خبر الانتفاضة الشعبية الثالثة قادمة عاجلاً أم آجلاً../ هاني المصري

الساعة 03:39 م|27 فبراير 2010

الانتفاضة الشعبية الثالثة قادمة عاجلاً أم آجلاً هاني المصري

بعد قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية إدراجَ الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال ضمن قائمة الـمواقع الأثرية الإسرائيلية، حذّر الرئيس أبو مازن من نشوب حرب دينية، ودعا إسماعيل هنية رئيس الحكومة الـمقالة إلى شن انتفاضة شعبية رداً على الاحتلال وما يقوم به من إجراءات عدوانية توسعية استيطانية عنصرية.

 

في السابق، كان الشعب الفلسطيني ينتفض لأسباب أقل بكثير مما يجري حالياً. فالقدس تتعرض لأوسع عملية تهويد وأسرلة، والاستيطان يتكثف رغم مسرحية التجميد الجزئي والـمؤقت، وجدار الفصل العنصري يقترب من الاكتمال، والحصار الخانق لقطاع غزة يتواصل مع استمرار العدوان. لـماذا إذاً لا يشن الشعب الفلسطيني انتفاضة شعبية؟.

 

السبب الأول الذي يحول دون ذلك هو أن حصيلة الانتفاضات السابقة لـم تكن مشجعة، فالانتفاضة الأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو، والانتفاضة الثانية كانت مكلفة جداً وانتهت إلى دمار وموت وتبني إسرائيل خطة الفصل التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن قطاع غزة، ويمكن أن تنتهي بإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة، لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم.

 

السبب الثاني الذي يحول دون اندلاع انتفاضة يتمثل في الانقسام السياسي والجغرافي. فالانقسام كسر ظهر الفلسطينيين وأدى إلى حالة من اليأس والإحباط وإلى انشغال القوى الفلسطينية في صراع داخلي مدمر استنزف طاقاتها، ومكّن الاحتلال من الـمضي في طريق تطبيق مخططاته الاحتلالية بسرعة أكبر وتكاليف أقل.

 

السبب الثالث يعود إلى أن السلطة أعلنت وعلى لسان الرئيس نفسه مراراً و تكراراً أنها ضد اندلاع انتفاضة ثالثة؛ لأن السلطة تراهن على خيار الـمفاوضات كأسلوب وحيد لحل الصراع. وعندما توقفت عملية السلام منذ أكثر من عام، ووصلت الـمفاوضات إلى طريق مسدود باعتراف قادة السلطة، أصبحت القيادة تشجع الـمقاومة الشعبية السلـمية وابتدأت خطة لـمقاطعة الاستيطان، ولكن دون اعتبار ذلك خطة إستراتيجية جديدة وإنما كتكتيك للضغط هدفه الأساسي إقناع إسرائيل باستئناف الـمفاوضات على أساس تجميد الاستيطان والاتفاق على مرجعية واضحة وملزمة، كما أن هنالك أفراداً وشرائح داخل السلطة والـمجتمع من مصلحتها إبقاء الوضع الراهن دون انتفاضة، وبالتالي تعارض أن تقود السلطة الـمقاومة الشعبية.

 

ويصب تركيز السلطة على بناء الـمؤسسات وإثبات الجدارة وتحسين الأمن الداخلي والاقتصاد بمعزل عن إعطاء الأولوية لإقرار الحقوق والكفاح لإنهاء الاحتلال في إبعاد احتمال الانتفاضة.

 

السبب الرابع يرجع إلى تحسين أحوال الفلسطينيين اقتصادياً من خلال اتخاذ الاحتلال جملة من الخطوات مثل إزالة بعض الحواجز وتسهيل الحركة ومنح تصاريح أكثر لدخول إسرائيل وتشجيع قيام بعض الـمشاريع الاقتصادية.

 

تأسيساً على ما سبق يمكن أن نفسر عدم اندلاع انتفاضة شعبية حتى الآن، ولكن الأسباب الـمذكورة لا يمكن أن تمنع الانتفاضة إلى الأبد، فالانتفاضتان الأولى والثانية اندلعتا في وضع اقتصادي جيد، فعاجلاً أم آجلاً ستكون هناك انتفاضة، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتبر أكثر حكومة تطرفاً منذ تأسيس إسرائيل، وتقترف جميع الأفعال التي يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة.

 

وما يحدث حالياً في القدس والخليل وبلعين ونعلين وأم سلـمونة وغيرها في حوالى 25 موقعاً أصبحت تشهد فعاليات كفاحية منتظمة هو "بروفة" للانتفاضة القادمة. فالانتفاضة الثالثة ستولد من رحم الانتفاضة الثانية ولكنها ستأخذ أشكالاً متعددة ومتدرجة وتبدأ بهبات وتتصاعد وصولاً إلى انتفاضة شاملة.

 

هنالك قانون طبيعي يفعل فعله باستمرار هو "أن لكلِّ فعلٍ ردَّ فعلٍ مساوياً له في الـمقدار ومعاكساً له في الاتجاه"، وهذا القانون يفرض أن تكون هنالك ردة فعل طبيعية على ما يقوم به الاحتلال من مخططات لضم وتهويد أكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية الـمحتلة.

 

ومن الـمتوقع تصعيد إجراءات الاحتلال. فكما لاحظنا رحب الـمستوطنون بخطوة الحكومة الإسرائيلية الأخيرة بخصوص الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، وطالبوها بالـمزيد على طريق إدراج أكثر من 150 موقعاً (من ضمنها الـمسجد الأقصى) كمواقع أثرية إسرائيلية.

 

وإذا لـم تدرك القوى الفلسطينية الـمختلفة أن الأمور تسير نحو التصعيد والـمواجهة، وأن عليها أن تستعد لذلك لكي تقود الانتفاضة القادمة عندما تنضج شروطها، وحينها لن تنتظر إذناً من أحد، ولا قراراً من أحد. فالانتفاضة عمل شعبي كبير تندلع عندما تنضج العوامل الذاتية والـموضوعية لاندلاعها.

 

وبدلاً من أن تتجه الانتفاضة القادمة نحو الوضع الداخلي، يجب السعي لكي تتجه نحو الاحتلال وتكون منظمة ولها أهداف سياسية واقعية متفق عليها، وألا تنزلق نحو الـمواجهة الـمسلحة التي تتفوق فيها إسرائيل. ولا يعني ذلك إدانة الـمقاومة الـمسلحة أو أعمال الـمقاومة الفردية، وإنما التمسك بحق الشعب الفلسطيني بالـمقاومة وتركيز جهوده على مقاومة شعبية شاملة، كخط إستراتيجي لا ينتهي سوى بتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

 

من ضمن الاستعداد الفلسطيني الـمطلوب للانتفاضة الثالثة عدم الانزلاق إلى استئناف الـمفاوضات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، دون تجميد الاستيطان والتزام إسرائيل بمرجعية واضحة وملزمة لعملية السلام.

فإسرائيل تريد استئناف الـمفاوضات لأنها تحقق لها مزايا هائلة من ضمنها قطع الطريق على اندلاع انتفاضة شعبية ثالثة، تحدث أزمة شاملة بالـمنطقة تستدعي تدخلاً عربياً ودولياً يضغط على إسرائيل، ويمكن أن يجبرها على قبول حل ينهي احتلالها لأراضي 1967، ويحقق الحد الأدنى من الحقوق والـمصالح الفلسطينية.

 

إن أهم خطوة ضرورية لكي تعطي الانتفاضة القادمة نتائج حاسمة لصالح الشعب الفلسطيني ولا تجهض مثل سابقاتها، تتمثل بإعطاء الأولوية القصوى لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني واعتماد الشراكة على أسس ديمقراطية تضمن حصة لكل طرف وفقاً لوزنه في إطار عمل وطني موحد مشترك.

 

لا يمكن مقاومة الاحتلال والانتصار عليه ونحن مفرقون. وخاطئ إلى حد الإجرام كل من يساهم باستمرار وتعميق الانقسام متصوراً أن فريقه هو صاحب الحق وحده في القيادة!!.