خبر عن العسل وإبرة السم .. يديعوت

الساعة 09:55 ص|16 فبراير 2010

بقلم: روني شكيد، وداني ادينو أبابا

يقوم في نطاق ضيق في مركز قرية سلوان في شرقي القدس بيت ذو ثلاث طبقات. في الطبقة الثالثة شقة من غرفة ومطبخ صغير، حيث تسكن السيدة نجاح الرجبي، وزوجها عوض وابنتها. في الطبقة الثانية، في شقة ذات غرفتين، يسكن ابنها البكر عايد، وزوجته وابناؤهما الاربعة. وفي الطبعة الثانية، وراء اقفال ونوافذ تغطيها ستارة ثخينة زرقاء، تسكن عائلة تنعامي اليهودية – رجل في الخامسة والثلاثين خريج دورية أغوز، وزوجته الحامل وابناهما – ولا يعلم أحد ما اسمهما وماذا يعملان. على حسب المنظر الخارجي للرجل ألصق به الجيران لقب "اليمني".

حصل البيت الذي تسكنه عائلة تنعامي منذ خمس سنين على لقب "بيت العسل". يقع البيت على مبعدة نحو من مائتي لتر فقط من بيت يونتان الذي أثار عاصفة في الاسابيع الاخيرة. لم تكتب وسائل الاعلام عن بيت العسل،  ولم تذكر منظمات حقوق الانسان هذه المستوطنة المصغرة في تقاريرها. في خريطة معهد عطيرت كوهنيم الديني يقوم علم صغير في المكان الذي يقع فيه البيت، وهذا جزء من المعركة التي يجرونها بالتعاون مع رابطة "العاد" على تهويد مدينة داود التي يسميها الفلسطينيون سلوان.

"لا نكاد نراهم بل نسمعهم فقط. يعلو من هناك احيانا ضجيج غناء بمصاحبة طبول، واحيانا ضجيج فتح ثقوب في الحيطان"، تقول نجاح الرجبي. "لا تخرج المرأة الى الشرفة لتعليق الغسيل، ولا تحيي ايضا. نرى حراسهم الذين يتشاجرون احيانا مع ابنائنا، ونرى اكثر من كل شيء سيارة الجيب الكبيرة السوداء التي تأتي صباحا لأخذهم وتعيدهم بعد الظهر او في المساء".

"اليمنيون"، ابناء عائلة تنعامي يسكنون شارعا لا اسم له، في بيت لا رقم له. يعرف الفلسطينيون البيت على انه "بيت عسلي"، اسم عائلة صاحب البيت الذي باع عطيرت كوهنيم وعائلة الرجبي ملكه. تعني كلمة "عسلي" العربية، رجل العسل بالعبرية. فضل اليهود الترجمة العبرية – بيت العسل، الذي يرمز ايضا الى رؤيا حياة حلوة داخل القرية الفلسطينية. بالمناسبة لا يذكر منظر بيت العسل البتة بالسائل الحلو الاصفر. فالوسخ والقمامة، وأبواب الحديد الثقيلة والكتابات على الحائط اكثر تذكيرا بخربة متروكة.

صغار حفاة

بدأنا الرحلة الى بيت العسل عند ابواب الحديقة الوطنية في مدينة داود، غير بعيد عن باب المغاربة المجاور للحائط الغربي. وقفت سيارة الحراسة، وهي سيارة جيب سوداء امريكية من طراز حديث عند ركن الباب. على الزجاج الامامي والخلفي لسيارة الجيب شبكة حديدية، كما هي الحال في سيارات المستوطنين في الخليل. يرتدي خمسة حراس قمصا قصيرة الاكمام سوداء دخنوا السجائر وتضاحكوا. "الفلسطينيون يرموننا بالحجارة، وقد عطلوا لنا ثلاث سيارات جيب"، قال واحد منهم.

في الناحية الاخرى من الشارع منطقة مغلقة علق فوق مدخلها لافتة كبيرة تقول "موقع أثري". وبلصقها بيت حجري مقدسي ذو ثلاث طبقات، رفع على سطحه بغير هندام، على سارية معوجة علم اسرائيل. تابعنا السفر الى عين سلوان. خطت فلسطينية تلبس الحجاب، مع ابنتيها الاثنتين في الخامسة والسادسة – مسرحتين تسريحا حسنا وترتديان أثوابا حمراء – صاعدة في الشارع وسدت الحركة في الشارع. بعد بضع عشرات من الامتار لقينا عن المنحدر جماعة من المستوطنين بعضهم في بزات الجيش الاسرائيلي، وقد جهدوا في دفع عجلة حديدية ثقيلة.

انكشف امامنا من منطقة عين سلوان القرية المكتظة الآهلة التي تصعد بيوتها في أعلى الجبل. يزعم المستوطنون ان هذه البيوت جميعا بناها العرب بغير رخص، ولهذا يحل لهم ايضا ان يبنوا بغير رخص. لم يكن من الصعب ان نتعرف داخل الزحام "بيت يونتان" الذي يحمل اسم يونتان بولارد. يرفرف علم أزرق – أبيض ضخم على سطح البيت حتى الطبقة الثانية. تعرفنا بسهولة بيوت اخرى ليهود. رفع على السطح علم أزرق – ابيض وفي ركن آخر من السقف غرفة صغيرة للحراسة في موقع الحراسة.

تابعنا في الشارع الضيق الى المدرسة الفلسطينية. وقفنا قرب البقالة. "الحمد لله انني لا اسكن قرب المستوطنين"، قال لنا الحانوتي الفلسطيني الذي تزيد آيات من القرآن حانوته من كل جهة. توجهنا الى الشرق صاعدين نحو الزقاق المفضي الى بيت يونتان والى بيت العسل حيث يسكن اليمني. انزلقت العجلات، واهتز المحرك وزحفنا ببطء في داخل الزقاق. سافرنا نحوا من 400 متر. كان المنظر أشد بؤسا من المناظر في غزة او مخيم جنين. علقت فوق الزقاق أسلاك الكهرباء وربما اسلاك الهاتف التي تميل  الى السقوط ايضا. يجري صغار فلسطينيون حفاة في الشارع. النساء، وكلهن متنقبات حدجننا بنظرات مرتابة. عندما تمر سيارة جيب الحراسة السوداء الكبيرة في الزقاق، يضطر السابلة الفلسطينيون الى الالتصاق بقوة في الحائط كي لا يصابوا.

"انهم يسافرون سريعا مثل الطائرة. لا يهتمون بأي أحد. يعتقدون انهم يسافرون في شارع سريع في تل ابيب"، يزعم اكرم الجعبري من سكان الحي. "اصابوا سياراتنا عدة مرات، وقالت لنا الشرطة ان نأخذ من السائق المصيب تفصيلاته. لكن من يستطيع ان يتحدث اليهم؟".

يسمي الفلسطينيون الزقاق "حوش المرجة"، باسم العائلة الخليلية الكبيرة التي تسكن هناك. يزعم احد ابناء العائلة، محمد المرجة الى اليوم ان الارض التي بني عليها بيت يونتان هي ملكه الخاص، الذي أخذه منه افراد عطيرت كوهنيم احتيالا. يعترف محمد المرجة بأنه كان مشاركا ايضا في بيع بيت العسل. هو لا يعرف الساكن اليهودي، فقد تمت الصفقة مع ادارة عطيرت كوهنيم.

قبل يومين قدم محمد المرجة شكوى الى القائد العام للشرطة، والى المستشار القانوني للحكومة والى رئيسة المحكمة العليا طلب فيها اقامة احكام المحكمة وسد بيت يونتان. "أطلب من حضراتهم ان يتناولوا الموضوع بجدية لان دولة اسرائيل هي دولة قانونية وديمقراطية، لا تفرق بقراراتها بين اليهودي والعربي"، كتب بسذاجة لا تلائم من يعرف نظام شراء البيوت الذي يتم على ايدي أناس معهد عطيرت كوهنيم بالتعاون مع وزراء الاسكان على اختلاف اجيالهم.

فرش على الارض

يسد باب حديدي بني مدخل بيت العسل. عن يساره كومة قمامة كبيرة، اعتاد الجيران العرب ان يطرحوا القمامة هناك. فوق المدخل عدسة تصوير وفي الحائط الايمن الى جنب الباب عدسة تصوير اخرى. قرب النافذة عدسات تصوير أخر، واحدة عن يمين الزقاق،  وأخرى عن يساره. طرقنا الباب الحديدي، واستعملنا الجرس، وفتح الباب بعد انتظار طويل.

فتح الباب حارس يرتدي درعا سوداء، ويحمل في يده جهاز اتصال، ويده الاخرى قريبة من خصره حيث المسدس. جلس الحارس الثاني قرب الباب في كرسي منخفض في غرفة انتظار لا تزيد مساحتها على متر مربع واحد. زمزمت مروحة صغيرة في الحائط بهمس، وأدخلت في الغرفة المظلمة شيئا من الهواء.

"نريد الحديث الى السيد تنعامي"، قلنا. اغلق الحارس الباب، وبعد مرور نحو من ثلاث دقائق خرج الى الزقاق وقال "لا يريد الحديث اليكما". تركنا قصاصة ورق مع رقم الهاتف. لم توجد عندنا أوهام، فهو لم يهاتف.

في البقالة، ازاء بيت تنعامي، التقينا ناصر ابو نيب الذي يسكن مبنى مجاورا. تلقى قبل بضعة ايام هو واخوه ضربات من حراس بيت العسل. "احد الحراس سب أمي وأختي، لم نستطع السكوت، حدث شجار"، قال واستدعانا الى بيته لرؤية الصور من عدسات تصوير التلفاز التي ركبها هو ايضا على البيت اذا ما اعتقلته الشرطة.

دخلنا بيت أبي نيب. لا يسكن البؤساء في ظروف كهذه. لا يوجد أثاث. والأسرة ملتصقة بالحائط، والفراش على الارض.

"عندي أمر اخلاء للبيت". قال

- لماذا؟

-"زدت غرفة صغيرة على شقتي. قبل ستين سنة كان ها هنا كنيس لليمنيين. رأيت بقاياه، يريد اليهود البيت. اقترحوا مرات كثيرة على عمي مالا جما. منذ رفضنا وهم يبحثون عن طرق لاخراجنا".

وقفنا فوق سطح بيت أبي نيب. على مبعدة مترين او ثلاثة من النوافد المشبكة لعائلة تنعامي. انضمت الينا نجاح الرجبي، التي تسكن فوق بيت تنعامي. "أأنتما من حقوق الانسان"، سألت وبدأت تبسط من الفور مشكلاتها.

"اشترينا البيت قبل خمس سنوات. باع صاحب البيت اليهود، البيت مرة اخرى. أتوا ودخلوا البيت وسكنوه. كان عندنا كل شيء، مطبخ بعشرين الف شيكل. قالت الشرطة لزوجي ان يخرج متاعنا من البيت. غضب زوجي وقال لهم: لن أخرج المتاع لان البيت لي. يتمتع اليمني وزوجته الان بمطبخي. مضينا الى المحكمة، قرر القاضي انه يجب على اليمني اخلاء البيت. مرت منذ ذلك الحين خمس سنين وعلى الدوام يؤجلون المداولة. قبل سنة، وقت المطر، دخل الماء بيت اليمني. وجد اختراعا لصرف الماء، ثقب ثقبا في الأرضية، وتدفق الماء كله على ابني. حرام".

حراس مسلحون

يحظى الجيران الفلسطينيون برؤية عائلة تنعامي، مثل ثماني عائلات بيت يونتان داخل سيارة الحراسة فقط. لا يجول احد من السكان اليهود في الزقاق. تحظر عليهم اجراءات الامن ان يجولوا في المنطقة الفلسطينية. حتى لو قرروا ان يجولوا سيرا على الاقدام بضع مئات من الخطوات، كما يفعل احيانا تنعامي، من "بيت العسل" الى "بيت يونتان"، يصحبهم حارسان مسلحان احدهما من الامام والاخر من الخلف.

ان عائلة تنعامي، مثل كل واحدة من العائلات اليهودية الستين التي تسكن مدينة داود وحي "حديقة الملك" في سلوان، وهو حي لا حدائق فيه وكل مستوطن ملك، تحظى بحراسة لصيقة 24 ساعة في اليوم. هذا هو مستوى الحراسة الذي يحظى به نحو من ألفي اليهودي الذين يسكنون الاحياء الاسلامية من القدس الشرقية في الربع الاسلامي والمسيحي من البلدة القديمة، وفي حي الشيخ جراح، وفي بيت "هحوشن" فوق قمة جبل الزيتون وفي قرية سلوان.

تقوم بالحراسة شركة حراسة خاصة. اجمالي ميزانية الحراسة 47 مليون شيكل كل سنة. يبين حساب بسيط ان كل ساكن يهودي في الاحياء الاسلامية يكلف دافع الضرائب 23 الف و 500 شيكل. مع فرض ان كل لعائلة اربعة اولاد، تبلغ النفقة على كل واحدة منها 141 الف شيكل. تمول وزارة الاسكان ميزانية الحراسة – وهذا تقليد نشأ في الايام التي تولى فيها اريئيل شارون وزارة الاسكان وتلكأت الشرطة عن تمويل حراسة السكان اليهود.

"في سنة 1990 لم يكن في سلوان حتى يهودي واحد. في تلك السنين كانت القرية معروفة على انها "قطاع غزة القدس"، يقول الدكتور خليل توفقجي من سكان شرقي القدس، وهو باحث في المدينة ومن رجال فتح. "تجند اسرائيل الدين في السنين الاخيرة لاحتياجات سياسية. جعلوا سلوان الحوض المقدس، وبدأوا يتحدثون عن الملك داود وعن مدينة داود وأنشأوا اجماعا اسرائيليا على الاستيطان اليهودي في القرية. قال رئيس بلدية القدس، نير بركات انه يوجد في القدس بين 15 ألف الى عشرين الف بيت غير قانوني. هو مستعد لاحلال ثلثيها الموجودة في مناطق أخرى من المدينة. اما الثلث الباقي الموجود في سلوان فيريد اخلاءه ليأتي بيهود الى هناك. المعركة على سلوان هي المعركة على القدس كلها. سلوان هي المكان ذو أكبر تركيز فلسطيني في الحوض المقدس. اذا لم نكن اقوياء ولم نتقو في سلوان فسنفقد نحن الفلسطينيين القدس".

في رد على التقرير الصحفي أبلغنا ناطق وزارة الاسكان قائلا: "خولت الوزارة حراسة السكان في شرقي مدينة القدس وفي الربع  اليهودي، وفي ضمنهم سكان منطقة موقع بيت يونتان وبيت العسل. ان وحدة حراسة شرقي القدس التي تعمل في نطاق مناقصة وزارة البناء والاسكان، تحرس المواطنين وتعمل بحسب قرار حكومة وتوجيهات شرطة اسرائيل. تقف الميزانية السنوية لنشاط الحراسة في شرقي المدينة وفي الربع اليهودي على نحو من 47 مليون شيكل في السنة. كلفة حراسة السكان في موقع بيت يونتان وبيت العسل تقدر بنحو من مليون شيكل كل سنة".