خبر نقابة الصحافيين بين صحفجية المزاد واليسار المتسلق ..سمير زقوت

الساعة 10:32 ص|09 فبراير 2010

نقابة الصحافيين بين صحفجية المزاد واليسار المتسلق ..سمير زقوت

 

يشكل الإعلام في عالمنا اليوم إشكالية عصية على الحل. وهو نقطة اشتباك كانت ولم تزل، بل وستظل هكذا طالما حاول الإعلام أن يمارس دوره الصحيح ويخدم رسالة إيجابية بناءه تعمل على تقوية المجتمعات وزيادة منعتها، وتحمي حقوق الإنسان وتكشف انتهاكاتها ومرتكبيها وتفضح الفساد والفاسدين في مؤسسات وإدارات الدول.

 

والصحافيون والإعلاميون بهذا المعنى يتعرضون لصعوبات ويواجهون تحديات كبيرة، حيث يتحولون إلى عدو حقيقي لأعداء الشعوب من الفاسدين والمتسلطين. وعادة ما تعاديهم السلطة التي هي مطلقة دائماً في عالمنا العربي، وهذا ليس مستهجناً. ولكن المستهجن أن يحاول نفر قليل من صحافيي السلطة استلاب نقابة الصحافيين وأن ينجحوا في ذلك، ويتحولوا بمعنى أو بآخر إلى أعداء للحرية، وهم من ينتهكون حقوق الصحافيين الفلسطينيين في حرية التنظيم النقابي، وهم أنفسهم من يجردون زملائهم من الحماية التي يمكن أن تؤمنها لهم نقابة قوية.

 

كما أن مايثير الدهشة، ولا أدري إن كانت هذه الكلمة ستفلح في إعطاء معنى أشد من الاستغراب والاستهجان، نعم ما يثير الدهشة هو موقف اليسار الفلسطيني برمته والجبهة الشعبية منه على وجه الخصوص. والتخصيص هنا  لاينبع من مثال الشجرة المثمرة هي من تتعرض للرجم، ولكنه نابع من فرادة الانزلاق إلى موضع فاجأ جميع المراقبين.

 

موقف الشعبية هذا ذكرني ببيت شعر للشاعر العراقي مظفر النواب في معرض هجومه على اليسار العربي الذي تردد في اتخاذ موقف مما فعله جهيمان، حيث قال: كيف يحتاج دمٌ بهذا الوضوح إلى معجم طبقي لكي يفهمه؟ والجبهة تحاول أن تستغبي الناس لتخفي تبعيتها وانحيازها للمصالح الحزبية التي أقل ما توصف به أنها تافهة إذا ما قورنت بحساب مصلحة الوطن والانحياز لقيم الحق والحرية. انحيازها لمواقف تحقق مكاسب حزبية وتعزز موقف أحد طرفي الصراع بما يعني إسهامها في تعزيز حالة الانقسام التي تغذيها موالاة طرف ضد آخر. وهو انحياز قد يحقق منفعة حزبية هنا أو هناك، ولكنه قطعاً يدمر مصلحة الجبهة بالمعنى الاستراتيجي والمستقبلي. سأتناول في هذا المقال انتخابات النقابة وموقف اليسار منها، وهو مقال في سياق لا يخرج عن سياقات مقالاتي السابقة أي أنه لا يعدو كونه "فشة خلق" تحمي من الجلطات وتحول دون الانفجار محققة التوازن لكاتبها العبد الفقير إلى الله.

 

انتخابات النقابة:

شكلت انتخابات نقابة الصحافيين الفلسطينيين التي جرت مطلع الأسبوع واقتصرت على الضفة الغربية  تكريساً لواقع قائم منذ حوالي عشر سنوات. أي أن الانتخابات من الناحية الموضوعية والمهنية كأنها لم تكن. وهي لن تغير شيئاً من واقع الحال باستثناء تغيير في شخوص مجلسها. وأنا أشك أن الأشخاص في جوهرهم يختلفون عن سابقيهم، لأن من يقبل بهكذا سلوك اليوم لا يختلف عن من مارس السلوك نفسه منذ سنوات. هذا بالإضافة لكونها في الضفة دون القطاع تكريساً لواقع الانقسام ودعوة مفتوحة لحماس لتشكل نقابة على مقاسها ومقاس محازبيها كما هو حال فتح ونقابتها.

 

نعم لا يوجد فرق وما الذي سيتغير، فأعضاء النقابة لا يعلم أحد كيف تم تنسيبهم، وهل قبلت عضويات جديدة ومن أفتى بقبولها، وكيف جرى التعامل مع الاتهامات بالفساد والهدر التي خرجت عن دائرة السر ليصدر النائب العام قراراً بتوقيف نقيبها. وما هو الدور الذي ستلعبه النقابة هنا في غزة ..؟ هل سيجرؤ أحد من أعضاء مجلسها في غزة على مراجعة جهاز أمن أو شرطة أو سياسي أو وزير في حكومة غزة أو حركة حماس بعد أن خرج على القانون وقبل ترشيح نفسه رغم حكم المحكمة العليا في غزة بتأجيل الانتخابات..؟ أنا أشك أن يجرؤ أي منهم على الحديث، هذا مع العلم أن بعضهم يجب أن يخجل من نفسه من مجرد ادعاء انتمائه للنقابة...أليس كذلك؟

 

كيف يمكن لصحفي أن يقبل حرمان زميله من حق أصيل له في الانتماء إلى النقابة، وفي ترشيح نفسه لهيئاتها القيادية وفي اختيار ممثليه..؟ أليس هذا السلوك هو نقيض لمفهوم الحرية ؟ وكيف لمن يمارس النقيض أن يدعى انحيازه المطلق للحرية ؟

 

أعتقد أن من سعى لإجراء انتخابات النقابة، على نحو مخالف للأصول والقانون، إنما سعى لتكريس تفريغ النقابة من مضمونها تحت شعار الانقسام وتداعياته. وأعتقد أن العاقل والمهني من الصحافيين يجب أن يدفع نحو انتخابات توافقية ولا يضيره إن فاز صحفيون ممن ينتمون لحركة حماس أو غيرها في الانتخابات، لأن هذا سيضع الطرفين في حرج شديد، حيث سيضطر صحافيو حماس في غزة إلى مواجهة حكومة غزة في الدفاع عن أقرانهم فتحاويين وجبهاويين وغيرهم. وكذلك الأمر في الضفة الغربية،  لوفاز صحافيو فتح فهم سيضطرون إلى مواجهة حكومة رام الله في الدفاع عن أقرانهم الحمساويين والجبهاويين.

 

أليس هكذا سيناريو من شأنه أن يفعَّل النقابة وأن يشكل أوسع مظلة لحماية الصحافيين والعمل الصحافي، بل وأن يعزز حرية الرأي والتعبير في الضفة والقطاع ؟ وهذا على اعتبار أن فتح وتوابعها يسلمون بفوز حماس في غزة، أي أنه السيناريو الأسوأ، لكن أليس هو أفضل من انتخابات صورية لاقيمة لها.. ؟

 

أليس الإقدام على خطوة كهذه يشكل دعوة صريحة لحركة حماس بالإعلان عن تأسيس نقابة صحافيين في غزة، ويعطيها حق الادعاء أنها النقابة الحقيقية؟ هل فكر من أقدم على إجراء الانتخابات بهذا الشكل في مصلحة المهنة وأصحابها أو في مصلحة الوطن، أم أنه نظر من الزاوية الضيقة جداً التي تحقق مصلحته وألقى بعظمة لمن لا يهمهم قيم أو قانون بقدر ما تعنيهم مكاسب يرونها كذلك لأن عيونهم وآفاقهم قاصرة.

 

 

اليسار الفلسطيني:

 

بقدر ما تغيظ المرء حالة الشرذمة والانقسام التي نعانيها كشعب يرزح تحت الاحتلال، بقدر ما هي مفجعة حقيقة السياسيين الفلسطينيين ولاسيما قيادات الأحزاب الحاكمة وخاصة الحزبين الرئيسين في الساحة الفلسطينية. نعم مفجعة ليس فقط لعدم إعلائها من شأن الوطني والعام على الفئوي والخاص، بل لأنهم يدمرون كل ما هو وطني عام لأجل ما هو فئوي وخاص.

 

ولكنا تاريخياً وجدنا معايير تساعد على فهم طبيعة القوى المتنفذة في قيادة فتح وحماس فتارة كانت العلة طبقية وأخرى أيديولوجية. ولكن الكارثة بل ومايثير في النفس الاشمئزاز هو موقف اليسار عموماً الذي يدعى صوابية التحليل والمعرفة، ويحمل دائماً على اليمين ويكيل له التهم. واليمين على علاته فاعل يحقق مصالح من يمثلهم فئوياً، فيما لا يحصد اليسار سوى الفشل تلو الآخر. وعبثاً يحاولون قراءة أسباب الفشل، لأنهم أبداً لن يقفوا أمام العوامل الذاتية المتعلقة بالطبيعة الطبقية للقيادة المتنفذة في الأحزاب اليسارية، والطبيعة النفعية والذراعية والتبريرية في أحسن الأحوال التي تحكم سلوك قوى اليسار عموماً.

 

ولنتأمل موقف اليسار، الذي يعتبر نفسه صاحب فكر الثورة والتغيير فكل أحزابه سعت بهدوء لتحصل على مغنم من بعض فتح وبايعتها في انتخابات لا يشك عاقل في أنها لا قانونية ولا ديمقراطية وتكرس الانقسام. وكان الأمل بصراحة معقوداً على الجبهة الشعبية، التي غالباً ما غردت خارج السرب وانتصرت لمصلحة الوطن مضحية في سبيل ذلك بكثير من المنافع الحزبية. ولم تتأخر الشعبية وكان لها موقفاً لافتاً لدرجة أن عضو مكتبها السياسي والنائب في المجلس التشريعي جميل المجدلاوي أبى إلا أن يلقي كلمة يعبر فيها عن موقف الجبهة تجاه الانتخابات. وكان له موقفاً نارياً كعادته في الانتصار للحق، وحسب ما فهمنا جمهور الحاضرين في اعتصام الأربعاء الذي سبق الانتخابات فهذا لم يكن موقف اجتره المجدلاوي بالمناسبة بل هو موقف المكتب السياسي للجبهة واتخذ وفق الأصول بعد دراسة وتأمل. كما خطب في الحشد حسن جبر رئيس التجمع الديمقراطي للصحافيين  وتحدث الصحفي حسين الجمل في مؤتمر صحفي وهو معروف بيساريته وهما أيضاً لم يخرجا عن السياق ولاعن النارية.

 

وكانت المفاجأة صباح السبت هي مشاركة الجبهة في الانتخابات بل ونجاح عضوين من سبعة أعضاء يمثللونها عن غزة وهما من تحدثا في الاعتصام، أليس هذا مخزياً؟ أنا أنتظر أن أسمع عن جبهتين شعبيتين واحدة للضفة وأخرى لغزة واحدة تحفظ الكرامة وتصون شرف الكلمة وتصوب وضعاً شاذاً، وإلا فما حاجتنا إلى يسار مادام انتهازياً ونفعياً ولا ديمقراطياً كالآخرين...!؟؟؟