خبر بإلغاء « أماصيا ».. أردوغان يحجم صلاحيات الجيش

الساعة 04:16 م|05 فبراير 2010

فلسطين اليوم-إسلام أون لاين

"انتهى".. كلمة لمعت في عناوين عدد من الصحف التركية التي أوردت الجمعة 5-2-2010 خبر قيام حكومة حزب العدالة والتنمية بإلغاء بروتوكول "أماصيا" الذي يعطي الجيش سلطة التدخل المباشر في الشئون الداخلية، ودون إذن من الحكومة، في أوقات الخطر مثل التهديدات الإرهابية والقلاقل الاجتماعية الواسعة.

 

وأعلن وزير الداخلية بشير أتالاي الخميس أنه تم اتخاذ قرار الإلغاء بعد محادثات مع رئيس الأركان الجنرال إلكر باشبوغ.

 

وصدر أمر الإلغاء بأسرع مما توقع الأتراك؛ حيث أعلن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يوم الأحد أن البروتوكول سيكون ملغى قبل حلول الذكرى الـ13 للانقلاب العسكري عام 1997 الموافق ليوم 28 فبراير الجاري؛ فإذا به يجري إلغاءه قبل 23 يوما من هذا التاريخ.

 

كما جاء الإلغاء وسط تجدد الجدل حول شرعية البروتوكول الموقع في عام 1997 بعد وقوع الانقلاب؛ حيث تحدثت وسائل إعلام تركية عن أن الجيش استند لهذا البروتوكول في إعداد مخططاته للانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، وأبرزها مخطط كشفت عنه صحيفة "طرف" الليبرالية نهاية الشهر الماضي باسم "المطرقة" ورد فيه أن يقوم الجيش بتدبير أحداث عنف عبر تفجير عدد من الأماكن، من بينها مساجد، لاختلاق ذريعة أمام الرأي العام لتدخله الفوري بحجة حفظ الأمن، والانقلاب على الحكومة بحجة فشلها في أداء مهامها.

 

ويقول منتقدو هذا البروتوكول إن الجيش استغل كون الحكومة آنذاك (حكومة حزب الرفاه الإسلامية بزعامة نجم الدين أربكان) في أشد فترات ضعفها بعد محاصرة الجيش لها في الانقلاب؛ وأرغمها على توقيع البروتوكول، فيما يقول مؤيدوه إن التوقيع كان ضرورة، على كل حال، لضمان حماية الأمن بتدخل الجيش في الحالات الطارئة حين لا تستطيع الشرطة القيام بمهامها بالسرعة المطلوبة.

 

ويتألف البروتوكول الملغى من 27 مادة تسمح للجيش بالتدخل في حال وقوع أعمال شغب أو اضطرابات أمنية كبيرة في الولايات التركية شريطة الحصول على إذن مسبق من المسئول عن الولاية، لكن أحد بنود البروتوكول يسمح للجيش بالتدخل الفوري دون الحصول على إذن الوالي, وذلك بمجرد إحساسه بأن الأمر الطارئ يتعلق بعملية أو حادث إرهابي خطير، وهو ما كان يخضع لتقييم الجيش.

 

"غير معقول"

 

وقوبل القرار بترحيب واسع من المحللين والمراقبين، من بينهم ماهر كاياناك، المتخصص في شئون الاستخبارات والإرهاب بصحيفة "زمان"، قائلا إنه كان بروتوكولا غير ضروري، وإلغاؤه لا يعني أي ضرر لبلدنا.

 

وقال عنه رشاد باتاك، رئيس الادعاء العام السابق: "كانت خطوة ضرورية لتمكين حكم القانون"، مشيرا إلى أن هذا البروتوكول اتخذه الجيش ذريعة للتحضير لانقلابات عسكرية أخرى.

 

لكن رئيس الادعاء العام السابق حذر من أن إلغاء البروتوكول لا يعني القضاء تماما على سلطات الجيش في التدخل في الحياة المدنية بتركيا، "فما زال أمام حكومة العدالة خطوات عديدة لإنهاء هذه الهيمنة تماما".

 

ويقول القاضي العسكري المتقاعد والكاتب حاليا أوميت كارداش إن المشكلة الأساسية في أن البروتوكول كان يضمن للجيش سلطة التدخل من جانبه "وهو أمر غير قانوني وغير معقول".

 

وجاء الإعلان عن إلغاء أماصيا بعد أيام قليلة من تعهد أردوغان في حديث تلفزيوني بفعل ما بوسعه لإلغاء البروتوكولات والاتفاقيات التي تمكن الجيش من أداء دور ليس دوره في الحياة العامة. 

 

وقال عن بروتوكول أماصيا بشكل خاص: "لا يمكن أن يظل مثل هذا البروتوكول موجودا في تركيا.. إنه ليس قانونا.. نحن نقوم بكل الخطوات القانونية لإلغائه".

 

كما قال الرئيس عبد الله جول هذا الأسبوع: إن "تركيا لم تعد بحاجة لمثل هذا البروتوكول وذرائعه".

 

وسعى الجيش لإبداء توافقه مع الحكومة أمام الرأي العام؛ حيث قال رئيس الأركان الجنرال إلكر باشبوغ لصحيفة "حريت" عقب تعهد أردوغان بإلغاء أماصيا: "الحكومة يمكنها أن تلغي هذا البروتوكول إذا رأت أنه لم يعد هناك حاجة له".

 

الكتاب الأحمر

 

وإلغاء بروتوكول أماصيا يراه مراقبون خطوة مهمة تمهد الطريق لقيام الحكومة بتعديلات أخرى تمكنها من إنهاء وصاية الجيش على الشعب، وهي الوصاية التي منحها الجيش لنفسه منذ إعلان الجمهورية التركية بنظامها العلماني عام 1923 على يد مجموعة ضباط يرأسهم مصطفى كمال أتاتورك، وقوَّى الجيش هذه الوصاية بصلاحيات إضافية غير مسبوقة بعد انقلاب عام 1997، من بينها بروتكول أماصيا، وصلاحيات أخرى تضمنها دستور عام 1981 الذي وضعه العسكر بعد انقلاب عام 1980.

 

ومن بين الصلاحيات التي أعلن أردوغان اعتزام حكومته الإطاحة بها ما ورد في المادة رقم 35 من قانون الخدمة الداخلية، والتي تنص على أن من واجبات القوات المسلحة حماية الأمة التركية والدستور، حيث تريد الحكومة أن تحذف منها كلمة الدستور التي يتذرع بها الجيش في نزاعه مع الحكومة الحالية؛ حيث يتهمها بخرق الدستور عند إعلانها عن أي تعديلات يقول إنها مناهضة للدستور العلماني، مثل السماح للمحجبات بدخول الجامعات.

 

كما تنوي الحكومة إنهاء احتكار الجيش لصفقات الأسلحة التي يبرمها حاليا دون الرجوع للحكومة، وبعيدا عن أي رقابة أو مساءلة.

 

وتختص مشاريع التعديلات السابقة ببروتوكولات أو مواد دستورية وقانونية معلنة، ولكن خطة الحكومة لإنهاء سيطرة الجيش على الحياة العامة تتطرق أيضا إلى وثائق سرية للجيش، أعدها بعيدا عن أعين الحكومة والشعب، ومنها ما تسمى بوثيقة الأمن القومي، أو ما يعرف بـ"الكتاب الأحمر" و"الدستور السري".

 

واتجهت الأنظار إلى هذه الوثيقة منذ أن أشار إليها أردوغان الأسبوع الماضي عند حديثه عن خطة "المطرقة" للانقلاب العسكري على الحكومة.

 

وتقول صحف تركية إن الجيش اعتمد على هذه الوثيقة أيضا في الإعداد لخطة "المطرقة"؛ حيث إن هذه الوثيقة تحدد للجيش ما هي المخاطر التي تواجه تركيا، ومن هم أعداؤها وأصدقاؤها سواء في الداخل والخارج، وعلى أساس هذا يرسم سياسته وتحركاته إزاء التطورات في المجتمع.

 

وبحسب الوثيقة التي نشرت وسائل الإعلام التركية مقتطفات منها فإن ما أسمته الوثيقة بـ"الرجعية الدينية" تأتي على رأس "التهديدات" التي تواجه تركيا، وما يتعلق بها من أفراد ومنظمات تسعى لنشر الإسلام السياسي والأصولية في المجتمع.

 

ويلي هذه "الرجعية الدينية" خطر الحركات الانفصالية، ثم الحركات اليسارية، أما أصدقاء تركيا بحسب الوثيقة فعلى رأسهم أصحاب الفكر الكمالي، نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة ونظامها العلماني، سواء كانوا منظمات وأحزابا أو شخصيات.

 

ونجح الجيش بموجب هذه الوثيقة في إحداث 3 انقلابات عسكرية أعوام 1960 و1980 و1997، وما زالت تتواتر الأنباء عن اكتشاف خطط -لم تتأكد بعد- للانقلاب على حكومة رجب طيب أردوغان.

 

وسبق أن فشل المعسكر العلماني الموالي للجيش في إسقاط حكومة أردوغان عبر بوابة القضاء؛ حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا عام 2008 دعوى لإغلاقه بتهمة تهديد النظام العلماني.