خبر تزوير استطلاع أم تزوير مرحلة! .. نبيل عمرو

الساعة 03:29 م|09 فبراير 2010

بقلم: نبيل عمرو

أُدخلنا طوعا أو قسرا، في لعبة الاستطلاعات وصدقنا أن نسبة الخطأ لا تتجاوز الثلاثة بالمائة. ومثلما يطلب شخص ما وجبة من مطعم، تأتيه جاهزة إلى البيت، صارت نتائج الاستطلاعات، تطلب بذات الطريقة في زمن الوجبات الجاهزة والسريعة، وبالنسبة للمقتدرين – الرخيصة – .

لا أتحدث هنا عن واقعة بعينها، أو حتى عن مؤتمر أو عدة مؤتمرات، وإنما عن ظاهرة، نعرف دوافعها، وآلياتها ونتائجها.

الدوافع.. هي أولا الكسب المادي حين يكون التصويت الكترونيا، أو على طريقة الرسائل الهاتفية – SMS – فكلما كثر عدد المصوتين، ارتفع دخل الجهة المنظمة، حتى إن فضائيات بكاملها وجدت من أجل "فزورة" وتحولت على حساب هواة المشاركة في المسابقات السهلة على طريقة .. أجب عن السؤال 1+1 = 5 أو 4 أو 2  واتصل بنا على الأرقام التالية..!!!

إن عملية كهذه يمكن ابتلاعها أو التعايش معها، حين يكون الأمر متصلا بمن تفضل من الراقصات أو المطربين أو اللاعبين، أما أن يتشكل في وعي الناس من هم الذين قدموا لشعبهم انجازات خارقة؟

وتأتي الإجابات فلان أو علان،.. فهذا هو المدخل إلى كلمة السر..

عندما يصبح الأمر على هذا النحو، بوسعنا إدراك كم اللعبة خطرة – وكم التزوير بلغ من مدى ليس على صعيد الأصوات التي يحصل عليها المعنيون، وإنما على صعيد الاهتمامات!

إن تزوير الاهتمامات، هو اخطر أنواع التزوير إطلاقا وذلك من خلال أسئلة الاستطلاع أو الاستفتاء أو حتى المسابقات..

فما هي الأسئلة غالبا...

من هو أبرع سياسي؟

من هو الرئيس القادم؟

ولغسيل الاستطلاع بمسحوق وطني شعبوي يوضع سؤال.. يشير على نحو عابر لأمر وطني ملح، مثل هل تؤيد المبادرة المصرية أم تعارضها، وفي كلتا الحالتين جهز نصف شيكل ثمن المكالمة أو الرسالة ، واقرأ النتائج غدا أو بعد غد وجهز نفسك للاستطلاع القادم وهذا البرنامج تم بالتنسيق مع .... أو ..... أو أي شركة كبرى!!

كنت أتمنى وما أزال بالطبع، أن أتابع استطلاعا نزيها وموضوعيا يطلب من المتسابقين تعداد انجازات المرحلة سياسيا وتنمويا وكفاحيا..

وكنت أتمنى وما أزال .. متابعة استطلاع آخر، حول كيفية الخروج من الإغلاق السياسي الجاثم على صدورنا في الوقت الذي يكثر فيه ترديد عبارات الصمود الأسطوري. والقدرة على استبدال أو تطوير الخيارات والبدائل، بينما نتنياهو يجسد صمودا أسطوريا على باطل الاستيطان.

وتطويرا يوميا لسياسة التهام الأرض والحقوق، إذ لم يكتف بما فعل وما يُفعل الآن- بل تحدث عن إجراءات استراتيجية تجعل من قيام دولة أو شبه دولة ضربا من ضروب المستحيل!!

وكنت أتمنى وما أزال.. إشراك اكبر عدد من المواطنين في تقديم اقتراحات لعل بعضها ينفع في أمر حياتهم كالتعليم والصحة والتكافل الاجتماعي، وان تقدم هذه الاقتراحات للحكومة التي هي المسؤول الأول عن هذا الشأن كي تسترشد بها في وضع سياساتها واتخاذ قراراتها..

إن ذلك لم يفعل ولا يفعل، ليس لاستحالة الإقدام عليه، فما أسهل تنظيم فعاليات عديدة بهذا الاتجاه، ولكن لأن لا نجومية لأحد بعينه في الأمر، ولا مردود ماليا لمن ينظم الاستطلاعات والمسابقات، وهنا ومن هذه النقطة يستدل على أساس التزوير، وغاياته؛ فأساساته تزوير الاهتمام، وغايته تزوير المخارج من الأزمات، لصالح  متعة الفضول.. والغرق في بحور الوهم اللذيذ .. حيث من هو أكثر السياسيين انجازا رغم عدم وجود أي انجاز! ومن هو الفائز في الانتخابات رغم عدم وجود انتخابات.. وهكذا..

إن أخطر وأسوأ وأكثر صنوف الخداع انحطاطا، هو خداع الذات، ولقد فعلناه ذات مرة ويبدو أننا ما زلنا جاهزين لفعله مرات ومرات، إذ قد يكون تحول في حياتنا إلى ثقافة.

يوم أجرينا انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحي حركة فتح في الانتخابات التشريعية، وحين عددنا الأصوات التي وجدناها في الصناديق لم ندقق في أنها بلغت عشرة أضعاف أصوات الوطن كله، وأقيمت الاحتفالات من قبل الحائزين على المراتب الأولى ونظمت المسيرات لمبايعة أصحاب الأرقام الفلكية في البرايمرز، وحين جاء الاستحقاق الذي لا لعب فيه ... ولا تزوير ... رأينا بالوقائع والأرقام أين وصلت بنا لعبة خداع الذات، لقد أتت بحماس إلى قمة هرم لم تتعب في بنائه فنحن من بنى الهرم على مدى أجيال .. إلا أننا كذلك من قفز من قمته إلى سفحه، فهكذا يكون مصير من استمرأ لعبة خداع الذات حتى تحولت غريزيا في حياته إلى ما يشبه الإدمان.

أخيرا..

معذرة لمن قد يفهم المعالجة هذه بطريقته الخاصة، ويرى فيها انتقادا لأشخاص أو حتى مؤسسات، ذلك أني وحين اقرأ استطلاع رأي أو مسابقة أو أي أمر من هذا القبيل .. لا اهتم كثيرا بالأسماء ولا بالأرقام وإنما بالأسئلة .. ولو جمعنا الأسئلة ودرسناها لوجدنا أن ما يتم ليس استطلاعا بريئا للتشجيع وإنما هو وبامتياز تزوير لمرحلة بأسرها وعافانا الله من النتائج التي ستسجلها حتما الاستطلاعات النزيهة، أي داخل صناديق الاقتراع.