خبر اغتيال الشهيد المبحوح ..علي عقلة عرسان

الساعة 08:19 ص|20 فبراير 2010

اغتيال الشهيد المبحوح ..علي عقلة عرسان

 

الخامس عشر من شباط/ فبراير 2010 كان يوماً مشهوداً، أنه يوم شرطة دبي وقائدها ضاحي خلفان، ويوم الشهيد محمود عبد الرؤوف محمد حسن، "محمود المبحوح" ولحماس، ويوم الكيان الصهيوني وجهاز الموساد فيه، ويوم دول منها بريطانيا وإيرلندا وفرنسا، ويوم السلطة الفلسطينية، ويوم مؤسسات ومسؤولين على رأسهم الموساد ونتنياهو صاحب القرار واللواء احتياط مائير داغان رئيس الموساد".. وأفراد آخرين منهم: "بول كيلي، ستيفن هودس، ميخائيل (مايكل) بودنهايمر، مياكل لورنس، ملفن ادام ملدنر" وهؤلاء من الصهاينة المحتلين لفلسطين، وهم يشعرون بأنهم " أبرياء" تم تزوير جوازات سفرهم التي استخدمت من قبل أجهزة وأشخاص قاموا باغتيال الشهيد المبجوح في دبي، ويعلن بعضهم "أنه غاضب، قلق، وخائف.".. وربما كان هذا هو لسان حال معظمهم.. ولكن يوم الإثنين الخامس عشر من شباط/ فبراير هو بالدرجة الأولى يوم مفتاح باب الحقيقة الذي يفضي من جديد إلى بؤرة الإجرام والإرهاب وقتل الأطفال، وإبادة شعب.. إلى بؤرة العنصرية والعدوان والتوتر الذي يلف منطقة من العالم منذ ستين سنة.. أعني الصهيونية العالمية، والكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويشرد شعبها، ويقوم بكل الأفعال الإجرامية، ويمتلك الأسلحة النووية ويطورها، ويحتل أرض الآخرين، ويبقى فوق المساءلة والقانون.

للكيان الصهيوني تاريخ إجرامي، وتفكير وسخ ملوث بكل ما في العالم من صغار وأوساخ وأكاذيب.. ففيه إلى يوم الناس هذا من يرى أن " دولة إسرائيل هي من الفرات إلى النيل؟" على حساب التاريخ والجغرافية والشعب العربي، ومن يوجه اللوم إلى صهاينة " تنازلوا عن بعض ما يسموه أجزاء وطنهم؟ أي الضفة الشرقية لنهر الأردن، حيث تقوم المملكة الأردنية اليوم؟!"، ومن يرى أن مناحيم بيغن، أحد رؤوس الإجرام الصهيوني المعروفة، تنازل عن جزء من "أرض الدولة، وفكك مستوطنات في سيناء"؟.. وهناك أيضاً من يعتقد أن الشعب العربي مجرد "صراصير في زجاجة"؟!، وأن مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين وسيطرة اليهود على شعبها، "إرهاباً"؟ على العالم كله أن يشارك في القضاء عليه، ومن يرى أن الجولان السوري المحتل جزء من " دولة إسرائيل" وعلى سورية أن تسلم بذلك وتكف عن إزعاج " إسرائيل"، وإذا لم تفعل فهي دولة تستهدف تصفية "إسرائيل" وتؤسس لاجتثاثها؟! وهناك أيضاً من اليهود من يفكر بما هو أسوأ من ذلك، ويمارس عنصرية صهيونية تفوقت بمراحل على النازية والفاشية.. ويهدد دولاً بالعدوان وشعباً بالإبادة ومقاومة بالتصفية.. وغزة وشعبها مثال صارخ يضاف إلى أمثلة كثيرة، تفضح الطبيعة العنصرية الإجرامية لتلك الدولة المسخ، مصدر التوتر في العالم كله " إسرائيل".   

 

ونحن العرب على الخصوص، والعالم كله بصورة عامة، يواجه عقلية يهودية مبنية على أسس التمييز العنصري، والتعصب الأعمى، والاقتناع "المقدس" بالتفوق العرقي والفَرادة، عقلية يغذيها تعصب مقيت، أياً كان نوعه فهو لديها "إيمان"، بأنها من طينة غير طينة الآخرين، وأن الآخرين في خدمتها.

يقول الحاخام "اباربانيل" :"خلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خُلقت الدنيا لأجلهم، لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلاً نهاراً حيوان وهو على صورته الحيوانية، فإذا مات خادم اليهودي أو خادمته، وكانا من المسيحيين فلا يتوجب عليك أن تقدم له التعازي بصفة كونه فقد إنساناً، ولكن بصفة كونه فقد حيواناً من الحيوانات المسخرة له".

 

وفئة هذه نظرتها للآخرين لا يُستغرب منها أي فعل أو منطق أو سلوك، يسخر من منطق الآخرين وعقولهم وحقوقهم ورؤاهم للأمور. لقد رأى اليهود أنفسهم دائماً على هذه الصورة، وربما كان هذا تمثلاً منهم لعقيدة صنَّعوها، فرأوا "يهوه" من منظورها يشجعهم على أن يكون كل حقد وطمع وتعصب وعنصرية ضد الآخرين، جزءاً من تكوين مقدس ومشروع متفوق لليهودي. وقد ثبَّت مؤرخوهم ومفكروهم وكتابهم ذلك دون حياء، فها هو سيمون دفنون المؤرخ اليهودي (1860-1941) يقول: "اليهودي إنه مخلوق فريد له طبيعة أزلية، وتراث حضاري مستقل عن التراث الإنساني".. ويكاد قول جاكوب كاتز يلخص جوهر الموقف "الأخلاقي اليهودي" وجوهر المشكلة العملية أمام "إسرائيل" العنصرية في فلسطين وبقية الأرض العربية المحتلة إذ يقول:

"إن الصعوبة الرئيسة بالنسبة للمجتمع اليهودي في هذا الإطار تكمن في الحقيقة التي مؤداها أن شرائع التلمود وتقاليده الأخلاقية كانت تفترض وجود مستوطن يهودي أصلي وجهاً لوجه أما غرباء وثنيين غير مرغوب فيهم ويقيمون بين ظهراني اليهود، كما أن إقامة الاتصال مع هؤلاء قد تجر إلى الخطيئة والإثم، لذا جرى اعتبار الإقدام على طرد هؤلاء وحتى القضاء عليهم بمثابة "واجب مقدس".

فلندقق في كل كلمة مرت في هذا المقتبس ونحن واجدون فيها نتن التعصب والعنصرية ووهم التفوق الخَلْقي، والسقوط الخُلُقي التام. ولندقق في كل تفاصيل واقعة اغتيال المبحوح، ومحاولة اغتيال مشعل في عام 1997، وفي اغتيال الشهيد ياسر عرفات.. وحوادث كثيرة على هذه الشاكلة إلى أن نصل إلى اغتيال الكونت برنادوت.. وسنجد حوادث تنشأ عن مصدر عقلي ـ تربوي ـ اعتقادي إجرامي. 

في الماضي استخدم الموساد جوازات سفر وأسماء مزيفة منها قضية ليلهامر في النرويج في 1973، و"رجلي الموساد في نيوزيلندا وهما يحاولان الحصول على جواز سفر حقيقي على اسم شاب محلي مشلول"..  والموساد، كما قال صحفي إسرائيلي " سيواصل التمتع بصورة المنظمة المصممة، شبه كلي القدرة، الذي لا يمتنع عن العمل ضد أعدائه – رغم أن كل من يتابع الشؤون الاستخبارية واضح له بأن الواقع أكثر تعقيدا.".

بعد يوم الاثنين الخامس عشر من شباط/ فبراير قال نتنياهو " البريء" الذي وقف وراء عمليات اغتيال كثيرة في السابق، عما أعلنته شرطة دبي: "سمعت عن ذلك في وسائل الإعلام. لن أتناول التخمينات التي تظهر في وسائل الإعلام العالمية، حتى لو كان مصدرها هذه الحكومة أو تلك".؟! ونتنياهو لا يسأل عن غضب الدول، كل الدول، مثله مثل غيره من قادة الإرهاب الصهيوني.. إذ المهم هو النتيجة وتحقيق الهدف الذي تسعى " دولته" إلى تحقيقه.. أما تلك الدول التي يعتدي على سيادتها، فسيكفي تقديم الاعتذار لها عند الضرورة القصوى، ومن ثم استئناف التجاوز على سيادتها.. فما يجوز لإسرائيل لا يجوز لغيرها، وهذا في إطار التفضيل الرباني لـ " شعب الله المختار"، والعنصر النازل من السماء ليسود العناصر البشرية الصاعدة من طين الأرض: أي الأغيار,, الغوييم"

إن اغتيال المبحوح في دبي، وكشف الشبكة التي قامت بذلك في دبي، وتحرك دول للبحث في موضوع تزييف جوازات سفر صادرة عنها مما يشكل إساءة كبيرة لها وخطراً على مواطنيها.. الحدث الذي وصفته الصحافة الإسرائيلية بأنه " "نجاح تنفيذي تكتيكي، فشل استراتيجي.".. إن ذلك كله سيقود إلى وضع جديد يحيد بالكيان الصهيوني الذي بدأت عملية انكشافه أمام العالم الغربي على الخصوص. ولكن ما سيضيفه التحقيق الجاري في دبي مع اثنين من لفلسطينيين قدما معلومات ساعدت على اغتياله كما قالت شرطة دبي، هو وضع الشعب الفلسطيني والوطن العربي أمام حقائق ما بلغه التنسيق الأمني الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الذي تجاوز كل حدود لمقبول والمعقول. وكل هذا يشير إلى قمة جبل الجليد مما يدور في الضفة الغربية وغيرها نتيجة هذا التعاون الذي يشرف عليه ويقوم بالتخطيط له وإعداد النفوس لقبوله الجنرال كيت دايتون " غلوب باشا فلسطين" الذي حوَّل بعض أبناء الشعب الفلسطيني، بمعرفة السلطة وموافقتها للأسف، إلى خناجر في قلب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.. فإلى أين نمضي وتمضي بنا مخططات الأعداء التاريخيين لأمتنا وقضايانا المصيرية العادلة.؟!

  

إنطاكية في 19/2/2010