خبر الحرب الأمنية واحتمالات الرد على اغتيال المبحوح؟!..هيثم أبو الغزلان

الساعة 08:10 م|02 مارس 2010

الحرب الأمنية واحتمالات الرد على اغتيال المبحوح؟!..هيثم أبو الغزلان

      

"نموذج التعايش الوحيد بيننا وبين الفلسطينيين هو نموذج تعايش بين حوت وحمامة، فهما ينتميان إلى عالمين مختلفين". (أبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق).

 

توقعت إسرائيل باغتيالها القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي (19/1/2010)، أن توجه ضربة قاسية للحركة.. ولكن ما حصل بعد عملية الاغتيال: الكشف عن الجريمة التي أرادت إسرائيل أن تظهر وكأنها ميتة عادية. والكشف عن القتلة وإصدار أمر باعتقالهم.. والتداعيات العديدة غير المحسوبة لديها أحبطت ذلك! والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه العملية؟ وما هي الرسائل التي تريد إسرائيل توجيهها؟

 

بداية الحديث عن اغتيال المبحوح يعني فتح ملف الإرهاب الصهيوني منذ أكثر من قرن من الزمن... ومن المعروف أن إسرائيل تسعى في حربها ضد الشعب الفلسطيني ورموزه وقياداته المقاومة، إلى خوض سياسة هدفها نقل المعركة بكل تجليات العنف وقوة الذبح إلى الطرف الفلسطيني. وهذا دأب إسرائيل منذ نشأتها، وعلى مدى تاريخها، وما مجازر «دير ياسين، وكفر قاسم، وبحر البقر، والطنطورة، وقانا، وغزة...»، إلا شواهد قليلة على ذلك. وسبق لإسرائيل أن نفذت عمليات إرهابية كثيرة استهدفت المدنيين الفلسطينيين، والقادة الفلسطينيون ورموز المقاومة الإسلامية، منهم: أمين عام حزب الله السيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب، د. فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. الشيخ أحمد ياسين، والرئيس ياسر عرفات، وأبو جهاد الوزير، وأبو إياد، وغسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وكمال ناصر، وكمال عدوان، ويحيى عياش وغيرهم الكثير...

 

ولعل النص الذي كتبه المقبور رحبعام زئيفي ـ الذي اغتالته الجبهة الشعبية رداً على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى ـ، "معاريف" الإسرائيلية (27/8/2002)، يشكل تعبيراً مكثفاً عن المطالبة بمواصلة حرب الاغتيالات كإحدى أهم الوسائل لقتال المقاومين، يقول زئيفي: «علينا أن نفهم أننا في الحرب، والحرب هي الحرب، يجب أن نبادر، أن نهاجم، أن نضرب، أن نحبط، أن لا نتهاون حتى لو كان هناك فترات هدنة فقوتنا بالغة ونستطيع أن نفعل كل ذلك وأكثر، فلقد بنينا القوة من أجل جلب الأمن في اللحظة الحاسمة..».

 

هذا الكلام يستند إلى مزاج إسرائيلي عام يؤيد هذا الأمر ويباركه. فغداة اغتيال الشيخ ياسين أظهر استطلاع للرأي أن 60% يوافقون على الاستمرار بعمليات الاغتيالات، واظهر آخر أن 61% يوافقون، مع علمهم المسبق أن ذلك قد يُصعّد العمليات الفلسطينية الانتقامية ضدهم.

 

ويصب اغتيال المبحوح في اتجاهين: الأول: محاولة إسكات الصوت الفلسطيني المقاوم، وذلك بالتخلص من قيادات لا يمكن لها أن تقبل بوجود إسرائيل أصلاً، ولا يمكن أن تلتقي معها، وذلك يعود لتكوين هذه القيادة من حيث الجانب العقدي أو الجانبين الفكري والسياسي غير القابلين للمساومة.

 

الثاني: إثبات قدرة إسرائيل على الفعل في محاولة لإضعاف حركات المقاومة ومحاولة بث الرعب في صفوفها.

 

وهنا يطرح سؤال نفسه وبقوة عن تحكم إسرائيل بزمام المبادرة؟! وهل يمكن لها ذلك؟! وهل ستستمر بعمليات الاغتيالات والتصفية؟!.

 

إن تلمس الإجابة على هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل، لأن المقاومة في فلسطين ولبنان تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد عدو مدجج بأحدث ترسانات الأسلحة، ولا يملكون مقابله إلا القليل القليل من العتاد، ولذلك فإن قادة إسرائيل يحاولون التأثير على المقاومين من خلال عمليات الاغتيالات المنظمة والتي بات الإسرائيليون أنفسهم يدركون أن عمليات الاغتيالات لا توقف مسيرة المقاومة بل تزيدها تأججاً واستعاراً.

 

ويدرك القادة الإسرائيليون أن التهديدات التي تطلقها المقاومة ليست تهديدات جوفاء، فما حصل بعد اغتيال أبو علي مصطفى، ويحيى عياش، وفتحي الشقاقي، يثبت هذا الأمر. ولا زالت إسرائيل تعيش هاجس الرعب على اغتيالها للحاج عماد مغنية..

 

ومن جهة ثانية، فإن أسئلة عديدة مطروحة وبحاجة لإجابات: كيف سيكون تأثير هذه الاغتيالات على حماس وحركات المقاومة؟

 

أسئلة عديدة طرحت وأخرى لم تطرح لكنها بحاجة إلى تلمس إجاباتها ضمن فهم واقعي وموضوعي لميزان القوى والواقع الذي تتحرك فيه حماس وحركات المقاومة.

 

إن الإجابة على بعض هذه الأسئلة تقتضي الإشارة إلى أن عمليات الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل منذ سبعينيات القرن المنصرم أثرت على العمل المقاوم في بعض الأحيان إلا أنها لم تقض عليه؛ واستمرت المقاومة، وغداة كل اغتيال كانت حركات المقاومة تنفذ عمليات انتقام وتطور من أساليبها في مواجهة الاحتلال. ويدرك الإسرائيليون جيداً أن هذه الحرب ستزيد كراهية الفلسطينيين والعرب والمسلمين لها، وهذا ما يعبّر عنه الكاتب الإسرائيلي سيفر بلوتسكر: «المبادرة اليوم في يد إسرائيل التي تقود حرباً ضد الإرهاب، والنتائج مثيرة للانطباع ولكن يجب أن لا نوهم أنفسنا. فتفكيك العمود الفقري لحماس، وقتل قيادته لن يشطب الكراهية الفظيعة ضد إسرائيل بل سيزيدها ـ على الأقل ـ في المدى القصير».

 

وإذا كانت الأوساط العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن اغتيال قيادات المقاومة خارج فلسطين يمكن أن يردع المقاومة من تنفيذ عملياتها أو يحد منها، هو تصور ثبت عدم صحته على امتداد الصراع بل كان الاغتيال باستمرار يزيد من إصرار المقاومة على استمرار الصراع ومواجهة الاحتلال. وعدا عن ذلك فتلك الأوساط تدرك أن الجسم الأساسي للمقاومة تدريباً وتخطيطاً وتنفيذاً موجود داخل فلسطين وتبقى علاقة الخارج محدودة في هذا السياق وبالتالي فلن تترك أثراً مفصلياً على بنية المقاومة وتواصل عملياتها.

كما أن الاغتيالات بشكل عام داخل وخارج فلسطين لم تنجح في تحقيق أهدافها أو فرض المعايير الإسرائيلية للصراع...

 

وسعت إسرائيل عبر اغتيال المبحوح في دبي إلى بعث رسالة مهمة إلى المقاومة والداعمين لها بأن الذراع الأمنية الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى أي دولة وحتى وإن كانت خليجية، ووجود بعض قادة فصائل المقاومة في العاصمة السورية لا يعني بالضرورة أنهم أصبحوا في مكان آمن، وان قرار إسرائيل بتصفية قادة المقاومة، خصوصا في حركتي حماس والجهاد، لن يستثني المقيمين خارج الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن معركة إسرائيل ضد فصائل المقاومة لن تظل محصورة داخل فلسطين، ولكنها سوف تنتقل إلى ما وراء الحدود...

 

وكانت ولا زالت إسرائيل تراهن على تطويع حماس وحركات المقاومة الأخرى على القبول والرضوخ لها: الاعتراف بها، والتخلي عن المقاومة. وتتبع إسرائيل إستراتيجية هدفها تطويع حماس لإجبارها على نقل المعركة للخارج تمهيداً للإجهاز عليها وحرف بوصلتها عن طريق اغتيال قادتها والمؤثرين فيها، وهي لن تنجح فالظروف التي اضطرت الفلسطينيين في السابق للرد على عمليات الموساد في الخارج تغيرت وإن كانت "إسرائيل" نجحت في اغتيال المبحوح جسداً، إلا أن تداعيات الاغتيال ترتد عليها وبشكل سلبي. والتاريخ يذكر عشرات الإخفاقات التي لحقت بها والضربات التي كالها المقاومون الفلسطينيون من مختلف الفصائل لها سواء في الخارج أو في داخل فلسطين المحتلة..

 

وأخيراً، يبدو أن نتنياهو وحكومته وقادة جيشه لم يتعلموا من الدروس السابقة، وأنهم على ما يبدو لم يقرأوا نتائج عملياتهم الإرهابية ضد قادة المقاومة الفلسطينية في السابق وما تبعها من ردود عليها. وهذا بالضبط ما عناه قادة حماس الذين أكدوا أن رد الحركة سيكون بأفعالٍ سَتُرى وتُلْمَس... وهذا وحده كافٍ بجعل العدو يعيش مرحلة انتظار الضربة القادمة، ولكن متى؟! وأين؟! وكيف؟! فلننتظر ونر!!

 

* كاتب فلسطيني- بيروت.