خبر حيث أصاب المعلم وأخطأ موسى: تغطية « عربية » لكارثة فلسطينية!../ ناصر السهلي

الساعة 10:49 ص|04 مارس 2010

ظل الرئيس عباس يبحث على مدى الأشهر الماضية عن "غطاء" عربي للعودة عن شروطه التفاوضية والتساوق مع الدعوة الالتفافية الأميركية باسم "مفاوضات عن كثب" والتي أطلقوا عليها "غير مباشرة"!

أدرك عباس، مع استمرار حكومة نتنياهو بتجاوز كل اشتراطاته وتحذيراته، بأنه غير قادر على تنفيذ واحدة من تهديداته: وقف التنسيق والتعاون الأمني.. ولا يسعنا الآن أن نشرح كل الأسباب التي تمنعه من الإعلان صراحة عن وقف هذا التنسيق كوسيلة ضغط، لكن باختصار شديد السلطة الفلسطينية تجد نفسها الأضعف في ظل شروط مفروضة ومكبلة لها ولأجهزتها.. وهي أعجز من أن لا تلبي وتستمر بالالتزام بمطالب ومواقف أمنية على الأرض.

على كل، ما رشح من الخليل وقيام سلام فياض وبعض رموز السلطة بزيارة المدينة ، في ظل المخاوف الإسرائيلية من تفجر الأوضاع الشعبية، وممارسات الشرطة الفلسطينية في الأحياء داخل المدينة لمنع الاحتكاك مع المستوطنين وقوات الاحتلال لا يعطي أية إشارة لمصداقية الشعارات المرفوعة حتى عن "مقاومة شعبية"..

هذا الضعف والتخبط الذي بدت فيه السلطة الفلسطينية، منذ أعلن عباس عن شرطه للعودة إلى التفاوض، يعكس نفسه في البحث الدؤوب عن حالة "طمأنينة" اعتادت عليها السلطة في مفاوضات الدوران في الحلقة المفرغة.. على كل هذا ليس رأيي فحسب، فحتى البيت الفتحاوي فيه قراءات أكثر غضبا وحدة تجاه هذه العبثية.. بل ليس سرا أن نقاشا حادا يدور في أوساط السلطة الفلسطينية حول النهج التفاوضي برمته، وبالنتيجة حتمية الاستقواء بمن يمنح الحياة لهذه السلطة تجعل تلك النقاشات والمراجعات أسيرة جدران سميكة جدا.. اللهم بعض الأصوات التي سرعان ما تُجير الماكينة الدعائية لمواجهتها مواجهة كسر العظم..

سببان يجعلان الغطاء الذي منحته لجنة المتابعة العربية للمفاوض الفلسطيني مثيرا للريبة:

السبب الأول، يكمن في قول عمرو موسى بأنه "رغم عدم الاقتناع بجدية الطرف الإسرائيلي" وهو يحمل اختصارا لكل ما سنراه في المستقبل القريب جدا.. ونتنياهو الذي يستمر في ممارساته اليومية في القدس عبر تكتيكات مكشوفة حصل بهذه التغطية على غطاء بعض العرب للاستمرار وكأن شيئا لم يكن.. بل ستزداد الخطوات شراسة..

لجنة متابعة مبادرة السلام العربية ليس لها أن تعطي مثل هذا الغطاء للمفاوض الفلسطيني، ورغم أن السيد عمرو موسى قال عكس ما نبه إليه السيد وليد المعلم إلا أن الأخير بموقفه هو الصائب، وليس هذه المقايضات التي تمت في زيارات عباس العربية والغربية للبحث عن: "إمنحوني الغطاء".. ومن يعرف كيفية اتخاذ القرارات في جامعة الدول العربية يدرك بأن هذا القرار لم يُستحضر في أروقتها..

هذا القرار "المشروط" لا يحمل شروطا.. وستسقط كل الاشتراطات بعد الصورة الرتيبة العائدة إلى كل الممارسات اليومية للاحتلال، وهذا موقف يضعف في جوهره من الموقف الفلسطيني ولا يجعله قويا كما تشيع أوساط السلطة والمقربين من معسكر التفاوض مهما كانت الظروف..

السبب الثاني، قال المعلم بكلمة موجزة "لدى الفلسطينيين كياناتهم التي يمكن أن تقرر" وهنا مكمن ضعف الساحة والسياسة الفلسطينية.. ليس لأن مجلسا تشريعيا ممنوع من عقد جلساته وأبواب هذا المقر موصدة بقوى أمنية وتكتيكات مصلحية، بل السؤال الأهم: ألم يكن لدى عباس، الذي له وظيفة "رئيس منظمة التحرير الفلسطينية"، أن يُقلع هو ومعسكره عن هذه اللعبة الخطيرة في إبعاد مؤسسات المنظمة عن صياغة حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية.. بلى كان يستطيع أن يتوجه إلى المجلس الوطني وباجتماع موسع يشمل كل القوى الوطنية والإسلامية خارج وداخل الأراضي الفلسطينية للتباحث على مدى الأشهر الثلاثة الماضية بكل العملية السياسية التي انتهجتها السلطة باسم هذه المنظمة المغيبة.. ليست لجنة المتابعة العربية هي المرجع بل الشعب الفلسطيني.. وطالما أن هذا الشعب مُغيب بشكل منهجي فإن قيادة السلطة لا تجد حرجا في البحث عن "شرعية" لقرارات غير شرعية من حالة عربية موغلة في الضعف والتبعية لتكون النتيجة هذا الازدراء للمرجعية الوطنية.. التي ما انفك أقطاب السلطة يتحدثون عن أهميتها بدون الاستناد عليها أصلا..

عباس يدرك كما يُدرك أي فلسطيني السبب الحقيقي من عدم التوجه لتلك المرجعيات.. وما يرشح من خلاصات المفاوض مع أولمرت سيكتشف كم الخداع الذي يُراد للشعب الفلسطيني الموافقة عليه تحت طائل "عدم تضييع الفرص"!.. لا محاسبة ولا مراجعة ولا دور لكل هذه المؤسسات الفلسطينية في اختزالها بسلطة ترى في التفاوض سبيلا وهدفا للبقاء..

التحجج بمسألة المصالحة أولا أمر مثير للشفقة في ظل التهويد الذي تتعرض له القدس والمهانة والإذلال بقرارات تصيب كل فلسطيني وفلسطينية من جانب الاحتلال والتعبير الصريح للمدى الذي يفرضه نتنياهو فيما ستؤول إليه نتيجة أية مفاوضات..

أخطأت لجنة المتابعة العربية بمنحها هذه التغطية الكارثية التي لن تنفع كل المراجعات المستقبلية لها، وسنشهد في الفترة القادمة البلدوزر الإسرائيلي يندفع أكثر عدوانية عما كان عليه في السابق.. ولن تكون مفاجئة حين نكتشف بأن ما يقال عنه مفاوضات عن كثب أو غير مباشرة هي في حقيقتها حالة من التهدئة الإسرائيلية الأمريكية لما يرياه أكبر في المنطقة