في جَسَده عنده قوتُ يومِه فكأنّما حِيزَت له الدّنيا) رواه الترمذي وابن ماجه، فجعلَ النبيُّ أصولَ حيازة الدنيا ثلاثةَ أشياء: الأمن في الأوطان والمعافاة في الأبدان والرزقَ والكفاف، ففَقدُ الأمن فقدٌ لثُلُث الحياة، والثلثُ كثير.

 

ولقد حذَّر الإسلام من إشاعة الرعب وأسبابه بين صفوفِ المسلمين، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطانَ ينزِع في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار) متفق عليه.

الاشارة بالسلاح

 وحرَّم الإسلام أيضا على المسلم الإشارةَ على أخيه المسلم بالسّلاح، ولو كان مازحًا، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه المسلم، قال النوويّ رحمه الله: «هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء من يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأن ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال.

 

بل ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما فيه تخويف أو ترويع للمسلم على سبيل العموم، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا) رواه أحمد، وإني لأتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في حفظ الأمن والأمان في دولة الإمارات من أفراد المجتمع ومن الجهات المعنية، بذلك التي تسهر الليل وتجوب البلاد لمنع حصول الترويع للآمنين وعدم حصول الجرائم وتقليلها، فنسأل الله أن يوفقهم ويسددهم وأن يجعلهم ذخرا وأمنا وسلاما للبلاد والعباد، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وللحديث بقية في المقال اللاحق بإذن الله تعالى.