خبر تصفية المبحوح.. سهم يرتد إلى نحر الموساد ..صالح النعامي

الساعة 11:48 ص|26 فبراير 2010

تصفية المبحوح.. سهم يرتد إلى نحر الموساد ..صالح النعامي

 

بُعَيْد إثارة الشكوك حول دور إسرائيل في تصفية القيادي في حركة حماس محمود المبحوح، كان بن كاسبيت (كبير المعلقين في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية) يكيل المديح للموساد وعملائه؛ بسبب نجاحهم في تنفيذ "عملية نظيفة بدون أثر"، حيث رأى كاسبيت أنها "أسهمت في تعزيز قدرات إسرائيل الردعية في مواجهة الفلسطينيين والعرب ودلّلت على قوة ذراع إسرائيل الطويلة". لكن بن كاسبيت نفسه عاد ليعتبر تصفية المبحوح "إحدى أفشل العمليات في تاريخ الموساد والأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، ويُوَجِّه انتقادات حادة لدوائر صنع القرار في تل أبيب التي أعطت التعليمات لتنفيذ العملية، إثر تعاظم المؤشرات على إسهام عملية الاغتيال في تضرُّر العلاقات الإسرائيلية الأوروبية بعدما تبيَّن أن منفذي العملية استخدموا جوازات سفر أوروبية مُزَوَّرة في دخول إمارة دبي، علاوة على الحرج الشديد الذي أصاب الحكومة الإسرائيلية بعدما أعلن عدد من الإسرائيليين أن عملاء الموساد الذين شاركوا في تصفية المبحوح استخدموا بياناتهم الشخصية في جوازات السفر المزورة.

 

ولقد تنافس الجنرالات المتقاعدون والمعلقون الإسرائيليون في توجيه الانتقادات للموساد والتشكيك في رجاحة تفكير رئيس الجهاز الجنرال مئير دجان وقدرته على إدارة هذا الجهاز، مع العلم أن التعبير عن الإعجاب بدجان وقدراته كانت حتى وقت قريب محور الإجماع بين النُّخَب السياسية والإعلامية في إسرائيل. فقد اعتبر مسئول سابق في جهاز "الموساد" تصفية المبحوح "فشلاً ذريعًا للجهاز"، مطالبًا بإقالة دجان. وفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي حذَّر المسئول الذي لم يكشف النقاب عن اسمه من مَغَبَّة نشوب أزمة دبلوماسية معقدة بين إسرائيل والعديد من الدول على خلفية نجاح شرطة دبي في الكشف عن أدقِّ التفاصيل المتعلقة بعملية التصفية، بالإضافة إلى انكشاف حقيقة استخدام الموساد جوازات سفر تعود لإسرائيليين لا علاقة لهم بالموساد في العملية.

 

وأضاف: "من الصعب تصديق أن جهازًا مهنيًّا وذا خبرة واسعة مثل جهاز الموساد يقع في خطأ فادح باستخدام جوازات سفر إسرائيلية في مكان تنتشر فيه كاميرات المراقبة بكثافة مثل إمارة دبي". ونوَّه إلى أنه سيتم توجيه أصابع الاتهام في نهاية الأمر نحو إسرائيل "مما يعني توريطنا في أزمة دبلوماسية دولية، فهذه العملية تعتبر فشلاً ذريعًا، وخاصة بعد كشف تفاصيلها الدقيقة". من ناحيته حَمَّل أمير أورن (المعلق العسكري لصحيفة هآرتس بشدَّة على نتنياهو)؛ لأنه رفض الاستماع للكثير من النصائح التي دعته إلى عدم التمديد لدجان لسنة ثامنة في قيادة الموساد، معتبرًا أنّ قرار نتنياهو كان "سريعًا ومتهورًا".

 

وأضاف أورن: "الشخص الذي خطَّط لهذه العملية وأصدر الأوامر بالتنفيذ، واعتبر العملية في قمة النجاح سيجد نفسه بعد أيام أو أسابيع أمام علامات استفهام كبيرة, وليس لديَّ شكّ أن هذه العملية ستؤدي إلى تعقيدات سياسية يتحمَّلها رئيس الحكومة مرة أخرى".

 

وأعاد أورن للأذهان سجل فشل الموساد في عهد نتنياهو، مشيرًا إلى محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الفاشلة في عمان 1997، وإلقاء القبض على عدد من طواقم الموساد، وهي تقوم بالتجسُّس في عدد من المدن الأوروبية في فترة ولاية نتنياهو الأولى.

 

نحميا شترسلر المعلِّق الإسرائيلي البارز أشار إلى أن الموساد تورَّط في سلسلة من جرائم التزييف والمسّ بالخصوصية الشخصية للأفراد وحقهم في حرية الحركة. وانتقد شترسلر غيابَ رقابة قانونية وبرلمانية فاعلة على الموساد، معتبرًا أن هذا الواقع قاد إلى تجرؤ هذا الجهاز على انتهاك حقوق الإسرائيليين قبل غيرهم. واستهجن شترسلر متسائلاً: "كيف سيتمكن الأشخاص الذين انتحل الموساد شخصياتهم من مغادرة إسرائيل، هل بات الموساد يرى في كل الإسرائيليين مجرد عاملين في صفوفه، هل أجرى رئيس الوزراء، المسئول عن الموساد، حساب الربح والخسارة قبل مصادقته على تنفيذ العملية". وشدّد شترسلر على أنَّ سلبيات تصفية المبحوح أكبر بكثير من إيجابياتها، منوهًا إلى أنه إذا كان سلوك المبحوح يُمَثِّل تهديدًا للأمن الإسرائيلي، فإنه مما لا شكَّ فيه أن الشخص الذي سيخلفه سيكون أكثر كفاءة منه، كما دلَّت على ذلك التجربة.

 

وهاجم وزير التعليم السابق يوسي ساريد بشدة نتنياهو؛ لأنه سمح بتنفيذ عملية الاغتيال في دولة معتدلة مثل الإمارات العربية، منوهًا إلى أن هذه العملية ستشكل ضربة قوية لـ "قوى الاعتدال" في العالم العربي. وأضاف "نتنياهو لم يتعلم شيئًا؛ فهو نفسه الذي أمر بتنفيذ محاولة تصفية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنية، مع أنه يدرك أنه بذلك يهدِّد مستقبل التعاون الاستراتيجي الكبير بين الأردن وإسرائيل". وشدّد ساريد على أنه كان من الواجب على نتنياهو توجيه الأسئلة "الصحيحة " لرئيس الموساد قبل تنفيذ عملية الاغتيال. وهناك من اعتبر في إسرائيل أن التخبط الذي ميَّز عملية تصفية المبحوح يعطي انطباعًا عن التخبط الإسرائيلي في معالجة التهديد النووي الإيراني سيكون أكبر وأخطر.

 

أرييه شافيت المعلق السياسي المعروف أشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية فوَّضت دجان بالمسئولية عن تنسيق الجهود الهادفة لإحباط المشروع النووي الإيراني. وعلّق شافيت في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" على تصفية المبحوح "من الواضح أن فشل دجان في تنفيذ عملية تصفية المبحوح بنجاح يجعلنا نعتقد أن مواجهة البرنامج النووي الإيراني هو مهمة أكبر بكثير من طاقته وقدرات الجهاز الذي يرأسه".