خبر حرب باردة في الشرق الاوسط..هآرتس

الساعة 10:56 ص|19 فبراير 2010

بقلم: ألوف بن

تصفية محمود المبحوح في دبي، المنسوبة الى اسرائيل، كانت تعبيرا آخر عن الحرب الباردة، التي تدور رحاها بكل القوة بين اسرائيل وايران. القوتان الاقليميتان العظميان تتصارعان على القوة والنفوذ في الشرق الاوسط، تهددان بالابادة المتبادلة وتزعجان الواحدة الاخرى في عمليات سرية. المواجهة بينهما تدور حول ذلك منذ سنوات عديدة، ولكن في الشهر الاخير احتدمت التصريحات عن حرب ساخنة من شأنها أن تندلع في "سنة الحسم"، 2010. الادارة الامريكية تحاول الان تهدئة الخواطر، تلطيف الامور، منع الانفجار. هذا هو التحدي الاقليمي لبراك اوباما.

المواجهة الاسرائيلية – الايرانية اليوم تذكر بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وصراع النفوذ الذي ادارته اسرائيل مع مصر الناصرية في الخمسينيات والستينيات ومع م.ت.ف ياسر عرفات في السبعينيات والثمانينيات. المظاهر مشابهة: رفض ايديولوجي عميق للخصم، تهديدات على وجوده، سباق تسلح، عمليات سرية في ارجاء العالم، توريد سلاح للحلفاء، تحالفات سياسية مع قوى عظمى اقليمية وعالمية، مقاطعة اقتصادية وعزلة سياسية.

عندما أمل، اطل احيانا على موقع الانترنت لوكالة الانباء الايرانية، "إرنا" . مرة كل بضعة ايام ينشر هناك وعد علني لزعيم ايراني في أن انهيار النظام الصهيوني قريب. او رسالة مهدئة في أن اسرائيل ضعيفة وغير قادرة على مهاجمة ايران، واذا ما هاجمت ستعاقب. او تشجيع للحاخامين المناهضين للصهيونية في اوروبا ودعوات لتقديم "مجرمي حرب" اسرائيليين الى المحاكمة بسبب افعالهم في غزة. وحتى البروفيسور ايلان بابه "المنشق الاسرائيلي" يحظى بالتشجيع.

الرسالة الايرانية: الصهيونية هي ايديولوجيا اجرامية، مسؤولة عن جرائم حرب وفظائع. النظام الصهيوني ليس مشروعا وانهياره محتم اذا ما وقفت "المقاومة" امامه بتصميم. السعودية تهاجم اليمن، حسب الايرانيين، بسبب مؤامرة امريكية واسرائيلية. يبدو هذا مدحوضا، الى أن نتذكر القصة التي نشرت قبل نحو سنتين في مجلة سلاح الجو عن المساعدة العسكرية السرية التي قدمتها اسرائيل الى الملكيين المؤيدين للسعوديين في اليمن في حربهم ضد ناصر. التاريخ يكرر نفسه.

 

عقيدة مطار بن غوريون

الرسالة المضادة من اسرائيل مشابهة. مثلما يزعم الايرانيون بانهم لا يعارضون اليهود، بل الصهيونية فقط، هكذا يشرح زعماء اسرائيل بانهم يحبون ويحترمون الشعب الايراني ولا يرفضون سوى النظام. وحسب روايتهم، فان ايران مسؤولة عن كل المشاكل الامنية التي تلم باسرائيل، من العمليات الانتحارية وحتى الصواريخ والقسامات، ولكن اذا ما انصرف ايات الله، فسيكون بوسعنا أن نتحابب من جديد مثلما في عهد الشاه. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يصف ايران "عملاق الجديد" بسبب سعيها الى السلاح النووي. من الصعب وصف تهديد اشد من هذا: "كتاب الاحاديث " يأمر شعب اسرائيل بـ "محو ذكر عملاق من تحت السماء".       هذا الاسبوع وصلت التهديدات العلنية ذروتها. الرئيس الايراني، محمود احمدي نجاد، حذر من أن اسرائيل تخطط للشروع في حرب "في الربيع أو في الصيف"، وقال انه اذا كان هذا ما سيحصل فان "المقاومة والدول في المنطقة ستصفي هذا النظام الزائف". في الاسبوع الماضي أعلن احمدي نجاد بان بلاده يمكنها أن تبني قنبلة ذرية. زعيم حزب الله حسن نصرالله، حدد له اهدافا: تل أبيب ومطار بن غوريون، اللذين سيهاجمان اذا ما ضربت اسرائيل بيروت والمطار على اسم الحريري. وحيال "عقيدة الضاحية"، لاسرائيل – تدمير البنى التحتية اللبنانية اذا ما تعرضت اسرائيل مرة اخرى لهجوم بالصواريخ – يطرح حزب الله "عقيدة مطار بن غوريون".        نصرالله، مثل صديقه الايراني، تحدث عن دفاع عن النفس في وجه عملية اسرائيلية، وليس عن هجوم مبادر. هنا ايضا من الصعب تجاهل التماثل في التهديدات. تصريحات احمدي نجاد ونصرالله تذكر بتحذيرات اسرائيل من "سوء تقدير" يؤدي بسوريا الى الهجوم، قبل نحو ثلاث سنوات. في نهاية المطاف سوريا لم تفعل شيئا، واسرائيل هاجمت المنشأة النووية قرب نهر الفرات. فهل تتآمر ايران وحزب الله  للهجوم في ظل التحذيرات من عملية اسرائيلية؟ تفسير نصرالله يبدو كنسخة دقيقة لتفسيرات وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، لتهديداته بان عائلة الاسد ستسقط من الحكم في سوريا اذا ما قاتلت اسرائيل. نصرالله وليبرمان يؤمنان بان التهديدات المتبجحة تخلق الردع الاكثر نجاعة.    الجمهور في الجانبين لا يتأثر. هنا ايضا تظهر صورة مرآة بين تل أبيب وبيروت، المدينتان المهددتان بالخراب في الحرب القادمة. في كلتيهما يوجد تعاظم مجنون في اسعار العقارات، التي ارتفعت في السنة الماضية بمعدل مشابه من 37 في المائة (حسب ذي ماركر وموقع الانترنت "جلوبل بروبرتي غايد"). الخط الهوائي للمدينتين الساحليتين يتغير بوتيرة سريعة بسبب كثرة الابراج الاعتبارية – المباني الاولى المرشحة للانهيار تحت القصف والهجمات الصاروخية. الاستنتاج: الاسرائيليون واللبنانيون لا يعتقدون ان تصريحات الزعماء ترتبط بالواقع. فلو خشوا حقا من "كارثة ثانية" ومن تدمير البنى التحتية لكانوا بالتأكيد بحثوا عن ملجأ خلف البحار ولم يبذروا ملايين الدولارات على شقق فاخرة ستدمر في المواجهة المقتربة.

 لهم النفط، لنا عود الثقاب

ومع ذلك، ليس صحيحا استبعاد التهديدات المتبادلة وكأنها مجرد كلمات فارغة تستهدف "الاستهلاك المحلي". هكذا شرحوا في اسرائيل ايضا تهديدات ناصر الى أن انجرفت المنطقة بأسرها الى حرب الايام الستة. في حينه ايضا، كل طرف ادعى بان خصمه يريد أن يهاجمه. هذا لا يعني ان التاريخ يكرر نفسه بدقة، بل فقط ان تصعيدا متراكما كفيل بان ينفجر اذا لم يعثر على مادة التفجير وتعطيلها.

هذا ما يحاول عمله كبار رجالات الادارة الامريكية، الذين انطلقوا هذا الاسبوع في رحلات تهدئة الى الشرق الاوسط. الكليشيه القديم "للعرب يوجد نفط ولنا يوجد عود الثقاب"، ثبت مرة اخرى: الادارة لم تستثمر مثل هذا الجهد من اجل الفلسطينيين المعانين، مثلما تستثمر الان في منع انفجار اقليمي يطلق الى عنان السماء اسعار الطاقة. تهديدات اسرائيل على "عملاق" وشركائه السوريين، اللبنانيين والفلسطينيين، تقلق الامريكيين اكثر بكثير من توسيع المستوطنات ومن اسكان اليهود في الشيخ جراح.

في الشهر القادم سيصل الى القدس نائب الرئيس جو بايدن ويقدر بانه مثل رئيس الاركان، الادميرال مايكل ملن، الذي زار هنا في بداية الاسبوع، فان بايدن هو الاخر سيحذر اسرائيل من هجوم وقائي ضد المنشآت النووية في ايران. التحذير العلني يعطي الامريكيين غطاءا دبلوماسيا: فهم قالوا للاسرائيليين الا يعملوا. ولكن هجوما مبادر اليه على نتناز، مثلما على المفاعلين في العراق وفي سوريا في الماضي، هو فقط سيناريو محتمل واحد. وماذا اذا ما اشتعلت الجبهة اللبنانية، ودعمت ايران حزب الله وردت اسرائيل ضدها بعملية دفاع عن النفس؟ او العكس، اسرائيل عملت في الشمال وايران هاجمتها بالصواريخ؟

نتنياهو سيلتقي اوباما مرتين في الاسابيع القريبة القادمة حين سيزور واشنطن بمناسبة مؤتمر اللوبي المؤيد لاسرائيل "ايباك" والمؤتمر النووي الدولي. التهديد الايراني سيلعب دور النجم في الحدثين، وسيكون لرئيس الوزراء الكثير مما يقوله ويسمعه من الرئيس.