خبر هل الجبهة الداخلية في إسرائيل جاهزة لمواجهة غزة مجدداً ؟!

الساعة 05:47 م|12 فبراير 2010

فلسطين اليوم : القدس المحتلة

في غمرة الأحاديث والتصريحات الإسرائيلية المتتالية عن تصعيد مرتقب مع قوى المقاومة في غزة ولبنان، يأتي السلوك العسكري ليعطي تثبيتاً لهذه التهديدات، في ظل الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال في غزة، والتحليق المكثف لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية.

ومع ذلك، فإن المراقب للوقائع الميدانية من جهة، والبيئة الجيو - سياسية في المنطقة من جهة أخرى، قد يخرج بانطباعات متباينة حول أي من الخيارات الإسرائيلية أكثر ترجيحاً للتعامل مع غزة ولبنان، والمراوحة بين سيناريوهين لا ثالث لهما: الحرب الشاملة أو الاستنزاف المتواصل.

تهديدات معلنة

الكثير من المعطيات شهدها الميدان في أكثر من منطقة تشير بما لا يدع مجالاً للشك أن "تل أبيب" تحضر لشيء ما، هو بالتأكيد أقرب للتصعيد منه إلى التهدئة، ومنها:

- نقلت تقارير دبلوماسية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن هناك ميلاً عاماً لدى الحكومة وقيادة الجيش بتوقّع حرب قريبة جداً ضد إسرائيل، تنخرط فيها إيران وحزب الله وحماس، ما قد يجبرها على توجيه حرب وقائية ضد أي من هذه الجهات، أو الثلاثة معاً.

- ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية نقلاً عن مصادر مطلعة أن تدريبات عسكرية وتدريبات للدفاع المدني تُجرى بصورة متزامنة ومكثّفة، كاشفةً أن قيادة الجبهة الداخلية تُجري يومياً تمرينات لتشغيل صفارات الإنذار، وفحص قدرات قوات الطوارئ في حالات القصف الصاروخي، خصوصاً تل أبيب وضواحيها، وأن سلطة الإطفائية تلقت سيارات إضافية بشكل مفاجئ، وصدرت أوامر لطواقمها بإلغاء إجازاتهم في الأشهر الأربعة المقبلة.

- نقلت "معاريف" توجيه بنيامين نتنياهو رسالة شديدة اللهجة إلى حركة "حماس"، قائلاً إنه ينظر بخطورة بالغة إلى إطلاق القذائف الصاروخية وقذائف الهاون التي تعرّض لها النقب الغربي، وأن جيشه سيرد فوراً على هذه الهجمات.

- أورد التلفزيون الإسرائيلي تهديداً لوزير الجيش أيهود باراك ضد قيادة حركة "حماس" من عواقب اللجوء إلى خطوات "قد تندم عليها في المستقبل"، ناصحاً إياها "بدرس خطواتها كي لا تندم في حال اضطر للتحرك العسكري".

- أوردت الإذاعة العسكرية تصريحاً بالغ الخطورة لقائد المنطقة الجنوبية السابق، الجنرال يوم توف سامية، بأن الحرب في الجنوب لم تنته، والمواجهة المقبلة مع "حماس" حتمية، نحن أمام جولة أخرى في غزة، وأشكّ في أن "حماس" ستغيّر طريقها دون تلقّي ضربة أكثر جدية من التي تلقتها في حملة "الرصاص المصبوب"؛ ضربة أكثر تركيزاً وكثافة، ذات نتائج بعيدة الأمد، تشمل السيطرة على مناطق معينة في غزة، بحيث تدرك أنها ستخسر تلك المناطق، يجب خلق وضع ينفد فيه "أكسوجينها".

ميدان يغلي

- عرض التلفزيون الإسرائيلي تقريراً عما قال عنها "عملية الرصاص المصبوب 2"، قد تستغرق أسبوعاً فقط، بمشاركة سلاح المدفعية الذي سيدخل الحرب إذا ما أرادت إسرائيل اجتياح غزة بالكامل.

كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" النقاب عن استعداد الجيش لإعادة احتلال محور "فيلاديلفي" (صلاح الدين)  بين مصر وغزة، حيث تم رسم الخطة وتجهيز الوحدات العسكرية للسيطرة عليه، وقدّرت مصادر الجيش أن تكون الخسائر البشرية كبيرة، لأنها تتطلب تمشيط بيوت رفح بيتاً بيتاً لغرض تدمير الأنفاق، مما يتطلب إبقاء قواته في المكان.

- من الأهمية بمكان قراءة التفسير العسكري لبناء الجدار الإلكتروني على الحدود مع غزة ومصر، ويقول إن إسرائيل ستواجه خلال الفترات المقبلة المزيد من التحديات العسكرية في المنطقة, وبالتالي, فإن وجود مثل هذه الجدران سيتيح لها تفعيل عملياتها العسكرية في الجهة التي تريدها, دون خوف من احتمالات أن تواجه خطر انفتاح الجهات الأخرى ضدها, طالما أنها محمية بالجدران العازلة الصعبة الاختراق.

كما أن التفسير الأمني, يقول إن بناء هذا الجدار الإضافي يتمثل في رغبة إسرائيل بعدم إفساح أي مجال لقيام العناصر المعادية لها بالتسلل داخلها, وتهديد منطقة النقب الإستراتيجية, التي تمثّل أحد أهم مكونات قلب الدولة الحيوي الإسرائيلي, لوجود مفاعل "ديمونة" والعديد من المنشآت الحيوية ذات الحساسية والأهمية الفائقة.

- أعلنت الإذاعة الإسرائيلية نجاح التجربة التي تمّت على منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض صواريخ المقاومة، حيث اعتبرت أوساط الجيش أن المنظومة الحديثة ستؤدي إلى تغيير المعادلة، وقد "تردع" عناصر المقاومة عن القيام بعمليات ضدّ إسرائيل، وقد تمكّنها في المستقبل من الاستغناء عن المعارك واسعة النطاق.

وقد تم تطوير نظام "القبة الفولاذية" بهدف التصدي لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من لبنان ومن قطاع غزة، حيث من المقرر أن تبدأ الدرع التي يتراوح مداها بين 40-70 كم العمل في غضون ستة أشهر، وسيتم نشر بطارياتها على طول الحدود مع لبنان وغزة.

علماً بأن مصادر استخبارية وعسكرية كشفت أن "القبة الحديدية" لا تستطيع إيقاف صواريخ غزة وحزب الله قصيرة المدى، لأن إسرائيل بحاجة إلى 12 بطارية صواريخ منها لتشكيل خط دفاعي عن مدنه القريبة من حدود غزة، وهو في الوقت الحالي لا يستطيع نصبها؛ لتكلفتها العالية المقدرة بـ1.75 مليار شيكل للبطارية الواحدة.

الجدران والأقنعة

المعطيات السابقة والشواهد الميدانية تؤكد أن "تل أبيب" عازمة على المضي قدماً في تسخين الأجواء المحيطة على الجبهتين: الغزية واللبنانية، حتى لو لم ترغب جميع الأطراف ذات العلاقة في التصعيد، لكن التقديرات لكل منها قد يدفعها لهذا التصعيد مثلما حصل قبل سنة من ذلك، كما أن الجيش الإسرائيلي يحرص على الحفاظ على مستوى متواضع في تفسير الأحداث في غزة ولبنان.

ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي يبدو معنياً في هذه الفترة، كما يقول المحلل السياسي عوفر شيلح بإحباط النار برد فعل موضعي، ويبقي سياسة "لن نجلس بصمت" التي تقررت بعد "الرصاص المصبوب"، وبعد سنة من الحرب، فإن المصلحة الواضحة لدى الطرفين هي رؤية أن قواعد اللعب الجديدة محفوظة، ولا يسارع أحد للانجرار إلى تصعيد يجعل هذه الأقوال فارغة من المضمون.

إضافة لذلك، ورغم الخطاب العالي عن أن تقرير "غولدستون" لم يضع قيوداً على طبيعة الفعل العسكري الإسرائيلي، والتصريحات عن يد أقوى في الجولة القادمة، واضح جداً لأصحاب القرار والقادة العسكريين بأن هناك قيوداً على استخدام القوة، وكل من يعتقد بأن لا مفر من مواجهة إضافية، أو حتى يؤمن بأن لها حاجة، يفهم بأن ليس لديه أي شرعية داخلية وخارجية في هذه اللحظة، على حد قول شيلح.

علماً أن جيش الاحتلال أعد تقريراً حول تحقيقاته في الحرب على غزة، ليشكل تقريراً مضاداً لتقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة ريتشارد غولدستون.

في المقابل، يرى كبير المحللين العسكريين عاموس هاريئيل أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليست جاهزة في أحسن التقديرات لمواجهة عسكرية كبيرة، كالتي شهدتها غزة قبل عام، ولبنان قبل أكثر من ثلاث سنوات، بالرغم من قرار المجلس الوزاري المصغّر الخاص لشؤون الجبهة الداخلية، بزيادة الإنفاق على مشروع التزود بأقنعة واقية، وتوزيعها من جديد على جميع مواطني الدولة منذ نهاية شباط/فبراير الجاري.

ولذلك تشير التقديرات التي قدّمها هاريئيل إلى أن الانتهاء من استكمال التزود بهذه الأقنعة سيكون بعد ثلاث سنين من الآن، وسترتفع الكلفة المالية من مليار شيكل إلى مليارين، وبالتالي فإن الحرب التي ستنشب بعد ثلاث سنين، فسنكون أكثر استعداداً، على حد تقديره.

بالمناسبة، فإن عدم استعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لحرب متوقعة في غزة ولبنان يشير إلى تغير في إستراتيجية قتال "الأعداء": طهران، بيروت، دمشق، وغزة.

ولذلك، فإن التقدير الأكثر ترجيحاً في أوساط الجيش الإسرائيلي يشير إلى بدء صياغة رد على القذائف الصاروخية، وسيتابع الجيش الاعتماد بقدر كبير على التأليف بين الهجمات الجوية والعمل البري، لكن عندما يكون الحديث عن هجوم بآلاف الصواريخ وعشرات آلاف القذائف، فلن يكون ذلك كافياً.

وفي مثل هذه الحالة المتوقعة في لبنان وغزة، ستضطر إسرائيل للاعتماد على أربعة عناصر للرد، يتآلف بعضها مع بعض: الاستخبارات في التقدير والإحباط وخطة عمليات هجومية، ودفاع فعَّال مثل نظم تثبيط الصواريخ "حيتس" و"الصولجان السحري" الذي ما يزال في قيد التطوير و"القبة الحديدية"، والدفاع السلبي كالصفير، والملاجئ وأقنعة الغاز.