خبر د.أسعد أبو شرخ يكتب..خطوات تصالحية .. نحو المصالحة

الساعة 04:11 م|08 فبراير 2010

بقلم: د. أسعد أبو شرخ

كاتب وأكاديمي فلسطيني

أثارت زيارة الدكتور نبيل شعت عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إلى قطاع غزة والاستقبال الحار الذي قوبل به على المستوى الشعبي والرسمي حالة من الارتياح لدى الجميع، وأوضحت بجلاء ووضوح لأصحاب القرار توق وشوق الناس إلى عودة الروح للوحدة الوطنية الفلسطينية ولم الشمل لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وفي الوقت الذي يشعر الشارع الفلسطيني به بالارتياح ويطالب بمزيد من الخطوات في هذا الاتجاه، تبين أن الأعداء يحاولون قصارى جهدهم لمنع التقاء فتح وحماس ولإبقاء الجدران والحواجز بين الطرفين. إننا في الوقت الذي نقدر فيه هذه الخطوة الشجاعة والهامة، فإننا ندعو إلى مزيد من الخطوات في نفس الاتجاه ونطالب الجميع بعمل قصارى ما لديهم من جهد لتتويج هذه الخطوة المباركة بالمصالحة الصادقة والحقيقية التي تعيد الوحدة الوطنية إلى أفضل حالاتها، ونهيب بكوادر فتح وحماس وجميع التنظيمات الأخرى والمثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية العمل في نفس الاتجاه لأنه ثبت عملياً أن المستفيد الأول والأخير من هذا الانقسام هو العدو والحريص الأول والأخير على هذا الانقسام هو العدو الذي يرفض بل ويمنع أي وحدة وطنية فلسطينية قائمة على المقاومة وثقافة المقاومة والممانعة والتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية وأخصها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين وتعويضهم.

بيد أنه يتضح كل يوم أكثر فأكثر أن هناك ضغطاً خارجياً متواصلاً حتى لا تتم المصالحة الفلسطينية ولعل تصريح جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والذي أعترف فيه بهذا الضغط الأمريكي لن يكون الأخير، ذلك أن المسؤولين الأمريكيين يعلنون ذلك جهاراً نهاراً، بل ويهددون بإيقاف أي دعم مادي للسلطة واتخاذ خطوات أخرى في حالة تمت المصالحة ففي الأيام القليلة الماضية نقل عن المبعوث الأمريكي جورج ميتشل قوله "أنهم هم الذين أوقفوا المصالحة الفلسطينية، كما أوقفوا صفقة تبادل الأسرى، وقبله كان رئيس لجنة العلاقات الخارجة في الكونجرس الأمريكي قال وبكل وضوح "نحن طلبنا من السلطة ألا تلتقي مع حماس، ونشرت الصحف الإسرائيلية أكثر من مرة أن إسرائيل هددت السلطة أن هي تصالحت مع حماس ومن يتابع الصحف الأمريكية والإسرائيلية والتصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين تبين له أن الأمر ليس متروك للفلسطينيين وأن هناك تدخلاً سافراً خارجياً، خاصة من أمريكيا وإسرائيل، لسبب بسيط قالوه وأعلنوه، وفرضوه! أي أن من يشارك في السلطة عليه أن يلتزم بالشروط التي حددتها أمريكا وإسرائيل، وهي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ الإرهاب والتخلي عن المقاومة والسلاح.

وبعد ذلك عليه أن يجلس على طاولات المفاوضات ويقبل بما تتفضل به إسرائيل دون مرجعية دولية ودون التزام بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية أو حتى التزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات الثنائية مع السلطة !!! بل ودون اعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أسوة بشعون الأرض أو حتى تجميد الاستيطان، ناهيك عن تفكيكه!!

وها قد مر 18 عام على المفاوضات !! والأمر ليس سوى مفاوضات من أجل المفاوضات!! بينما إسرائيل تواصل سرقة الأراضي، والتطهير العرقي، وارتكاب المزيد من المجازر والراعي الأمريكي يرعاها. ويراعيها وفي نفس الوقت يروع الجانب الفلسطيني ويردعه!! إن جار بالشكوى! حتى أن أمريكا كما سربت الصحافة الأمريكية ضغطت على مصر بطريقة أو أخرى، كي لا تتم مصالحة حقيقية وصادقة وكان يمكن للورقة المصرية أن تكون مدخلاً نقول مدخلاً في الاتجاه السليم بيد أن هناك عوامل شتى وأهمها في تقديرنا التدخل الأمريكي السافر، على حو أو آخر فيما يخص الورقة المصرية أفسد هذا التوقيع أو لنقل أخر وأجل هذا التوقيع والورقة في الأساس موجهة إلى طرفي، السلطة في رام الله وخاصة فتح والحكومة في غزة وخاصة حماس، فإذا كان هناك بعض الاعتراضات لحماس على الورقة وذلك قبل التوقيع، فما الذي يضير القائمين على الورقة من تفهم هذه الاعتراضات وأخذها بعين الاعتبار حتى يتم التوقيع بنوايا صادقة وحسنة تفتح الطريق إلى مصالحة حقيقية. قد يقول قائل أن فتح وقعت رغم وجود بعض التحفظات لديها على الورقة، نقول ومن يضمن أن مثل هذه التحفظات لن تؤدي إلى إفشال الورقة عند نقاشها تماماً كاعتراضات حماس؟! لذلك ولنتجنب أي اعتراضات أو تحفظات من أي من الطرفين يجب ألا تشمل الورقة من البنود على مستوى الصياغة أو اللغة أو المواد ما يفشل مصالحة طال انتظارها وقد يقول قائل لماذا لا توقع حماس، ثم تضع اعتراضاتها على طاولة المفاوضات، يرد آخر بالقول، ما الذي يدرينا أن مثل هذه الاعتراضات لا تنسف الاتفاق، ولهذا بدلاً من أن نوقع على اتفاق نعتقد أن به بعض الألغام دعنا نزيل هذه الألغام من الطريق قبل السير بها.

وقد يقول قائل آخر، في القضاء العشائري، إذا ما اعترض أحد الطرفين المتخاصمين على القاضي العشائري لسبب أو لآخر أو على صيغة أو صياغة التحكيم، يتم إعادة النظر في الأمر، إلى حين يكون هناك اتفاق بين الطرفين المتخاصمين على القائمين على التحكيم وصيغة وأسلوب التحكيم بل والشهود أيضاً ثم يتوجهان سوية بنفس رضية إلى القاضي العشائري!

يبدو أن ضعف النظام الرسمي العربي وعدم قدرته على عدم التساوق مع السياسة الأمريكية التي تكاد أن تكون صورة كربونية من السياسة الإسرائيلية، ترك الظهر الفلسطيني مكشوفاً تماماً ومثل هذا الضعف يسبب إحراجاً كبيراً للجميع، وحتى يتسبب الطرف الفلسطيني بأي إحراج لمصر ودورها في مجال المصالحة، والتي نأمل أن يكون لمصر دورها بها انطلاقاً من نقلها العروبي القومي ومن الأمن القومي العربي الذي تقع فلسطين في قلبه ودائرة فعله، وتمهيداً للدور العربي المصري المرتقب فعلى الأطراف الفلسطينية أن تتخذ من الخطوات التمهيدية التصالحية ما يثبت صدق النوايا التي تمهد الطريق أمام الوسيط العربي للوصول إلى مصالحة حقيقية حفاظاً على ثوابتنا وحقوقنا في فلسطين، ولإثبات النوايا الصادقة أرى القيام بالخطوات التالية بتوجه فلسطيني خالص:

1 - إيقاف الحملات الإعلامية والتصريحات الاستفزازية بجميع صورها وأشكالها ووسائلها واستخدام لغة راقية في التعامل ونقل الأخبار التي تصب في إطار الوحدة الوطنية والتمسك بها، مع السماح، بل الطلب من كوادر مختلف التنظيمات وخاصة فتح وحماس على الظهور في تليفزيون فلسطين وتلفزيون الأقصى، واستضافة كوادر فتح في تلفزيون الأقصى وكوادر حماس في تلفزيون فلسطين. وتنظيم برامج حوارية مع الطرفين بمشاركة التنظيمات الأخرى بل التعاون في إجراء برامج مشتركة وبث مشترك في بعض البرامج السياسية والوطنية والمناسبات الوطنية والأعياد، وذكرى الانطلاقات فتح وحماس والجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد ...الخ، تأكيداً وترسيخاً لمبدأ الوحدة الوطنية التي ننشدها. والذي يلتف حولها الشعب بأكمله في الداخل والخارج.

2 - تحريم الاعتقال السياسي وعدم ممارسته تحت أي اسم من المسميات والأعذار وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في غزة والضفة الغربية وعدم التحجج بأنه لا يوجد معتقلون سياسيون وأن من يوجد في السجون هم "معتقلون أمنيون". إننا نؤكد أن هناك معتقلين سياسيين في السجون وهذا ما أكدته منظمات حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة وسبق لهذه المنظمات بل والشخصيات الفلسطينية أن طالبت بإطلاق سراحهم وقد وافقت سلطة رام الله في مرحلة من المراحل على إطلاق عدة مئات منهم مقابل أن تطلق حكومة غزة ما لديها من معتقلين سياسيين ولكن تم التراجع عن ذلك لأسباب مجهولة. إن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعدم مضايقة المواطنين أو النشطاء السياسيين وهم في أغلبهم من حماس وفتح من شأنه أن يساهم في تطييب الخواطر وتهدئة النفوس، والاتجاه بهمة نحو المصالحة.

3 - إعادة فتح جميع المؤسسات الأهلية والخيرية والإعلامية التي تم إغلاقها أو الاستيلاء عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة والسماح لهذه المؤسسات بالعمل والنشاط وممارسة دورها في خدمة المجتمع إنسانياً وإعلامياً وخيرياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً للإسهام في التقريب بين وجهات النظر والسير بخطى حثيثة إلى المصالحة، دون تدخل الأجهزة الأمنية في عمل هذه المؤسسات والتعامل معها حسب القانون والقانون الأساسي الفلسطيني.

4 - السماح لفتح غزة وحماس الضفة بحرية الحركة والنشاط والفعاليات والانطلاقات والتفاعل مع الناس والجماهير وذلك بالسماح لهم بالقيام بالمظاهرات والمؤتمرات والندوات والفعاليات السياسية والإعلامية والثقافية والتربوية والتعبوية والإعلامية المختلفة على مستوى المؤسسات والاتحادات والهيئات والجامعات والنقابات الطلابية والعمالية والنسوية والجامعية وإطلاق العمل لجميع النقابات على أن تقوم بدورها المجتمعي والوطني بما في ذلك إجراء الانتخابات الحرة النزيهة دون تدخل من أحد وأن يحتكم الجميع في كل ما يجري إلى سيادة القانون والقانون فحسب.

5 - السماح بعودة كوادر فتح إلى غزة وممارسة نشاطاتهم بل والحث على اللقاءات الفتحاوية الحمساوية على جميع المستويات سواء على المستوى الثنائي، أو في الندوات أو الاجتماعات أو المناظرات أو المظاهرات أو ورش العمل وكل النشاطات التي تخلق حالة من التماس والتجاوب وتنقية النفوس من الشوائب. والقيام بنفس الشيء في الضفة الغربية فيما يخص كوادر حماس أيضاً.

6 - إجراء حوار وطني شامل داخلي تشارك به التنظيمات الفلسطينية الفاعلة الوطنية منها والإسلامية والقومية من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، والقيادة العامة وحزب الشعب إلى المبادرة الوطنية والصاعقة وغيرها. على أن يكون هناك نشاطات سياسية وثقافية وندوات ومؤتمرات يشارك بها كل التنظيمات مع فتح وحماس حتى تتقارب النفوس والآراء ليصبح بعدها الاتفاق على الأمور السياسية والأمنية والانتخابية أكثر يسراً وسهولة في القاهرة.

أعتقد أن هذه الخطوات التمهيدية ضرورة ملحة للوصول إلى المصالحة، وهي قطعاً ستمهد لها وستكون النفوس أقل تشنجاً وأكثر استعداداً للوصول إلى المصالحة، بل مثل هذه الخطوات ستجعل كل طرف حريص على التنازل للطرف الآخر حفاظاً على الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الرذيل، وآمل من فتح وحماس أن يأخذا بيد التنظيمات الأصغر ولا يعاملان هذه التنظيمات انطلاقاً من منطلق الأبوية بل بروح الأخوة والشراكة الكاملة ولتتذكر أن لجميع التنظيمات، صغرت أم كبرت تاريخاً في النضال والمقاومة وبهذا يمكننا أن نكون رؤية واحدة نحافظ على حقوقنا وثوابتنا.

إنني لعلى يقين أننا إذا ما بدأنا بهذه الخطوات التي تفكك المشكلة، سنخطو خطوات كبيرة، بل سنعدو إلى القاهرة لإنجاز المصالحة المنشودة التي يشارك بها الكل الفلسطيني هذه المصالحة التي نسترد بها الوعي المفقود والتي تحقق لنا الوحدة الوطنية بتماسك أكثر وقوة أعظم، يغبطنا عليها الأصدقاء، ويحسدنا عليها الأعداء وعندها، وعندها فقط سنضع الجميع عرباً وآخرين على المحك.