خبر لردع الغطرسة والعدوان.. علي عقلة عرسان

الساعة 04:07 م|26 فبراير 2010

لردع الغطرسة والعدوان.. علي عقلة عرسان

 

في دمشق التقى الرئيسان بشار الأسد وأحمدي نجاد، يومي الخميس والجمعة 25 و26 شباط/ فبراير 2010، وصليا معاً مع المصلين في مسجد حافظ الأسد بدمشق، بمناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، واعتبرا ذلك أكثر من تقريب بين المذاهب، فكلنا مسلمون نحتفل بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفي مسار اللقاء، وضمن نتائجه المعلنة، وبعد تعيين سفير أميركي في سورية، ومطالبة وزير الخارجية الأميركي هيلاري كلنتون بأن تبتعد سورية عن إيران.. جاء رد ضمني صريح بتوطيد العلاقة المتينة أصلاً بين الشعبين، والإعلان عن تقدمها خطوة إلى الأمام، حيث تم توقيع اتفاق يقضي بإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، على غرار ما حصل بين سورية وتركية. ولم يكن هذا الأمر هو الأكثر أهمية على جدول أعمال الرئيسين الذي تضمن بندين رئيسين: " «العلاقات المميزة بين البلدين الصديقين، وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية».

ولم يكن لقاء الرئيسين مجرد زيارة روتينية بين رئيسي بلدين صديقين تربطهما علاقات استراتيجية وطيدة.. بل كان اجتماعاً استثنائياً في ظروف استثنائية.. من بينها تهديد قادة الكيان الإسرائيلي من نتنياهو إلى باراك إلى ليبرمان للمقاومة وسورية وإيران، بشن عدوان يغير وجه المنطقة، ويسقط الحكم في سورية، ويدمر المفاعلات النووية الإيرانية، وينهي المقاومة في لبنان وفلسطين..إلخ، واستمرار حصار غزة، والاستيطان والتهويد ، تهديد المسجد الأقصى وسكان القدس، وقيام الكيان الصهيوني بالاغتيالات، وضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى ما يسمى " التراث اليهودي"، في مساري التهويد والاستيطان المستمرين، الأمر الذي جعل الخليل، بعد القدس وما يجري قرى فلسطينية منها بلعين ونعلين وغيرهما من قرى الضفة الغربية، ينذر بانتفاضة لا تتوقف عند حدود فلسطين، لأن أبعاداً دينية دخلت في العوامل والأسباب. وضمن الظروف التي أشرت إليها، ما تعده الولايات المتحدة الأميركية من قوائم عقوبات جديدة تفرضها على إيران وتعمل على أن يصدرها مجلس الأمن الدولي، بعد أن أصدرت هي عقوباتها الخاصة، لأن إيران استأنفت تخصيب اليورانيوم داخلياً وبدرجة 20 تكفي لتشغيل مفاعل بوشهر.

في هذا الوقت وفي هذه الظروف، عُقد اجتماع الرئيسين السوري والإيراني في دمشق، وربما جاء موازياً لما تعد له الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، حيث في هذا الوقت بالذات يجتمع في القدس المحتلة، في وقت اجتماع الرئيسين في دمشق، وفدان أميركي وإسرائيلي في منتدى " الحوار الاستراتيجي " الأميركي ـ الإسرائيلي الذي أسس عام 2001، وخصص الاجتماع لمناقشة الملف الإيراني والموقف منه، في أعلى مستوى استراتيجي ـ أمني ـ عسكري، لاتخاذ القرارات والترتيبات وتنسيق المواقف، من أجل توجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية، أو لإيران بصورة عامة، وبحث ما يستدعيه ذلك وما يمكن أن يتم في إطاره.

وحسب الصحافة الإسرائيلية: " ينعقد المنتدى للتنسيق في الموضوع الإيراني. ويلتقي فيه ممثلون إسرائيليون من الموساد، لجنة الطاقة الذرية، شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، ومستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء عوزي اراد، ورئيس القيادة السياسية – الأمنية في وزارة الدفاع عاموس جلعاد، ومدير عام وزارة الخارجية يوسي غال. ويشارك في المداولات رئيس الموساد مئير دغان وباقي رؤساء أذرع الأمن.. وعلى رأس الوفد الإسرائيلي نائب وزير الخارجية داني ايالون. ومن الجانب الأمريكي وفد يضم 16 شخصاً، برئاسة نائب وزيرة الخارجية جيم ستينبرغ، ويضم مسؤولين كباراً من البنتاغون، مجلس الأمن القومي، والبيت الأبيض، ومسؤولين كباراً في الأجهزة الأمريكية الموازية." للأجهزة الإسرائيلية. ولهذا المنتدى رأي حاسم في اتخاذ القرارات والتوجهات، فيما يتعلق "بوجوب الهجوم العسكري على إيران أو الامتناع عنه.". والملتقى "قناة حوار جدية جداً، يوضع فيها كل شيء على الطاولة ويتم تبادل معلومات استخبارية حساسة على المستويات كلها.". وحتى إذا لم يقرر المنتدى توجهاً بالهجوم المشترك على إيران، فإنه يساهم مساهمة كبيرة في تقرير إلى أي مدى يرخى الأميركيون الحبل لإسرائيل"، للقيام بعملية ضد الأهداف التي تخطط للعمل ضدها، وإلى أي حد يدعمونها ويساندونها في العدوان المحتمل.

وهذا أمر ينطوي على خطورة كبيرة من جهة، وسيقود المنطقة إلى انفجار كبير وخطير من جهة أخرى، فما اجتمع الأميركيون والصهاينة على هذا المستوى إلا نتج شر كثير. والجهات المعنية في المنطقة تأخذ التهديدات والاستعدادات الصهيونية على محمل الجد، وتضع كل ذلك في رأس اهتماماتها نظراً لأمرين: التاريخ العدواني ـ الإرهابي للكيان الصهيوني الذي يحظى بدعم أميركي مطلق، والنزوع الأميركي المستمر للهيمنة، ووضع مصالحها فوق مصالح الشعوب، وإلغاء إرادات الدول والشعوب أو إضعافها، والاستهتار بحقوقها وسيادتها واستقلالها وخصوصياتها الثقافية والقومية، اعتماداً من القوة العظمى على الضعف والتمزق العربيين، وتضاد قوى عربية وإسلامية وتناحرها في المنطقة، واستعداد بعض الأنظمة العربية والإسلامية لخوض حروب وصراعات مدفوعة القيمة بالوكالة عن الإدارة الأميركية، واستمرار سياسة الغطرسة ومنطق القوة الأميركي ـ الصهيوني.

ويبلغ التصعيد والحذر ذرى تجعل كل طرف يقف على مشارف الفعل استباقاً لما قد يقوم به الطرف الآخر، وقد قال الرئيس بشار الأسد صراحة في لقائه مع أحمدي نجاد: "علينا أن نكون مستعدين في كل وقت ولحظة لأي عدوان قد يحصل في أي وقت وتحت أي مبرر أو سبب، فالتهديدات لم تأت كحالة منعزلة ولكنها تأتي في سياق التاريخ الإسرائيلي المبني على الغدر والعدوان والاحتلال والهيمنة." ومن المسلم به أن ما يهيأ في المنطقة ولها يمس أمن إيران وسورية والمقاومة في لبنان وفلسطين ومستقبل كل منها هذه الأطراف وعلاقاتها بالدرجة الأولى، ويعني المقاومة ضد الاحتلال الأميركي في العراق. ولم يكن هذا غائباً عن أحد، وأهدافه وأبعاده واضحة، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني للأغراض السلمية، حيث تتفق وجهات النظر على أن " ما يحصل هو عملية استعمار جديد للمنطقة من خلال منع دولة عضو في الأمم المتحدة، موقعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وتسعى لامتلاك الطاقة السلمية، وبناء على هذه الاتفاقية تمنع من حق التخصيب رغم المرونة الإيرانية.. إن الموضوع مخطط مسبقا بأن تمنع الدول الإسلامية من امتلاك هذه التكنولوجيا أو غيرها، أي أن حق المعرفة ممنوع والقضية في هذا الإطار.".. ومن جانب آخر يسمح للكيان الصهيوني بأن يستمر في تطوير أسلحة نووية يمتلكها منذ عشرات السنين ويهدد بها دولاً عربية وإسلامية، ويستند إليها في احتلاله وعدوانه وممارساته العنصرية. 

لقد كانت التصريحات الإسرائيلية المغطاة أميركياً، والمسكوت عنها أوربياً، تُقابل بتصريحات لقيادات المقاومة وسورية، وبتصريحات إيرانية على الخصوص، أهمها تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي كرر آخرها في دمشق، حيث قال: «هذه المرة كل شعوب المنطقة، وفي مقدمتها سوريا وإيران ولبنان والعراق وجميع الشعوب، سيقفون بوجه هؤلاء، وسيقتلعون الصهاينة من جذورهم. وعلى العالم أن يعرف أن الشعب الإيراني يقف إلى جانب الشعب والحكومة سوريا والمقاومة الفلسطينية".

إن درجة التوت في المنطقة مرتفعة، والعد العكسي للعدوان الصهيوني ـ الأميركي بدأ أو قد يبدأ قريباً، والدول والأطراف المستهدفة تعي أنها لا بد أن تدافع عن نفسها، وأن السكوت على العدوان على طرف سيمهد للعدوان على الطرف الآخر، وأن دول المنطقة التي ليست على محور من محاور الصراع ترفض التهديد والعدوان الصهيوني، وقد صرحت تركية بذلك على لسان رئيس وزرائها. ولذا فإن من شبه المؤكد أن أي عدوان سيشعل المنطقة برمتها، ولا يمكن معرفة نتائج حرب يصمم أطرافها على خوضها، ومن المؤكد أنها ستلحق أضراراً بالغة بكل طرف من أطرافها. ولكن الذي يتحمل نتائجها والمسؤولية عنها هو الاحتلال الصهيوني، والدعم المطلق الذي يتلقاه من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ولأن الدولة الأخيرة غارقة في حروب وأزمات فإنها ستلجأ إلى تحريك وكلائها ومن تستطيع استقطابهم للدخول في حرب بالوكالة تحت مسميات وذرائع شتى.. ومنها ذرائع وأسباب طائفية ومذهبية يجري التمهيد لها والعزف على أوتارها وتوظيفها لمصلحة المحتل والمتغطرس والعنصري الذي ينشر أذاه ويدفع الآخرون ثمن جرائمه.

وربما كان المطلوب بمواجهة ذلك، وبالدرجة الأولى منع العدوان، وعي عربي ـ إسلامي عام، يمنع انخراط دول وقوى وفئات في عدوان صهيوني ـ أميركي جديد، يكون العرب والمسلمون وقوداً لما يشعله نيران صراعات وحروب دامية، وما يزعزعه من علاقات عربية ـ عربية، وعربية إسلامية، وما يستهدفه من مصالح وقوى وقيم وعلاقات في عالم إسلامي يعلن عليه حرباً دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية منذ سنوات وسنوات. إن الوجه البشع للصهيونية وممارسات الكيان الصهيوني التي بدأت تنكشف وتعري ذلك الكيان البغيض أمام العالم كله، لاسيما منذ الحرب العدوانية على غزة وصدور تقرير غولدستون، والإفلاس الخلقي والأمني المتنامي للولايات المتحدة الأميركية، كل ذلك يبحث عن مخارج من المآزق التي دخلها.. وكثيراً ما رأى " الأقوياء ـ المفلسون أخلاقياً" في العدوان مخارج من أزمات داخلية وخارجية.

فهل نواجه، نحن المستهدفين بغطرسة القوة الباغية ومشاريعها للهيمنة والنهب والاستلاب، وبالعنصرية الصهيونية واحتلالها وممارساتها النازية ومشاريعها للتوسع والتهويد والقتل والإبادة.. هل نواجه ذلك بموقف رادع يواجه الغطرسة والعدوان بوعي ومسؤولية، يمليان موقفاً موحداً ويوفران شجاعة مرغوب فيها، وقوة رادعة، ليست بالضرورة قوة عسكرية ضاربة، بل قوة موقف مبدئي شامل، يمنع العدوان، ويضع حداً للاحتلال والهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية لبلداننا، ويدخلنا في عهد خال من الوجود الاستعماري، رادع للحرب بالوكالة والفتن لمدفوعة لقيمة، ولانتفاخ أوداج العملاء الذين يدافعون عن الخيانة بوصفها " وجهة نظر"، والخيانة لم تكن، ولا يمكن أن تكون وجهة نظر في يوم من الأيام، ولدى أي شعب من الشعوب.. لأن الخيانة.. هي خيانة وحسب.

عهد حرية وتحرير وبناء وقيم ونهضة وقوة، يعود على أمتنا وعلى الإنسانية كلها بالخير والعدل والسلام!؟ إن ذلك مرتجى، وأكثر من واجب لشركاء في المصير.

دمشق في 26/2/2010