خبر « الموتسكلات » أكفانٌ متنقلة تُقل « ركّابها »!

الساعة 04:53 م|19 فبراير 2010

فلسطين اليوم : وكالات

كانت تتلهف لتلك اللحظة التي يصبح فيها ابنها البكر أحد طلبة الثانوية العامة "التوجيهي"، فكثيرةٌ هي اللحظات التي أطلقت فيها العنان لتفكيرها في لحظة الإعلان عن النتائج، وسماع اسمه من بين الناجحين، وجاء العام الدراسي الجديد الذي أفرد لفلذة كبدها مقعد فيه، فجدّ واجتهد ليحصل على معدل يرضي والدته المسكينة، وما هي إلا أشهر قليلة حتى حصل ما لم يكن في الحسبان.

فبينما كان ابنها وصديقه يستقلّان إحدى الدراجات النارية بسرعة فائقة، وكأنهما يملكان الدنيا, اصطدمت عجلتها بحفرة لصرف المياه كانت تتوسط الشارع المسفلت الذي مرّا فيه، مما أدى لتوقفها فجأة وتطاير جسديهما، الأول وهو ابنها ارتطم رأسه بالسياج الحديدي الذي كان على بعد أمتار والآخر هوى على الأرض، ليلقى الأول مصرعه في لحظات معدودة أجهزت على تلك الأم الرءوم، وينقل الآخر للمشفى الذي ما زال يرقد بداخله على سرير الموت فاقداً الوعي منذ أكثر من شهرين.

وتعد هذه الحادثة التي جعلت الأم في حالة "صدمة نفسية" مستمرة، من ضمن حوادث الدراجات النارية "الموتسكل" والتي ازدادت في الأشهر الماضية بعد دخول كميات هائلة منها عبر الأنفاق، فباتت كابوساً مقيتاً يقض مضاجع المواطنين، ويجثم على صدور أهالي "ضحاياها"

"نسابق الريح"!

الشاب خالد (20) عاماً يقتني إحدى الموتسكلات منذ بضعة أشهر بعدما ألحّ على والده بشرائها له، ويقول:"معظم الشباب في غزة يقتنونها، ويسعدون بركوبها، فكثيراً ما كنت أتشوق لأن أملتك واحدة وأنا أنظر إلى من هم أصغر مني سناً يسابقون الريح بها، وحينما ذهبت مع والدي لشرائها من أحد أقربائي الذي أصر على بيعها بعد تعرضه لحادث بها كاد يقتله، شعرت بأنني الشخص الأسعد في هذا الكون"!!.

ويرفض خالد ذو البنية الضعيفة فِكرة التخلي عنها أو بيعها بشدة على الرغم من وفاة اثنين من أبناء جيرانه بسببها، ويضيف:"الأعمار بيد الله، وأستطيع التحكم بقيادتي، وأحاول تجنب مواطن الخطر"، مشيراً إلى أن خطوط السير السريعة تعد بالنسبة لسائقي "الموتسكل" منفذاً لتفريغ شغفهم بمتعة القيادة.

ويُرجِع صاحب إحدى الورش ميكانيكية "الموتسكلات"، سبب كثرة حوادثها إلى رداءتها، وتوقف معظمها عن السير فجأة عند سرعة معينة، مما يؤدي لقفز صاحبها عنوة من مكانه ووقوعه في مكان يقرر مصيره.

 

وقال:" أجني ربحاً من إصلاح الدراجات إلا أنني أتمنى بألا أرى أياً منها في غزة، وإن كان الأمر سيجعلني أغلق الورشة.. بت أخشى أن أفقد أحد أبنائي في حادث موتسكل!".

تفوق حوادث "السيارات"

معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ في مستشفى الشفاء في غزة، أوضح أن حوادث الدراجات النارية تفوق حوادث السيارات بكثير، وتتسبب بإيذاء كبير للمواطنين حيث بلغ عدد الوفيات منذ عام 2007 أكثر من 130 قتيلاً، و460 إصابة منها 125 خطيرة أدت إلى دوث إعاقات حركية ودماغية لأصحابها، مشيراً إلى أن معدلها يقارب ثلاثة حوادث يومياً، مع وقوع قتيل أسبوعياً.

وبيّن حسنين أن حالات الوفاة والإصابات الخطيرة تنجم عن عدم لبس سائقي "الموتسكل" لخوذة الرأس مما يعرض منطقة الرأس للإصابة المباشرة في حال وقوع الحادث، لافتاً إلى أن أعمارهم في الغالب ما دون سن العشرين.

وأكد أن خطورة هذه الحوادث لا تقتصر على ركابها بل تطال المارّة، و سائقي المركبات والسيارات الذين باتوا يتذمرون منها بشدة.

ويخشى أحد سائقي السيارات الذي استشاطه الغضب لدى سؤاله عن مدى تأثره بـ"الموتسكلات" من كل سائق دراجة نارية، ومضى يقول: " لا أتوانى عن فتح الطريق أمام أي سائق موتسكل بمجرد رؤيته بالمرآة من مسافة بعيدة، إلا أن كل هذه الحيطة لم تنجِني من الاصطدام بإحداها حينما فوجئت بصاحبها يقفز بها تجاهي بعدما اصطدم بسيارة أخرى كانت قادمة من الخط المعاكس".

"خطر يهددنا"!

ويبدو أبو محمد حسّان ويعمل سائق أجرة أكثر استياءً من سابقه، بسبب "الموتسكلات" التي انهال باللعنات عليها لما ينجم عنها من حوادث يومية، وقال:"بينما أكون في طريق لتوصيل الركاب، فجأة تباغتني إحدى هذه الموتسكلات اللعينة التي يقودها شباب في مقتبل العمر، لأرتبك في القيادة محاولاً تجنبها، حتى لا أكون مشاركاً في مقتل صاحبها".

وأضاف:"لقد أصبحت مشكلة نعاني نحن السائقين منها باستمرار، رغم أنها قلّت عن السابق إلا أنها لم تتوقف حتى اللحظة"، مناشداً الأهالي بعدم التساهل مع أبنائهم، والموافقة على ركوبهم للدراجات النارية، وتوعيتهم بمخاطرها.

ويعبّر السائق عمر (30) عاماً عن ذعره منها بوصفها بالـ"شبَح"، قائلاً:"لا أبالغ في هذا التوصيف الذي يجمل حال السائقين بعد اكتظاظ الطرقات بالموتسكلات، فجميعنا بات يمقتها، ويخشاها بسبب ما نراه من حوادث مروّعة تحصل بسببها"، معتبراً أن تساهل شرطة المرور في التعامل مع سائقيها يجعلهم يتهورون في ركوبها وقيادتها، "غير آبهين بأرواح الناس، ولا حتى بأرواحهم".

تجاوزات مرورية

دور شرطة المرور في ضبط هذا الأمر تحدث عنه إسحاق عابد مدير عام المرور والنجدة في غزة، والذي بين أن ازدياد معدل هذه الحوادث سببه حدوث بعض التجاوزات القانونية وعدم الالتزام بشروط السلامة لاسيما لبس خوذة الرأس، ملفتاً إلى أن معظم سائقي الدراجات دون السن القانونية وهو (21 عاماً).

وأطلقت شرطة المرور حملة قبل نحو شهرين لسحب أي دراجة نارية لا تطابق المواصفات والشروط التي حددتها وزارة النقل والمواصلات.

وأردف عابد بالقول:"الأصل أن عدد الدراجات لا يتجاوز الخمسة آلاف في هذا القطاع الصغير، ولكن الموجود 15 ألفاً وهو ما عرقل عملنا وأضعف من سيطرتنا عليها في بادئ الأمر"، مشيراً إلى جمع العديد منها وإخضاع أصحابها للمخالفات.

ونوه إلى أن السبب الرئيسي في بشاعة الحوادث يعود إلى السرعة "الجنونية" التي يسوق ركابها بها مما يؤدي لعدم سيطرتهم عليها، خصوصا أن وزن الدراجة أكبر من أوزانهم، لافتاً إلى سيطرة شرطة المرور على الوضع بنسبة 80%، خاصة بعد التشديد على سائقي تلك الدراجات، وتجاوب معظمهم معها.

عقبة شركات التأمين

ويقول معتز الخالدي، مدير العلاقات العامة في الشرطة الفلسطينية في غزة، إن الشرطة نفذت عدة خطوات استباقية عبر تعميم لوائح قانونية شرطة المرور بمصادرة أي دراجة لا تحمل الأوراق الثبوتية، ورخصة القيادة، ولا يرتدي صاحبها الخوذة، وعدم ركوب أكثر من اثنين على الدراجة الواحدة.

ويرى أن الموتسكلات ظاهرة عارضة ستذوب مع الوقت وسيتم علاجها في حال "مشينا في خطوات حثيثة استمررنا على النهج ذاته، وفي تقديري الخاص ستنتهي هذه الظاهرة خلال شهور ثلاثة".

وتطرق الخالدي إلى أهم العقبات التي تعرقل دورهم في هذا الخصوص، وقال:" نعاني من عدم موافقة شركات التأمين في غزة على إعداد تأمين للدراجات النارية، لأنها اعتادت على التعامل مع السيارات العادية، كون احتمالية حوادثها قليلة، ولو حدثت فهي ليست خطيرة".

وزاد قائلاً: بدأت هذه الشركات تنظر في الأمر، وقد رفعنا مذكرة لمجلسي الوزراء والتشريعي لإلزام شركات التأمين بتأمين حوادث الدراجات النارية"، معتقداً أن التأمين سيشكل رادعاً قوياً لأصحاب الدراجات النارية بسبب التعويضات، وسيحد من انتشارها.

وتابع:"نحاول ضبط الأمور والحفاظ على أمان المواطن قدر المستطاع، فقد وضعنا عدة خطط لذلك ومنها، ألا تتجاوز سرعة الموتسكل 60 كيلو متر في الساعة، وسحب الرخصة ممن يتجاوز الإشارة الحمراء وتغريمه مبلغاً قدره 300 شيكل، ووضعنا مخالفات آنية كعمل تحرير مخالفة للمخالفات البسيطة كالسواقة المستهترة وتحميل أكثر من الحد المسموح به على الموتسكل"، لافتاً إلى مصادرة الشرطة لأكثر من 400 دراجة نارية.

وبات واضحاً أنه رغم الجهود التي تبذلها الجهات المسئولة للسيطرة على ظاهرة الدراجات النارية، إلا أن حجم الخطر الذي ما تزال تشكله كبيرا للغاية، مما يفتح الباب لتساؤلات عدة أهمها ما المصير الذي ينتظر ركّاب تلك الدراجات؟ وهل ستتخذ الجهات المعنية تدابير أكثر صرامة وحزم من أجل القضاء على هذه الظاهرة المقيتة؟.