خبر هل تقوم وسائل الإعلام بدورها تجاه قضية الأسرى؟.. رياض خالد الأشقر

الساعة 09:00 م|28 فبراير 2010

هل تقوم وسائل الإعلام بدورها تجاه قضية الأسرى؟

رياض خالد الأشقر / مختص فى شئون الأسرى ومدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى

لا يخفى على احد الدور الكبير والهام الذي تلعبه وسائل الإعلام، على اختلافها في دعم القضايا الوطنية، والترويج للأفكار ، وتوجيه وتحشيد الرأي العام تجاه قضية معينة سواء بالسلب أو الإيجاب، ورغم أن قضية الأسرى تعتبر من أهم القضايا التي تقع على سلم أولويات الجميع من المواطن العادي وحتى صاحب القرار والمتنفذ، إلا أنها لم تأخذ حقها بعد في وسائل الإعلام، ولا زال الإعلام يتعامل معها حسب ردات الفعل، وترمومتر التفاعل يرتفع أو ينخفض في أوقات معينة ومناسبات محددة ، وليس أدل على ذلك من عدم انتشار الوعي والمعرفة بتلك القضية ،والتي نتجت عن عدم إثارة  تلك القضية بالكم والشكل المناسب عبر وسائل الإعلام .

فمحلياً وقد تحدثت كثيراً في هذا الأمر ولكن لأهميته نعيد التركيز عليه مرة أخرى حيث أن عدد كبير من أبناء شعبنا وللأسف لا يعرف عن قضية الأسرى ومعاناتهم سوى "أن هناك أسرى في السجون" ولو سألت عن أعدادهم وأسماء السجون، وأشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها، وأسماء القدامى منهم، لم تجد جواباً شافياً، واضمحلال هذه الثقافة يرجع إلى أن وسائل الإعلام لم تعطى تلك القضية حقها من النشر والتركيز وتسليط الضوء عليها، ومعالجتها بالشكل التي تستحقه، كما تفعل في قضايا أخرى كالأحداث الرياضية على سبيل المثال ، التي قلما تجد إنساناً لا يعرف مواعيد المباريات وتفاصيل كاملة عن اللاعبين ومهاراتهم ودوري الأمم الأفريقية وكاس العالم ولقاءات الأهلي والزمالك .. وقد ساهمت وسائل الإعلام بشكل كبير في ترسيخ هذا الاهتمام لدى المواطن، عبر الصفحات التي تفردها الصحف لتلك الزاوية ، والمساحات الواسعة التي تخصصها الفضائيات والإذاعات ، ومواقع الانترنت وغيرها من الوسائل والتي جعلت من ثقافة "الكورة" شئ أساسي في حياتنا .

بينما قضية الأسرى لم تأخذ 5% من هذا الاهتمام الإعلامي، وإلا لوجدنا الغالبية العظمى يعرفون كل شيء عن الأسرى حتى أدق التفاصيل، بل ويتهيئون للمشاركة في اى فعالية تخصص لهم، ولوجدنا أسماء الأسرى القدامى الذين افنوا عشرات السنين خلف القضبان محفورة في أذهان أبنائنا وبناتنا بدلاً من "حسن شحاته" و"ابوتريكه" و"حسام حسن" وغيرهم، ولوجدنا صور هؤلاء الأسرى تغطى جدران غرفهم وأبواب دواليبهم بدلاً من "هيفاء وهبي" و"نانسى عجرم "و"عمرو دياب " ،ولأصبحت بطولات (نائل وفخري ومروان وعبد الله البرغوتى) محط إعجاب وتقدير هذا الجيل بدلاً من انبهارهم بالشخصيات التافهة التي ساهمت في ضياع الدين والأخلاق ، ولو قام الإعلام بدوره على أكمل وجه وأعطى هذه القضية ما تستحق للمسنا تفاعلاً كبيراً مع قضيتهم من قبل طلاب الجامعات الذين يعدون بمئات الآلاف، والذين يهتمون بعيد "الفلنتاين" ويلبسون الأحمر ويتبادلون الورود، ولا يهتمون لارتقاء شهيد داخل السجون، أو لسحب انجاز حققه الأسرى عبر سنوات طويلة من الجوع والعطش والعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات والغرامات المالية .

ولو قام الإعلام بواجبه، لجعل أبنائنا الذين يسهرون الليالي ويقضون الساعات الطويلة في غرف الدردشة ويفتحون خطوط اتصال للتعارف مع الأصدقاء في كل أنحاء العالم ، يفكرون في إعطاء القضية جزءً من وقتهم ، وان يستغلوا الشبكة العنكبوتية فى التعريف بقضية الأسرى وظروف اعتقالهم القاسية ، وان يقدموها لكل أصدقائهم المفترضين ، بدل تضييع الوقت في صغائر الأمور .

يجب على وسائل الإعلام أن تعيد النظر في تغطيتها لقضية الأسرى، وألا تكون مرهونة لحدث هنا أو هناك، بل المفروض اعتماد خطة مدروسة بالتعاون مع المهتمين لجعل قضية الأسرى حاضرة وحية في كل الأوقات والمناسبات، وألا تركز فقط على التغطية الخبرية لأوضاع وظروف الأسرى، بل يجب الاستعانة بُكتَّاب القصص والروايات لتناول حياة الأسرى وذويهم بعيداً عن الأرقام والإحصائيات ،فهناك الآلاف من الحكايات التي يمكن أن نرويها عن بطولات الأسرى ومعاناتهم وصبرهم وتحديهم للسجان ، وجعل السجون المعتمة منارات للعلم والثقافة وحفظ القرآن .

على وسائل الإعلام أن تعيد لهذه القضية اعتبارها ومكانتها التي تستحقها، وألاَّ تجعل دورها فقط نشر ما تصدره المؤسسات والوزارات المعنية من تقارير أو أخبار حول الأسرى وأوضاعهم، بل نأمل من كل وسائل الإعلام تشكيل لجنة خاصة لقضية الأسرى ، مهمتها وضع برامج لتسليط الضوء على تلك القضية ،وليكن عام الأسرى مناسبة للجميع لتغير نهج التعامل الاعلامى مع تلك القضية، وأحب أن أؤكد على أمر هام جداً وهو" على الإعلاميين وأصحاب المؤسسات الإعلامية أن يدركوا بان قضية الأسرى هى قضيتهم ومن واجبهم الوطني والأخلاقي العمل من اجلها ، وان يتوقفوا عن التعامل معها من منطق الحياد، على اعتبار أن مهمتهم فقط هي نقل ما يصدر عن الأسرى من هنا أو هناك، دون مبادرات ذاتية منهم ، وهذا المنطق بالضبط هو الذي أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضية ، وأوجه سؤال هنا إلى وسائل الإعلام " ماذا ستفعلون لو لم يكن هناك جمعيات ومؤسسات تعنى بقضية الأسرى ؟ الجواب معروف إن لم يغيروا نهج التفكير تجاه القضية سيكون الجواب "لن نجد ذكراً للأسرى" .