خبر آما آن لنا أن نتعلّم؟!../ رشاد أبوشاور

الساعة 04:00 م|04 فبراير 2010

آما آن لنا أن نتعلّم؟! رشاد أبوشاور

 

03/02/2010  09:08 

 

نعم، هذا هو السؤال الذي خطر ببالي فور سماعي نبأ اغتيال محمود المبحوح في إمارة دبي، والذي لم أكن ككثيرين قد سمعت باسمه من قبل، وهو ما يدلل على أن الرجل كان ينأى بنفسه عن الأضواء والشهرة والفضائيّات، وهو ما يزيد الحسرة على فقدانه، ويفاقم الألم على خسارته التعرّف على جوانب من الدور البطولي الذي قام به، وما ألحقه بالعدو من خسائر موجعة.

 

إذا كنّا نتعلّم من التجارب التي نمّر بها، ونترجمها سلوكا وفعلاً، ونتوارثها، ونعلمها لمن هم معنا، ومن يأتون بعدنا، فلا بدّ أن يكون أول الدروس التي نضعها في عمق عقولنا، أننا في مواجهة كيان عنصري أوّل همومه أمنه، انطلاقا من أنه سيبقى دائما في خطر ما دام هناك فلسطينيّون متميزون يُنظمون صفوف شعبهم، ويقودون مقاومته، ويبرزون هويته التي تبرهن على حيويته وحضوره، ويعبرون عن تمسكهم بأن فلسطين هي وطنهم، وأن شعب فلسطين لن يندثر، ولن تنضب روح المقاومة التي يتوارثها جيلاً بعد جيل.

 

قبل سنوات بعيدة، ربّما قرابة ثلاثة عقود قرأت مقالة مترجمة عن الألمانيّة، نقلها للعربيّة الصديق ميشيل كيلو، وهي في الأصل منقولة للألمانيّة عن اللغة البولونيّة، وما زلت أتذكّر جوهر تلك المقالة التي ركزّت على أن البشر عرفوا الجاسوسيّة من (التوراة) .

 

يتوقّف الكاتب البولوني عند المهمّة التي كلّف بها يوشع بن نون اثنين من رجاله ليتوجها إلى أرض كنعان، ثمّ ليدخلا أريحا، وينقلا له ما يريان عن المدينة وأسوارها وناسها.

 

المقالة تركّز على توظيف يوشع بن نون و(عيونه) على الجنس، فهم - كما في التوراة- اشتريا ضمير( راحاب) العاهرة بوعد إنقاذها وأسرتها، عند اقتحام يوشع ورجاله للمدينة!

 

لسنا بصدد مناقشة زيف ما جاء في التوراة، ونقض ادعاءات كتّابها بأن(اليهود) تواجدوا يوما في أرض كنعان (فلسطين)- وهو ما ينفيه الدكتور كمال الصليبي في كتابه: التوراة جاءت من جزيرة العرب، والدكتور فاضل الربيعي في كتابه الضخم : فلسطين المتخيلة، والدكتور الشاعر عز الدين المناصرة في أحدث كتبه النثرية: فلسطين الكنعانيّة- ولكننا بالضرورة معنيون بفهم عقلية من يؤمنون بالتوراة، والذين أنشأوا كيانهم وفقا لوعده وخرافاته.

 

الخطأ الفادح والمُكلف أن يدفع الفلسطينيون ثمن دروس سبق ودفعوا ثمنها من قبل، وأن لا تقرأ التنظيمات الفلسطينيّة ما سلف من التجارب لتستخلص العبر، وتتجنّب الوقوع في أخطاء سبق الوقوع بها.

 

قيادة حماس، وأجهزتها الأمنيّة -لا أدري إن كان لديها أجهزة أمنيّة مختصة بمتابعة العدو- عليها أن تقرأ جيدا مسيرة الثورة الفلسطينيّة المعاصرة، بكل جوانبها وتجاربها العسكريّة والسياسيّة والأمنيّة.

 

أمنيا، على حماس أن تتوقّف مطولاً عند الحرب الخفيّة في مطلع السبعينات، والتي دارت في بلدان أوربيّة، وتداخلت فيها أدوار وأصابع ومصالح أطراف كثيرة، وبخاصة الأجهزة الأمنيّة لبعض الدول الأوربيّة، و.. التي لم يكن دور (المافيا) خافيا فيها.

 

أذكّر بفيلم (ميونخ) الذي أغضب الصهاينة رغم أن مخرجه يهودي أمريكي، وسبب غضبهم برأيي لا يعود إلى تقديم الفيلم للفلسطينيين بمسحة إنسانيّة، ولكن لأن الفيلم يلقي الضوء على علاقة الموساد بالمافيا التي تنوب أحيانا عنه بتصفية القيادات الفلسطينية.

 

إذا كان الموساد قد استعان بالمافيا، وبعض أجهزة الأمن (الغربيّة)، لالتقاء المصالح، ولتصهين بعض العاملين في صفوفها، ولسهولة شراء بعض قادة تلك الأجهزة، فقد وجد في العالم من ينحاز للفلسطينيين انطلاقا من عدالة القضيّة الفلسطينيّة.

 

وجد عرب مثقفون لامعون آمنوا بأن مواجهة الإرهاب الصهيوني واجب قومي، وهؤلاء تقدمهم فؤاد الشمالي زوج أليسار ابنة مؤسس الحزب القومي السوري أنطون سعادة، والشاعر كمال خير بيك، وعدد من القوميين السوريين البارزين المتميزين بثقافة رفيعة.

 

فؤاد شمالي مات بمرض سرطان الّدم مطلع السبعينات، أمّا الشاعر كمال خير بيك فقد اغتيل في بيروت أثناء فوضى الحرب الأهليّة.

 

هؤلاء لبنانيون، وبعضهم مسيحيون موارنة، لكن الحزب القومي السوري الذي آمن دائما بأن فلسطين هي سورية الجنوبية، دفع بخيرة كادراته للانخراط في الثورة الفلسطينية.

 

في تلك الفترة لمع اسم الجزائري محمد بوضيا وهو مسرحي وسينمائي، واحد كوادر ثورة الجزائرية اللامعين، وبشجاعة وذكاء استطاع استدراج وتصفية بعض أبرز رجال الموساد في أوروبة.

 

إذا كان الموساد قد اعتمد على المافيا، ومن اشتراهم من العاملين في الأجهزة الأمنيّة الأوربيّة، فإن الفلسطينيين تواصلوا مع الجيش الأحمر الياباني، وبادر ماينهوف، والألوية الحمراء في إيطاليا، ناهيك عن أشخاص قدموا خدماتهم وجهودهم أمثال كارلوس الذي كان يعمل مع الشهيد الدكتور وديع حدّاد.

 

ليس صحيحا أن الموساد حدّد عمليات التصفية بالكوادر العسكريّة الفلسطينيّة، فالوقائع تكذّب هذا الزعم، فالموساد وجهاز الشين بيت (الأمن الداخلي) نفذا عمليات اغتيال عدد من رؤساء البلديات في الضفّة الغربيّة، بتفخيخ سيّاراتهم، وقد أدّت هذه الجريمة إلى بتر ساقي بسّام الشكعة، وبتر قدم عمدة رام الله كريم خلف.

 

رؤساء البلديات أولئك لم يكونوا عسكريين، ولكنهم مدنيون، منتخبون، وهم وطنيّون أفشلوا مخططات الاحتلال...

اغتيل غسّان كنفاني، والشاعر كمال ناصر، ووائل زعيتر، والهمشري.. وهؤلاء مثقفون، وليسوا عسكريين...

 

منذ بدأ النشاط الصهيوني في العشرينات من القرن العشرين، تمّ تشكيل الأجهزة الأمنيّة المتخصصة بمطاردة الناشطين الفلسطينيين، واغتيالهم. بعد سنوات تمّ الكشف عن دور(المستعربين) الذين كانوا ينشطون وقد ارتدوا الملابس العربيّة، ويتكلمون اللهجة الفلسطينيّة، واستغلّوا بساطة وغفلة وترحيب الفلسطينيين في الريف بالضيف دون سؤاله عن أصله وفصله، وهكذا تمكنوا من التغلغل، وجمع المعلومات، والقيام بعمليات القتل والتخريب.

بعد خروج الثورة الفلسطينيّة من لبنان، لم تتوقف مطاردة القيادات الفلسطينيّة، وحتى داخل أقطار عربيّة بعيدة عن فلسطين: اغتيال أبوجهاد في تونس...

 

رغم ارتباط الأردن مع الكيان الصهيوني بمعاهدة وادي عربة فقد جرت محاولة اغتيال السيّد خالد مشعل في قلب العاصمة عمّان...

النشاط التجسسي للموساد لم يتوقف في مصر رغم اتفاقية (كامب ديفد)، والقبض على عدد من العملاء، واكتشاف الاختراقات يدلل على أن الكيان الصهيوني لا يثق بأن أمنه يتحقق بمعاهدات السلام.

 

الكيان الصهيوني سخّر عملاءه في أمريكا لنقل معلومات صنفت بأنها دقيقة وخطيرة إستراتيجيا!.. فإذا كان هذا سلوكه مع راعيته أمريكا، ومع من وقعوا معه معاهدات سلام، فما المتوقع منه مع دبي وغيرها؟!

 

بالتأكيد أن الشهيد المبحوح لم يكن يزور دبي للسياحة، ولذا كان الواجب أن يُحرس جيدا فالحذر يؤتى من مأمنه، ولا مأمن للفلسطيني إلاّ ما يؤمّنه بقدراته.

رجل بهذه الأهميّة ينزل وحيدا في الفندق!.. ماذا نسمي هذا السلوك؟!

علينا أن نتعلّم، وأن نقلل من التهديدات، وأن نوجع عدونا في ميدان المعركة الذي لا محيد عنه: فلسطين.

 

عندما أتساءل فلأنني أريد لكّل فلسطيني أن لا ينسى الدروس التي دفعنا ثمنها دما، في العواصم الأوربيّة، وفي العواصم العربيّة، فهذا العدو ليس لديه محرمات، أو خطوط حمراء...

 

معركتنا مع الموساد لن تحسم إلاّ على أرض فلسطين، فالفرق بيننا وبينه أننا مقاومة شعب، وأصدقاؤنا كل الشعوب المقاومة، والأحرار في هذا العالم، أمّا هو فمشروع عصابات عقلاً وسلوكا، ولذا فالمافيا حليفته، وغالبا ذراعه الضارب، رغم تبجحه...