خبر نظرة على جذور الانحياز الأميركي ل« إسرائيل » ..مرسي عطا الله

الساعة 11:51 ص|26 فبراير 2010

نظرة على جذور الانحياز الأميركي ل"إسرائيل" ..مرسي عطا الله

 

 

 

ليس أخطر على العقل العربي وأجيال جديدة فيه من تصديق مقولة خبيثة يجري ترديدها بشدة منذ سنوات قليلة للإيحاء بأن الانحياز الأميركي ل"إسرائيل" إلى حد دعم أهدافها باتجاه تركيع العالم العربي هو نتاج لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لأن السجل حافل والملف متخم والوقائع يشهد عليها أهل أميركا أنفسهم.. وكل هذه الوقائع تؤكد أن العرب أفرطوا في مد يد الصداقة لأميركا منذ نشأتها قبل نحو 300 عام وأن المقابل كان «استخفافاً» تحول بمضي الوقت إلى انحياز كامل ل"إسرائيل" قبل نشأتها.. ومن بين أهم الكتب والدراسات التي صدرت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعدة سنوات وتحديداً عام 1996 كتاب يحمل عنوان «الشرق الأوسط وأميركا.. نظرة جديدة وإعادة تقييم» وقد اشترك في إعداده وتوثيق مصادره 25 باحثاً من مختلف أنحاء العالم أمضوا عدة سنوات في البحث والتنقيب داخل ملفات علاقة أميركا بالشرق الأوسط.

 

وتعود أهمية الكتاب - الذي استطاع محرره «ديفيد ليش» أن يصوغ هذه الدراسات في قالب صحفي جذاب - إلى أنه يغطي فترة طويلة ومهمة تمتد زمنياً من أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى اليوم وقد ساعد على ذلك أن ديفيد ليش يعمل أستاذاً متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط وأصدر من قبل دراسات بالغة الأهمية في هذا المجال حظيت باهتمام النقاد والمحللين في الجامعات الأميركية والأوروبية معاً.

 

وربما يزيد من أهمية الكتاب بالنسبة لنا أن من بين الــ 25 باحثاً الذين شاركوا في إعداد الكتاب بمقالات ودراسات بحثية عدداً من الكتاب والباحثين العرب.

 

وتدل مقدمة الكتاب التي صاغها محرره «ديفيد ليش» على استنتاج مبكر حيث يصف الرؤية الأميركية لأوضاع المنطقة بالعجز عن استقراء الحقائق الثابتة أو المتغيرة لأن واشنطن - على حد تعبيره - ظلت تتعامل مع قضايا المنطقة بالمغامرة أو التجربة الصاخبة في بعض الأحيان، ومع ذلك فلم يكن ينقصها النجاح في هذا الوقت أو ذاك في حين أنه شابها الكثير والعديد من أوجه الفشل وضروب الإحباط!

 

ويستطرد «ديفيد ليش» قائلاً: إن ما تراه أميركا نجاحاً يراه أهل المنطقة على عكس ذلك تماماً، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية هي أكثر القوى الخارجية نفوذاً في المنطقة إلا أنها ليست أكثر هذه القوى شعبية أو قبولاً بين شعوب المنطقة.

 

ويخلص محرر الكتاب إلى سؤال لا يقدم له إجابة وإنما يتركه لاستنتاج القارئ من بين سطور الكتاب الذي يقع في 460 صفحة. سؤال يقول فيه: ترى.. هل ما نراه أمام أعيننا يعكس أزمة الدولة العظمى ذات المصالح العالمية حين تحاول العمل من خلال بيئة إقليمية.. ومن ثم يكون التضارب بين آفاق العالمية وبين أوضاع إقليمية في منطقة بعينها.. أم أن الأمر يقتضي من واشنطن مزيداً من سلامة الرؤية ودقة التحليل وبعد النظر؟

 

في الباب الأول من الكتاب يشير الباحث «جيمس جيلفن» إلى أن أميركا كانت تتمتع بمكانة مرموقة عند شعوب المشرق العربي وأن النظرة للأميركيين كانت مفعمة بالتفاؤل وربما الإعجاب لهذه «الدنيا الجديدة» على الضفة الغربية للمحيط الأطلسي والتي ليست لها تجارب استعمارية مريرة مثل بريطانيا وفرنسا مثلاً.

 

وقد عزز من ثقة العرب وحلمهم في أميركا أنه مع بداية سنوات الحرب العالمية الأولى «1914 - 1918» كان يتولى رئاسة أميركا الرئيس «ويلسون» الذي رفع شعارات حق الشعوب في تقرير المصير مما ترك أصداء مدوية في جنبات منطقة الشرق الأوسط التي كانت تسعى وقتها للتخلص من السيطرة العثمانية والاحتلال الإنجليزي والفرنسي.

 

ولكن ظلال «الرومانسية» التي كانت تخيم على نظرة العرب لأميركا سرعان ما تبددت عندما أعلنت واشنطن بياناً باسم الرئيس «ويلسون» يعلن فيه تأييده لتصريح «بلفور» الداعي لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بعد أقل من عام من صدور هذا التصريح «النكبة» على لسان وزير خارجية بريطانيا ودون أن تكلف واشنطن خاطرها ولو لمجرد التأكد من موقف العرب «عامة» والفلسطينيين «خاصة» من مشروع إنشاء وطن قومي لليهود بين ظهرانيهم !

 

ثم كانت الصدمة العربية الثانية في الحلم الأميركي بعد نحو 30 عاماً من بيان ويلسون عندما نشبت الحرب العربية - الإسرائيلية فور إعلان قيام الدولة اليهودية عام 1948 وما واكبها من ملابسات ضلوع أميركا المباشر في إقامة "إسرائيل" اغتصاباً للحق العربي الفلسطيني.

 

*   *   *

 

تحت عنوان «الحرب الباردة في الشرق الأوسط» يتناول كتاب «الشرق الأوسط وأميركا» حقبة الخمسينيات التي أعقبت قيام "إسرائيل" مباشرة ويروي الباحث الأكاديمي «بيترهان» أبعاد المتغيرات الجذرية في المنطقة بعد نجاح ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 وبزوغ تيار القومية العربية انطلاقا من مصر التي هي - على حد تعبير الباحث - ليست بلداً عادياً، بل هي بلد مدفوع بالروح الوطنية ولها قدرة الفعل والتأثير والإشعاع في أرجاء المنطقة بالكامل.

 

ويكشف الباحث الأميركي «بيترهان» النقاب عن أن السياسة الأميركية وقعت كعادتها في نوع من الحيرة والارتباك ما بين تعاطفها مع المطالب الوطنية المصرية في الجلاء والاستقلال، وبين ارتباطاتها مع بريطانيا حليفها السابق في الحرب العالمية الثانية، وحليفها الراهن في حلف شمال الأطلنطي.

 

وقد زاد من شدة الحيرة الأميركية - في رأي الباحث الأميركي - أن كلا من مصر وانجلترا كانتا تلتمسان تأييد واشنطن وهكذا ظل الموقف بغير حل مع بدايات حقبة الخمسينيات إلى أن قامت ثورة يوليو ودخل الرئيس جمال عبد الناصر، في مفاوضات مع بريطانيا من أجل جلاء القوات البريطانية ليس عن مصر فحسب، وإنما بإعلان موقف التحدي والمعارضة إزاء بقايا الاستعمار في كل دول المنطقة.

 

وهكذا استحال على كل المسؤولين الأميركيين التوفيق بين الاتجاهات القومية لجمال عبد الناصر وبين المصالح الأميركية في الشرق الأوسط!

 

وكما يقول الباحث الأميركي فإنه منذ هذه اللحظة بدأ مؤشر السياسة الأميركية في المنطقة يتجه نحو تدمير مكانة «عبد الناصر» وضرب نفوذه وتأثيره في المنطقة.

 

ويفسر «بيترهان» معارضة أميركا للعدوان الثلاثي « البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي» على مصر عام 1956 بأنه لم يكن تعبيراً عن رغبة في حماية عبد الناصر أو تثبيت حكمه، وإنما كان بهدف مراعاة المصالح الاستراتيجية لأميركا من خلال سد أبواب المنطقة أمام الاتحاد السوفيتي، وضمان استمرار تدفق البترول وعدم تسجيل نقطة عدوان ضد حساب أميركا في المنطقة بل تسجيل نقطة معارضة للعدوان مما يؤدي إلى تجميل وتزيين صورة أميركا.. وقد تحقق ذلك بالفعل ولو إلى حين!

 

ويعدد الباحث «بيترهان» بعض مظاهر التردد وعدم الفهم الأميركي لأهمية مصر كدولة محورية في الشرق الأوسط وعجز واشنطن عن اختيار لغة التعامل الملائمة مع النفسية المصرية سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها.

 

ويشير الباحث إلى أن أميركا أرادت التوفيق بين مصالحها ومصالح بريطانيا في الشرق الأوسط، ومن ثم اصطنعت ما أسمته بقيادة الشرق الأوسط، وسياسة الدفاع المشترك عن المنطقة لحمايتها من الشيوعية عام 1951 ولكن القيادة الوطنية المصرية بزعامة مصطفى النحاس باشا رفضت الفكرة رفضاً باتاً. وهو نفس الموقف الذي اتخذه جمال عبد الناصر عام 1954 عندما عاودت واشنطن طرح فكرة الدفاع المشترك تحت مسمى «حلف بغداد».

 

وكان من الواضح أن كلا من النحاس وعبد الناصر كانا يعكسان نبض الرأي العام المصري في رفض الأحلاف الغربية بوصفها إدخالاً للوطن العربي، ضمن مناطق نفوذ المعسكر الرأسمالي والزج بأقدار المنطقة في ساحة صراع لا دخل لها به بين المعسكر الغربي والمعسكر الشيوعي.

 

وقد زاد من شدة المأزق الأميركي بعد رفض الأفكار والمقترحات الأميركية أن جمال عبد الناصر الذي انتقلت إليه مقاليد زعامة المنطقة بعد قيادته لحملة إسقاط حلف بغداد عام 1954 لم يكتف بالتوقف عند حدود إسقاط الحلف، وإنما اتبع ذلك برفض المعونات العسكرية التي عرضتها عليه أميركا لأن هذه المعونات كانت مقيدة بالشرط المتعارف عليه - على حد تعبير المؤلف - وهو أن يظل استخدام هذه المعونات رهنا بموافقة العسكريين الأميركيين الذين سيتم إيفادهم كخبراء للجيش المصري.

 

ثم كانت الصدمة البالغة في واشنطن عندما أعلن جمال عبد الناصر بعد ذلك عن تبني مصر لسياسة الحياد الإيجابي وقد عكس حجم الصدمة الأميركية تقرير بالغ الأهمية أعده خبراء الأمن القومي الأميركي جاء فيه ما يلي: أننا نعتبر أن سياسة جمال عبد الناصر في الحياد الإيجابي موجهة ضد المواقع والمراكز الغربية في المنطقة.

 

وبدأ منذ هذه اللحظة أوثق تعاون سري بين واشنطن ولندن تمخض عن وضع خطة «أوميجا» السرية من أجل ضرب جمال عبد الناصر وإسقاطه.. بل واغتياله إن لزم الأمر!

 

وكانت أولى الخطوات هي توجيه ضربة إهانة وإذلال لناصر حيث أوهمه الأميركيون بأنهم سوف يساعدونه في تمويل بناء السد العالي ثم عمدوا إلى سحب هذا الوعد بصورة تجمع بين العلانية والتشهير والإهانة والاستفزاز!

 

ولم يجد عبد الناصر سبيلاً سوى الرد على الإهانة بإعلان تأميم قناة السويس، وبعد 15 عاماً من هذا التاريخ كان السد العالي قد أصبح حقيقة واقعة وشاهداً على غباء وعجز السياسة الأميركية عن رؤية الواقع الصحيح في المنطقة.

 

*   *   *

 

ينتقل بنا كتاب «الشرق الأوسط وأميركا» إلى محور مهم يتمثل في دراسة قيمة كتبها الأستاذ مالك المفتي «الخبير الأكاديمي بعدد من الجامعات العربية والأميركية» حول تذبذب الرؤية الأميركية للشرق الأوسط من خلال تذبذب علاقات واشنطن مع عبد الناصر خصوصاً في حقبة الستينيات عندما بلغ الصراع بين الجانبين ذروته وأدى إلى مأساة يونيو 1967.

 

ويقول الباحث العربي المقيم في أميركا أنه بصرف النظر عن صحة أو عدم صحة توجهات جمال عبد الناصر، فإن الذي ليس محل خلاف - في نظر الخبراء الأميركيين - هو أن جمال عبد الناصر كان شخصية محورية بالغة التأثير وأنها هي التي دفعت دولة كبرى مثل أميركا إلى تغيير دفة سياستها أكثر من مرة بين التعاون والتنافر وبين التفاهم والخصام.

 

ويدلل الباحث على صحة ما يقول بأنه خلال الفترة ما بين عامي 1958 و1962 ساد العلاقات الأميركية - المصرية نوع من التعاون المعقول، ولكن بعد عام 1963 شعرت أميركا بأن عبد الناصر أصبح يمثل تهديداً لمصالحها في المنطقة، ومن ثم شرعت واشنطن في بناء سياسة جديدة معادية لعبد الناصر شملت كل العناصر الصديقة للغرب في المنطقة ومنها "إسرائيل" والأردن ودول عربية. وكان الهدف الأميركي يتمثل في ضرورة تحجيم دور عبد الناصر ومنع احتمالات التوسع والنفوذ السوفيتي في المنطقة وضمان أمن منابع البترول.

 

ويرى الباحث العربي - بعد أن يبدي بعض التشفي في هزيمة عبد الناصر في يونيو 1967 - أن وزير الخارجية الأميركي «جون فوستر دالاس» كان ينظر إلى مد القومية العربية الذي يقوده عبد الناصر بوصفه مجرى متدفقاً لا يجوز الوقوف أمام اندفاعه بل من الأفضل إبقاؤه ضمن حيز محدود.

 

وكانت السياسة الأميركية - طبقاً لنظرية دالاس - تقضي دائماً باصطناع مراكز ثقل في العالم العربي توازن ثقل القاهرة «الناصري» لكي تتنافس معها بدعم من أميركا والغرب.

 

ولكن عندما تجاوز عبد الناصر الحدود وامتدت ذراعه إلى جنوب شبه الجزيرة العربية في اليمن أخرجوا له "إسرائيل" من صندوق الثلج الذي كانت فيه وذلك على حد تعبير الأستاذ مالك المفتي «الباحث العربي» الذي برغم منهجه العلمي في البحث إلا أنه لم يستطع مداراة عنصري «التربص والتشفي» عندما يختتم بحثه بأن الخطأ الأكبر في مقدمات ووقائع وتداعيات يونيو 1967 يقع كله على عاتق جمال عبد الناصر وحده.. ولا يشاركه في تحمل أي قدر من الخطأ لا أميركا، ولا "إسرائيل"، مع أن عشرات المذكرات والتقارير والبحوث التي صدرت في أميركا تؤكد وقوع التدبير والتواطؤ الأميركي - الإسرائيلي المشترك تحت مظلة العجز والصمت السوفيتي غير المفهوم في يونيو 1967.

 

وكان من الطبيعي أن تؤدي الهزيمة العربية في يونيو 1967 إلى مزيد من المرارة في حلوق العرب تجاه أميركا خصوصاً بعد أن نجحت "إسرائيل" في إقناع الرئيس الأميركي ليندون جونسون - حسب رواية الباحث العربي الأميركي فواز جرجس - من معارضة أي قرار في مجلس الأمن يدعو لانسحاب "إسرائيل" إلى خطوط ما قبل الحرب إلا في مقابل اتفاق سلام يتم عن طريق التفاوض المباشر بين "إسرائيل" وكل دولة عربية على حدة.

 

ومنذ هذا التاريخ بدأ ملف جديد في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية يمكن أن يطلق عليه لقب «ملف العلاقات الخاصة».

 

وقد خصص الكتاب فصلاً كاملاً تحت عنوان «أميركا وإسرائيل.. طبيعة العلاقات الخاصة» وطبقاً لما كتبه الباحث « برنارد رايشن» فإن هذه العلاقة الخاصة أصبحت من ثوابت السياسة الأميركية المعلنة والتي جسدها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر مهندس عملية كامب ديفيد بقوله «إن من الجوهري أن يدرك كل أمرئ في بلدنا وفي العالم أن الالتزام رقم واحد لأميركا هو حماية حق "إسرائيل" في الوجود بمعنى الوجود الدائم وفي ظل السلام».

 

ولم يقتصر الأمر على الرئيس «كارتر» الذي يصفه الأميركيون من فرط حبه لليهود بأنه «توراتي النزعة» وإنما قالها بوضوح أيضاً وزير الخارجية الأميركي الأسبق «وارين كريستوفر» في فبراير عام 1993 حيث قال بالحرف الواحد: «إن العلاقة بين أميركا وإسرائيل خاصة ولأسباب خاصة إذ أنها تقوم على المصالح المشتركة والقيم المشتركة والالتزام المشترك».

 

ومن ثم لم يكن غريباً أن يثبت جميع الرؤساء الأميركيين على أرض الواقع صحة كل هذه المقولات والثوابت الأميركية في عبارة واحدة تقول: «إن أمن إسرائيل يمثل الدعامة رقم واحد في الاستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط».

 

فهل يمكن لأحد أن يطلب المزيد لفهم أسباب ودوافع وملابسات بعض ما نشهد على مسرح الشرق الأوسط الآن؟

 

سؤال لم يعد له مكان.. فالأمر واضح وضوح الشمس تماماً.. وخلاصة الأمر أن أميركا لا ترى الشرق الأوسط إلا بعيون إسرائيلية لا ترصد لها إلا ما يخدم أهداف ومصالح "إسرائيل" فقط!! 

 

صحيفة الوطن القطرية