خبر المذبوحون من الجليل إلى الخليل ..خيري منصور

الساعة 07:43 م|24 فبراير 2010

المذبوحون من الجليل إلى الخليل ..خيري منصور

لأنهم لم يخافوا ولم يخجلوا ولم يردعهم قانون دولي أو صاحب حق مستباح. واصلوا مذابحهم للبشر والشجر ولم يسلم التاريخ كما الجغرافيا من تجريفهم، فلا الأقصى أو مسجد بلال كانا البداية، ولن يكونا الخاتمة أيضاً لهذه الدراما التي لا نهاية لها.

 

القتلة الذين يجهزون على المصلين وهم في جلال السجود بدءاً من مسجد دهمش في اللد حتى الحرم الإبراهيمي مروراً بمئات المساجد وآلاف المدارس يبرئون لكونهم مجانين من سلالة غولدشتاين، ومن يدافعون عن ترابهم وأطفالهم وعظام أجدادهم في القبور يسمون إرهابيين ومخربين وخارجين عن القانون، ولا نظن أن هناك في التاريخ كله زمناً انقلبت فيه الموازين والمعادلات كهذا الزمن، وعلينا أن نخلع من قلوبنا هذا المنطق المضاد للكائنات والسموات وكل ما له صلة بالعدل والحق..

 

لقد استطال فصل السكين حتى امتد من الجليل إلى الخليل، وكان على الضحية أن تغمد لسانها في لعابها كي تكون خرساء فتكتمل الجريمة، لغياب الشهود والقضاة، إنهم يعيدون ابن رباح الآن كي يؤذن في جرة بعد أصبح مسجده مدرجاً في قائمة الأسرى الفلسطينيين، ويخطئ من يصدق أن عدد الأسرى هو أحد عشر ألفاً أو حتى عشرين ألفاً من الفلسطينيين، فكل شجرة زيتون أسيرة، وكل سنديانة أو شجرة تين أو برتقال هي في عداد الأسرى، ولمن راهنوا ذات غيبوبة أوسلوية أو نابوليسية او ديفيدية على أن السارق اهتدى إلى التوبة خاب ظنهم مرتين.

 

لأنه أضاف إلى جريمة السطو جرائم قتل لم يسلم منها الأطفال، ولم يسلم منها حتى الموتى الذين أعيد قتلهم مرة أخرى خشية من قيامتهم العاجلة، في زمن كظم فيه الأحياء غضبهم وابتلعوا ألسنتهم لفرط الخوف، وشلّ الفرار من مواجهة الحقائق نخاعهم.

 

مذبوحون من الجليل إلى الخليل، ومن الوليد إلى الوليد، فالأوردة نزفت حتى جفت، والموت بالسكتة القومية يهدد أكثر من ربع مليار عربي، لقد كانت الخليل منذ البداية هدفاً للتهويد ولولا أنها محروسة برحمانها وأهلها لسقطت في الشرك المنصوب لها منذ سال عليها أول لعاب صهيوني سام..

 

كيف تفاوض الضحية التي قلع لسانها كما يقلع لسان الجرس في زمن الصمت المقرر بقوة نووية من يطاردها على مدار اللحظة في البيت والمسجد والمدرسة والقبر؟

 

إن رهان الصهيونية الذي لم يتبدل إلا بإعادة صياغاته هو على الإبادة المزدوجة للفلسطينيين، جسداً وثقافة وهوية لأن من أصابهم جنون الهلع من المستقبل أرادوا أن يقطفوا كل شيء الآن، حيث الظروف ملائمة، والليل يستطيل لكي يلبي شهوة اللصوص..

 

إنها متوالية من السطو والاستباحة، لم يضع العالم لها حداً وهو يتفرج على مباراة غير متكافئة بين صاروخ وحجر وبين مستوطن مدجج بالجعبة النووية ومواطن أعزل إلا من قلبه..

 

سيؤذن بلال في المسجد الذي يحمل اسمه حتى لو اضطر إلى البحث عن جرة أفرغت للتو من الزيت أو الدم.. ولن يتحول التاريخ إلى بغل داجن في مستوطنة، ما دام الذبح قد امتد من الجليل إلى الخليل.

 

صحيفة الدستور الأردنية