خبر « فلسطين اليوم » تكشف تحايل الصهاينة لإدراج المقدسات باسمهم في لائحة التراث العالمي

الساعة 07:28 ص|01 مارس 2010

فلسطين اليوم : غزة

تُعد الأرض هاجس الحركة الصهيونية الأول، حيث شهدت مفاوضات انطلاقتها بين مؤسسها ثيودور هرتسل وجوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات البريطاني، نقاشاً لمشروع إقامة وطن قومي لليهود يقضي باستعمار قبرص وشبه جزيرة سيناء حتى العريش، إلا أن تشمبرلين استبعد قبرص لأن اليونانيين والمسلمين الأتراك سيرفضون ذلك.

وبعدها اقترح على هرتسل منح أوغندا لهم حيث اقتنع الأخير بهذا العرض، ونجح المؤتمر الصهيوني السادس في مدينة بال السويسرية بتمرير موافقة أكثرية المندوبين على قبول العرض وإقامة إسرائيل الجديدة في تلك المنطقة.

ولكن المشروع فشل لعدة أسباب أبرزها: مقاومة المستوطنين الإنجليز أي استيطان يهودي واسع يهدد مواقعهم على اعتبار أن المنطقة ستتحول إلى إقليم حكم ذاتي يهودي لو تم المشروع، ومعارضة قسم من الصهاينة اختيار أوغندا اعتقاداً منهم أنها لن تحرك عواطف اليهود، كما تحركها فلسطين التي ترتبط عاطفياً بتقاليدهم وطقوسهم الدينية.

وفي كلمته أمام مؤتمر بال في سويسرا عام 1897 قال هرتسل:"إننا هنا لنضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية"، حيث كان هذا القول بمثابة نداء لليهود من كل بقاع العالم، لإقامة كيانهم الجديد.

وحرص بناة الصهيونية على إعادة رسم هذا الوطن بما يتناسب والهوية الافتراضية بالأصل للشعب القادم من بعيد عبر كتابة ذاكرة جديدة، وخلق مساحات سكانية وعمرانية وبيئية تضفي لوناً متميزاً للدولة العتيدة، دمج الأعراق والأصول والثقافة بفعل عامل الزمن، وهكذا استقر الأمر أخيراً على اختيار فلسطين، وبدأت العمليات المنظمة لتهجير اليهود إليها عندما كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وحتى دون انتظار وعد دولي بإقامة الدولة اليهودية.

أمام هذا المشروع الكبير في خلق الكيان الجديد بقيت مشكلة الهوية الثقافية وإمكانية ربطها بما هو موجود على الأرض من تراث إنساني، خصوصاً أن التركيبة الاجتماعية للدولة الجديدة تحتوي مزيجاً من ثقافات متعددة الأصول.

وهنا لابد من الحديث عن الهوية الثقافية للشعوب والتي تتشكل من عناصر عدة أهمها التراث الشفوي والمادي، الآثار العمرانية، الأماكن الطبيعية، العادات والتقاليد والطقوس الدينية ..الخ.

ففي فتره الستينيات من القرن المنصرم، بدأت منظمة "اليونسكو" بالتفكير في إيجاد آلية من شأنها إبراز المعالم الثقافية والطبيعية الهامة بالعالم، باعتبارها تراثاً مادياً ملكاً للإنسانية، وضرورة حصرها وتسجيلها والعمل على الحفاظ عليها، خاصة وأن الحروب التي شهدها القرن العشرين دمرت العديد من الأماكن الأثرية بالعالم، كذلك أتت على جزءاً هاماً من الذاكرة الإنسانية المتمثلة بالأرشيف المدون للشعوب.

ما يُميّز مفهوم التراث العالمي هو مدلوله الذي يشمل العالم بأسره فمواقع التراث العالمي هي ملك لجميع شعوب العالم بغض النظر عن المكان الذي تقع فيه، ومهمة اليونسكو العمل على تحديد وحماية وصون التراث الثقافي والطبيعي في كل أنحاء العالم، وخاصة عندما يتسم هذا التراث بقيمة استثنائية بالنسبة للبشرية، وقد تجسدت تلك الرؤية في معاهدة دولية عنوانها الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدتها "اليونسكو" في عام 1972م، وعلى إثرها تم تشكيل لجنة التراث العالمي باعتبارها الجهة الرسمية المخولة باستلام ودراسة طلبات الدول لتسجيل المواقع الثقافية الهامة لديها على لائحة التراث العالمي.

وتجتمع اللجنة مرة كل عام لمناقشة بنود اتفاقية التراث وتطويرها، كذلك متابعة المواقع المسجلة التي بلغت إلى يومنا هذا 878 موقعاً، منها 679 ممتلكاً ثقافياً، 174 طبيعياً، 25 مختلطاً، والمجموع موزَّع في 145 دولة طرفاً، كذلك دراسة وإضافة طلبات تسجيل مواقع جديدة.

في العقد الأخير من القرن العشرين تنبهت إسرائيل إلى أهمية تواجدها ليس على الخارطة السياسية فحسب بل على الخارطة الثقافية للعالم، وذلك من خلال تسجيل مواقع تراثية باسمها على لائحة التراث العالمي، وعليه فقد استلزم الأمر أولاً التوقيع على اتفاقية 1972م، لصون التراث الثقافي والطبيعي وذلك كشرط أساسي لقبول طلب تسجيلها لأي موقع، وهذا ما جرى بالفعل عام 1999م، وعليه تقدمت إسرائيل بطلب تسجيل مجموعة من المواقع، وقد وافقت لجنة التراث في العام 2001م على تسجيل مدينة عكا القديمة، وقلعة مسعدة الرومانية التي تشرف على البحر الميت وسط الصحراء، وتوالى بعد ذلك تسجيل المواقع الأخرى.

ويوجد اليوم لإسرائيل تسعة عشر موقعاً آخراً بانتظار التسجيل على قائمة التراث العالمي: القدس (جبل صهيون امتداد للمدينة القديمة)، مدينة قيساريا الرومانية، المسجد الأبيض في مدينة الرملة، تل القاضي في الشمال، مدينة بيسان، سهل الحولة، "بيت شعاريم" ( تقع على أراضي قرية الشيخ إبريق)، دجانيا ونهلال (أقدم كيبوتسين أسسهم اليهود نهاية القرن 19 وبداية الـ 20)، بحيرة طبريا، رحلات السيد المسيح وتلاميذه في الجليل، أقدم كنيس في الجليل، جبل كركوم، تمنع (تقع شمال ايلات كانت تسمى وادي الطلح وكان يستخرج منها النحاس أيام الكنعانيين والفراعنة)، منطقة الكهوف التاريخية غرب بيت جبريل (منطقة المغر والخنادق القديمة التي تشهد للمماليك ببناء الكولومباريوم لتربية الحمام الزاجل لإرسال الرسائل)، النبي شعيب، العبيدية (موقع ما قبل التاريخ في جبل الكرمل)، الأجران الثلاثة في صحراء النقب (رنان، الكبير والصغير)، قصر المنية الأموي، اربيل (أخذت التسمية من اربيل العراقية).

إلا أن الإشكالية التي ستواجه إسرائيل في تسجيل المواقع الجديدة ستكون ضمن ملفي تل القاضي وجبل صهيون، فموقع تل القاضي (تل دان بالعبرية) يعود إلى العصر البرونزي، حيث قامت فيه مدينة دان الكنعانية الامورية، وقد خضع إلى بريطانيا إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وأثناء ترسيم حدود معاهدة "سايكس بيكو" تم اقتطاع الجزء الجنوبي من التل ليبقى تحت سيطرة قوات الانتداب البريطاني، فيما أصرت فرنسا على التمسك بباقي الأجزاء من التل ومن ضمنها نبع نهر الدان.

بعد التعديلات التي جرت على المعاهدة في العام 1923 والعام 1929 وبعد حرب عام 1948 وتوقيع اتفاقيات الهدنة بقيت المنطقة بأكملها منزوعة السلاح، إلا أن إسرائيل احتفظت بكيبوتس دان الذي أسسته الحركة الصهيونية في العام 1939، أما ما تبقى من مرتفعات تل القاضي فقد ظلت تحت السيادة السورية، وهنا نشير أن المسألة ستحتاج إلى عملية ترسيم للحدود في تلك المنطقة لحسم الأمر.

وتقدمت الحكومة الإسرائيلية في 28 يونيو (حزيران) 2000م بطلب إلى منظمة "اليونسكو" لاعتبار "جبل صهيون" جزءاً من التراث العالمي وامتداداً لموقع القدس القديمة، وقد وضعت إسرائيل هذا الطلب على جدول أعمال اجتماع لجنة التراث العالمي الذي عقد في استراليا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000.

وتلقت سكرتارية "اليونسكو" خطاباً من جامعة الدول العربية، على اثر الاجتماع الذي عقده وزراء الثقافة العرب في الرياض العام 2000م، يطالبها برفض الطلب الإسرائيلي. ووصلها رسائل عديدة تطالب بتأجيل بحث اعتبار "جبل صهيون" امتداداً لموقع القدس القديمة.