خبر جهاز هواة يعيش في الماضي..هآرتس

الساعة 11:02 ص|19 فبراير 2010

بقلم: نحميا شترسلر

(المضمون: هكذا اصبحت قصة النجاح الكبرى فشلا مدويا. هكذا اصبح الموساد كلي القدرة جهاز هواة يعيش في الماضي. مجموعة المصفين تركت وراءها بصمات كثيرة حتى رجل المباحث الاعمى كان سيعثر عليها - المصدر).

حتى بداية الاسبوع كان الحديث يدور عن قصة نجاح كبرى؛ دخول سري الى دولة عربية، تصفية ارهابي معروف وخروج هادىء. احد لم يأخذ على عاتقه مسؤولية الاعدام، ولكن حسب مصادر اجنبية، يدور الحديث عن الموساد الاسرائيلي (وهذه فرضية، سواء كانت صحيحة أم لا، سترافق المقال بأسره). وكانت النتيجة تصفيق وهتاف للموساد الذكي، الذي عمل بنجاح على أعلى مستوى ممكن.

ولكن عندها جاءت شرطة دبي وعرضت قصة التوتر البوليسية الافضل في المدينة: فيلم كامل وصور واضحة للمنفذين المجهولين. وهكذا تبين بان الموساد السوبر مهني، الذي قيل عنه انه يعمل مثل منظمة تكنولوجيا عليا متطورة، ليس سوى جهاز قديم يعمل بنزعة هواة مقلقة.

منفذو العملية لم يأخذوا بالحسبان بان التكنولوجيا طارت الى الامام في السنوات الاخيرة. ذات مرة، في العالم القياسي، كان يكفي تزييف جواز سفر، الصاق لحية والتنكر في زي لاعب تنس بقبعة رياضية. هكذا مكتوب في كتب التجسس. اما اليوم فالعالم رقمي، محوسب. متصل اعلاميا ومصور، وهذا على ما يبدو لم يأخذوه بالحسبان في قيادة الموساد.

وعليه، فمضحك سماع الثناء الذي يوجه لشرطة دبي على نجاحها في حل لغز الغموض. فهل كان ممكنا عدم النجاح؟ فمجموعة المغتالين الكبيرة تركت وراءها الكثير من البصمات لدرجة ان حتى رجل مباحث أعمى كان سيعثر عليها.

فقد وصلوا الى دبي قبل وقت قصير من الاغتيال، بحيث كان سهلا تشخيصهم في الرحلات الجوية الوافدة. اعطوا جوازات سفرهم للاستعراض في المطار، وصورت وجوههم. بعد ذلك استخدموا ذات الجوازات كي يسجلوا انفسهم في الفنادق. فما المشكلة في تشخيصهم في كل نقطة على الطريق؟

وفي السياق مشطت شرطة دبي كاميرات الحراسة الكثيرة المركبة في المطار والفنادق. واذا قال احد ما انه ما كان يمكن التملص من كاميرات الحراسة فلماذا قرروا النزول في الفنادق الكبرى في وسط المدينة. أفلم تكن هناك حلول سكنية اخرى اقل انكشافا؟ على مدى العملية تحدثوا بينهم بالاجهزة الخلوية، والكل يعرف بان الجهاز الخلوي هو مثل جهاز العثور، فهو يبلغ في كل عدة ثوان اين يوجد المتكلم، وكل مكالمة منه تسجل. وكعقبى، خرجوا من الفندق دفعة واحدة، فور تنفيذ الاغتيال حيث لم تكن هناك صعوبة كبيرة في العثور عليهم ايضا في الرحلة الجوية الخارجية.

واذا كان ثمة مع ذلك من يظن أن الحديث يدور عن جهاز استخبارات آخر وليس الموساد، فقد حرصوا ايضا على منع هذه الامكانية حين سرقوا هويات سبعة اسرائيليين احياء ومذهولين.  وعليه، فلا تستحق شرطة دبي أي مدالية. فقد قدموا لها حل اللغز على طبق من الهواة. إذ أي فرصة توجد لوسائل التخفي القديمة واللحية الملصقة امام تكنولوجيا الاتصالات المتطورة والكاميرات الرقمية؟

بول كيلي، الذي يسكن اليوم في كيبوتس نحشوليم، لم يصدق بان هذا حصل له. فهو يوجد في البلاد منذ 15 سنة، ولكنه يواصل الاحتفاظ بجواز سفره البريطاني الى جانب جنسيته الاسرائيلية. "منذ ان فهمت انهم استخدموا هويتي فاني أسير كالمهبول... ما أجتازه هو كابوس واحد كبير، انا اخاف على حياتي". هكذا يشعر ايضا باقي الستة الذين سرقت هوياتهم.

يدور الحديث عن سلسلة جرائم تزييف ومس بالحرمة الشخصية، وكذا مس خطير بحق كل مواطن في الامان والحركة الحرة. فهل يمكن لهؤلاء السبعة أن يسافروا في أي مرة الى خارج البلاد؟ أوليس المس بهم هو ثمن باهظ اكثر مما ينبغي؟ أوليس لدى أي منا حماية لحرمته الشخصية امام الموساد؟ نأمل ألا يكون الموساد يرى في كل مواطني الدولة وكأنهم تجندوا في صفوفه. هذا يذكر بالنبوءة الاخروية للبروفيسور يشعياهو ليفوفتش الذي قال ان استمرار الاحتلال والحروب سيجعلنا كلنا رجال مخابرات. اما اليوم فالمقصود رجال موساد.

السؤال الكبير هو، هل أجرى رئيس الوزراء، المسؤول عن الموساد، حساب الربح والخسارة حين اصدر مصادقته على الانطلاق على الدرب. إذ واضح منذ اليوم ان اضرار العملية اكبر بكثير من فضائلها. محمود المبحوح سيحل محله نشيط حماسي آخر، ربما اكثر وحشية منه. ولكن الـ 11 شخصا (وربما اكثر) من وحدة التصفيات في الموساد لن يكون بوسعهم بعد اليوم العمل في خارج البلاد. كما أن اساليب عمل الموساد انكشفت هي ايضا.

دبي، دولة معتدلة، لن تتحمس في مواصلة أي علاقات مع اسرائيل، ولا ينبغي أن نحسد رجل الاعمال الاسرائيلي الذي يحتاج الى أن يسافر الى هناك قريبا. ايرلندا توجهت الى بريطانيا، فرنسا وألمانيا بطلب من التحقيق المشترك للقضية. سفيرا اسرائيل في بريطانيا وايرلندا استدعيا  لحديث استيضاحي. رئيس وزراء بريطانيا أمر بفتح تحقيق جذري للقضية وذلك لانهم في اوروبا لا يحبون ان يعرض جهاز اجنبي سلامة المواطنين للخطر. واضح ايضا بان مكانة اسرائيل في الرأي العام في اوروبا تضررت إذ اتخذت صورة دولة عديمة الكوابح وخارقة للقانون. هكذا اصبحت قصة النجاح الكبرى فشلا مدويا. هكذا اصبح الموساد كلي القدرة جهاز هواة يعيش في الماضي.