خبر بسبب الحصار.. أم نضال تغيب عنها فرحتها بزفاف ابنها..!!

الساعة 08:41 ص|02 مارس 2010

بسبب الحصار.. أم نضال تغيب عنها فرحتها بزفاف ابنها..!!

فلسطين اليوم- غزة (عادل زعرب)

بالرغم من قوة احتمالها وعزيمتها الجبارة، وإرادتها الفولاذية، وصمودها الأسطوري  في وجه النكبات والمصائب، إلا أن قواها خارت عندما علمت أن ابنها ( نضال)  سيتزوج بعيداً عنها.. وأن الحائل بينها وبينه هي بعض الأسلاك الشائكة حيث لم تتمكن الأم من السفر عبر معبر رفح لحضور زفاف ابنها.

 

وكان زفاف ابنها بعيداً عنها قنبلة موقوته أشعلت الأوجاع في قلبها الحزين ودموعها في تلك الليلة لم تجف... جلست وحيدة حزينة مكتئبة تتحدث باستمرار عن ابنها، فلقد أعياها الفراق ، واستمدت من جراحاتها الغائرة في قلبها حكاياتها ورواياتها في حب ابنها البعيد عن أحضانها منذ عدة سنوات ...

 

وجلست محدثة جيرانها عن معاناتها، مخترقة ببصرها الضباب، وآلاف من الحواجز والأسلاك.. وكل ما حولها سكون يستمع إليها بلهفة وشوق.. والأجساد مشدوهة لا تتحرك إنها "أم فلسطينية أعيتها سنون الغربة ووجع البعاد عن ابنها المغترب في دولة الإمارات، وكانت تتمنى أن تضمه إلى صدرها يوم زفافة ولكن !!!

 

شدها مغناطيس الكآبة، وعادت ذكرياتها ، كأشواك الصبار توخزها في كل أنحاء جسدها ، وتقهر عذاباتها ، فلقد غاصت في بحر من الذكريات  ، وهى لم تتركها بإرادتها ، ولقد كان سفر ابنها ليعمل هناك غصب عنها ودون رغبتها  ولكنها كما تقول ليس في يدها شئ سوى الانتظار.

 

فجلست الأم صامدة صنديدة كالجبال الرواسي، وهي قائمه تسكب المدامع من كثرة المواجع، عندما دار سؤال في أفلاكها ، وراودها عقلها أن تطرح الإجابة من ذاتها، وقالت وقد أغرورقت عيناها بالدموع وهي تهمس بين ثناياها بقولها "المسافة بيننا وبين فرح ابني لا يبعد سوى أمتار قليلة أسلاك شائكة تفصلني عنه حيث نزل إلى رفح المصرية ليتزوج دون أن استطيع السفر لأحضر فرحه، لقد فقدت شعورا عظيما بضمه إلى صدري في يوم زفافه وأن أشاركه فرحة العمر التي ضاعت تلك المشاعر والأحاسيس بسبب الحصار وبسبب إغلاق معبر رفح ، ولا جدوى من الغربة الموحشة، أريد ابني أن يعود إلى أحضاني".

 

هم تلك الأم المتقظ باستمرار أصبح رفيق دربها،  يلازمها أينما حلت أو ارتحلت ، يحطم أحلامها ويقظ مضاجعها ، وجلست الأم   تقلب صفحات ذكرياتها  ، وتطوى في الأرض أيام خلت ، وتمسك بيديها صورة قديمة لابنها العريس تحدثها  ، وتنظر إليها كأنها تناجيها وتتحسسها بكلتا يديها : "  أنت في ذاكرتي ..  ما زلت تحتل مساحات ليلي .. وأنا على موعد مع الشمس مع اللقاء الحار الذي سيجمعنا قريبا ".

 

وتقف صامتة ..وكأنها تعيد زمانها في مخيلتها ، وقلبها المذيوح ينظر إليها بعمق .. وحزنها المسكوب جراحا يئن حنينا .. وشوقها يزداد اشتعالا ، ويناديها الصبر الصبر ، وذكراها تحط فوق رأسها لهيب ونيران والآلام ، وما زالت تلك الأم   تناجى نفسها :" هل عجز الصبر عن صبري؟؟ هل أثقل أيوب قهري؟؟  "إلى متى سابقي حبيسة هذا السجن الكبير وهل يعقل أن يزف ابني عريسا إلى عروسه بعيدا عنى ومن الذي حرمنى من أن أعيش تلك الليلة العامرة بالأفراح وحولها في حياتي إلى ليلة شديدة الظلمة والوحشة والأحزان ".

 

ويفت الصبر في عضدها ، ويتوه بين أنفاسها الماضي ، وجنون المستقبل ، ويعكر القلق صفاء نفسها ، ويسكن الخوف أوصالها ، ويكاد قلبها أن يقفز من جسدها ، ويعتصر قلبها الحسرات ، وأخرجت صرخات ألاه  .. من بين أضلعها ، ووجع عميق يحتل كل كيانها ، ولكن نفسها الجزعة لا تصدق أن السفر لحضور زفاف ابنها  أصبح في حلم المستحيل ، وأنها لن تحضره بالفعل  ، ويخترق جدار الصمت صرخة مدوية من أعماق قلبها  ، وتشعر برعب يسرى في جسدها ، وتتذكر كيف مرت الأوقات صعبة عليها  ، ذلك ما أحست به ، وهى تجثو على ركبتيها ، وتمسك بأطراف جلبابها في آخر لحظات التمسك بالفرحة التمسك بالحق التمسك بالحرية  بعد أن علمت يقينا أن الوقت لم يسعفها وان ابنها تزوج فعلا دون أن يستطع انتظار أمه .

 

وعقدت الأم جبينها من ما فعلوه ، فاستجمعت قواها ،  ثم انتفضت صارخة  ، ثم غطت وجهها الدموع ، وانهمرت من عيناها كالمطر ، واختنقت الكلمات في صدرها ، ووقفت منكسرة ، وغابت كغياب الشمس عن بلادها ، وارتحلت صوب المجهول ،  تلملم أشلاء ها ، وهى تهدهد ، وتيقظ الحنين في نفسها ،  كثورة لا تنتهي ، وتحمل في قلبها غضبا يشتعل ، ولن تنسى تلك الليلة الحالكة السواد ، والتي زاد من وحشيتها سحاب داكن ، برغم أنها تمطر منذ الصباح ، وغابت في ملامحها كبركان خامد ، تتحين فرصة لتثور ، ونهضت في ليلة لم تلقى عيونها خيط النوم ، ولم ترتسم على جفونها أوهام النعاس ، كما تحلم بنوم عميق ، تنسى معه الشوق والحنين ، لتريح نفسها عناء طويل ، وشقاء مستمر  ، أزعجها صوت عظامها في قفص صدرها ، وهي تطقطق من الغضب ، لأنها أصبحت تحيا في قبر كبير ، سجينة خواطرها وحنينها ، وشوقها الذي لا زال يشتعل ويشتعل .

 

أنات صوتها من بعيد تتدحرج ، ونظرت في المرآة فلم يعرف نفسها من شدة الحزن ، فوجهها العبوس  أصبح خارطة للألم والحزن ، وعيناها الذابلتين تطلق سهاما من قوس لم يصب هدفها بعد ،  ترتعش ويزداد ارتعاشها ،  ارتكزت على ركبتيها ، وفي سرعة لم تخل من عصبية ، أخذت تحفر الأرض بيديها ، كأنها تبحث عن شئ أضاعته ، ولكنها في أروقة الظلام تستمر في البحث عن المجهول ، وتجد أحلامها سرابا ، تتمنى أن تحققها ، ولكن إحساساتها وأمانيها لا تكفيها ، وإنما إيمانها العميق يخفف من مجموعة الآمال والآلام المحتشدة في صدرها ، وفجأة عيونها احمرت لان قسمات وجهها امتصت دمعات الحرقة على فراق ابنها  ، وانتزاعه من جذوره.

 

وتبقى الأم شاهدة على انتصاب الذكريات الملتهبة ، وتركتها .. وهى غارقة في آلامها تناجي ذكرياتها وعذاباتها ، وتقول : " آه .. أيتها القوافل المحتشدة من العذابات والذكريات في صدري!! .. آه .. يا وطني الممزق المعذب !! فما زالت رغم الجراح معتصم بحبل عقيدتي ،  وما زالت أكتم آهاتي بين جوانحي ، وفي قلبي الذبيح أسرار مدفونة منذ أحقاب زمنية بعيدة ، ما زلت أنادي في هذا العالم الظالم أهله .. رفقا بجوارحي ، ولطفا بقلبي المحطم من غربة الأحزان .. وبالرغم من فتح  معبر رفح  ثلاث أيام متتالية .. فإنها لم تستطع السفر بسبب الازدحام الشديد .. وأمنت الأم أن القيود لا زالت مستمرة وإنها لن تستطع ضم ابنها وان تفرح لفرحه حتى لو بعد حين .