خبر البحث عن مخرج عربي لاستئناف المفاوضات أم لمواجهة العدوان؟../ هاني المصري

الساعة 10:34 ص|03 مارس 2010

البحث عن مخرج عربي لاستئناف المفاوضات أم لمواجهة العدوان؟ هاني المصري

 

من المتوقع اليوم أن تبحث لجنة المتابعة العربية مسألة الاقتراح الأميركي باستئناف المفاوضات غير المباشرة، وعلى ضوء قرارها إما أن يتم استئناف المفاوضات أو لا.

 

الجانب الفلسطيني يتصرف بحذر شديد هذه المرة، ولا يريد أن يكرر التجربةَ المُرة المتمثلة بتأجيل قرار غولدستون، حيث طلب التأجيل ووافقت المجموعة العربية على طلبه وتخلت عنه بعد وقوع الفأس بالرأس. لذلك يحرص على التشاور مع العرب، ومستعد للالتزام بما يقررونه.

 

إن الموقف العربي، إن كان هناك شيء يحمل هذا الاسم، معروف فقد عبرت معظم الدول العربية، خاصة المنضوية تحت ما يسمى محور الاعتدال، عن موقفها بأشكال جماعية وفردية وحثت الفلسطينيين على استئناف المفاوضات بشكل مباشر بدون شروط مسبقة، أو بشكل غير مباشر.

فكما ذكر الدكتور صائب عريقات في الوثيقة التي وزعها مؤخراً "فإن موقف الدول العربية تأرجح بين تأييد الموقف الفلسطيني الذي ربط وقف الاستيطان التام وتحديد المرجعيات باستئناف المفاوضات، وبين الدعوة لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، كما ورد في البيان المشترك لتسع دول عربية مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في نيويورك في أيلول الماضي، وتغير الموقف العربي في اجتماع لجنة المتابعة العربية في تشرين الثاني الماضي، حيث جاء في البيان الصادر عن هذا الاجتماع أن الموقف يتمثل بوجوب وقف تام للاستيطان وبما يشمل القدس واستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في كانون الأول 2008، بدون أن يقول العرب في بيانهم أنهم يدعمون الموقف الفلسطيني لاستئناف المفاوضات.

 

إن حقيقة الموقف العربي لا تظهر في الاجتماعات العربية والبيانات الصادرة عنها وإنما في التصريحات المنفردة لقادة كل دولة على حدة، وفيما يقوله هؤلاء القادة للقيادة الفلسطينية عندما يلتقون بها في الغرف المغلقة. ولا يخفى على أحد أن الكثير من الدول العربية تريد استئناف المفاوضات رغم أن الإيضاحات التي قدمتها الإدارة الأميركية على الأسئلة الفلسطينية والعربية "ضبابية" ولا تغني ولا تسمن من جوع.

 

لقد استمعنا لتصريحات صادرة عن العديد من وزراء الخارجية الدول العربية، خصوصاً وزراء خارجية مصر والأردن، تحث على استئناف المفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر. وليس من المتوقع من البلدان التي ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل، وربطت مصيرها ومصير المنطقة بما يسمى عملية السلام أن تتخذ مواقف معاكسة لهذا الارتباط.

 

تأسيساً على ما سبق فان الموقف العربي، بالنسبة لغالبية الدول العربية معروف سلفاً، وللقاصي والداني. وهذا الموقف أكثر ما تعرفه القيادة الفلسطينية، وبالتالي فإنها مستعدة لقبوله عندما تكرر أنها ستلتزم بما تقرره لجنة المتابعة العربية، وهذا موقف إن حدث يكون غير مناسب، وحاله كمن يبحث عن غطاء لاستئناف المفاوضات أو للاستمرار بوقفها، في حين المطلوب موقف فلسطيني وعربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي، عبر بلورة استراتيجية جديدة تجمع ما بين المفاوضات حينما تكون ضروريةً و لا بد منها، وبين استخدام أوراق القوة والضغط الضرورية دائماً، سواء أكان هناك مفاوضات أو لم يكن.

 

إن الفلسطينيين هم أصحاب القضية، وهم من يكتوون بالنار الحامية، لاستئناف المفاوضات بدون تجميد الاستيطان ولا تحديد مرجعية واضحة وملزمة لعملية السلام، وهي الآن ستكون ناراً حامية أكثر من السابق، لأن المفاوضات ستستأنف وفقاً للشروط الإسرائيلية، لذا عليهم أن لا يبحثوا عن مخرج عربي لاستئناف المفاوضات بل أن يضعوا العالم أمام مسؤولياته، والعرب أمام مسؤولياتهم بضرورة رفض استئناف المفاوضات في ظل التراجع الأميركي عن مواقف الإدارة الأميركية السابقة، وتغليبها للتركيز على الملف الإيراني على حساب القضية الفلسطينية، وإجراء مقايضة مع إسرائيل تقضي بالتزام إسرائيل بالموقف الأميركي من إيران مقابل التزام أميركا بالموقف الإسرائيلي من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ورفضها لاعتماد موقف الإدارة السابقة بخصوص مرجعية المفاوضات.

 

لو كانت المفاوضات قد استؤنفت سابقاً، كان لا بد من وقفها بعد خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان، رداً على ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من تصعيد شامل في تطبيق مخططاتها الاستيطانية والتوسعية والعنصرية والعدوانية خصوصاً في القدس، وبعد إدراج الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في قائمة التراث اليهودي كمقدمة لضم 150 موقعاً آخر لهذه القائمة.

 

لو كانت هناك مفاوضات لا بد من أن يتم وقفها بعد إعلان نتنياهو أن إسرائيل لن تتنازل عن السيطرة على حدود الضفة الغربية مع الأردن حتى بعد الاتفاق على حل نهائي، وبعد إعلانه أن المستوطنات جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وبعد أن لم يلتزم حتى بمسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، حيث أكدت تقارير إسرائيلية أن الاستيطان متواصل حتى في معظم المستوطنات التي أعلن عن تجميده فيها.

 

إن البحث الحقيقي لا يجري من قبل إدارة البيت الأبيض وعدد من بلدان أوروبا عن استئناف جدي للمفاوضات وإنما عن ترويج أمل كاذب لما يسمى عملية السلام، حتى يوفر غطاء للتصعيد ضد إيران الذي يمكن أن يبدأ بتشديد العقوبات على أن يصل لاحقاً الى حرب ضدها. وعلى الفلسطينيين أن لا يساهموا في تغطية هذه الحرب وقيام حلف عربي دولي إسرائيلي ، حتى لا يدفعوا الثمن مضاعفاً.

 

أعرف تماماً أن الفلسطينيين ليسوا دولة إقليمية عظمى، وأنهم لا يستطيعوا أن يناطحوا العالم و الإدارة الأميركية وإسرائيل ومعظم العرب، ولكن لا أنصح القيادة الفلسطينية بالتقليل من أهمية موقفها، ومن قدرته على التأثير على الموقف العربي والدولي، ومن أهمية القضية الفلسطينية وقدرتها على شحن قوى و طاقات واسعة جداً على صعيد العالم لأنها قضية عادلة، بما يمكن من جعل الموقف الفلسطيني فاعلاً جداً شرط أن يكون واضحاً منسجماً ومبادراً و لا رجعة عنه، وليس مرتبكاً يتخذ خطوات ثم يتراجع عنها أو يتخذ نصف خطوة ويعتمد سياسة الانتظار بدلاً من السياسة المبادرة الفعالة التي تجرؤ على مد الموقف الفلسطيني بوقف استئناف المفاوضات على استقامته من خلال بلورة استراتيجية جديدة بديلة عن استراتيجية المفاوضات الثنائية العقيمة التي أدى اعتمادها الى ما نحن فيه، وهو لا يسر صديقاً ويسعد كل الأعداء.

 

على القيادة الفلسطينية أن تجري حساب الربح والخسارة وتقيم ما فوائد وأضرار اعتماد استراتيجية جديدة وما فوائد وأضرار استئناف المفاوضات بدون وقف الاستيطان وتحديد مرجعية واضحة ملزمة.

 

وإذا اتخذت القيادة الفلسطينية الموقف الذي يمليه عليها ضميرها ومصلحة شعبها لن يستطيع العرب التخلي عنها أو فرض موقفهم عليها، ولن يكون أمامهم، راغبين أو كارهين، سوى دعم الموقف الفلسطيني. كما إن إسرائيل لن تستطيع أن تقنع أحداً بأن القيادة الفلسطينية الحالية قيادة متطرفة وإرهابية وضد السلام، لأنها ذهبت بعيداً جداً في طريق السلام لدرجة تطبيق الالتزامات الفلسطينية من جانب و احد، ولم يكن الرد الإسرائيلي سوى المزيد من التعنت والتطرف والمضي في فرض الحقائق الاحتلالية على الأرض التي تجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح و الممكن عملياً!!