خبر « قوّة » موسى و« راحة » مصر../ حسام كنفاني

الساعة 03:59 م|04 فبراير 2010

"قوّة" موسى و"راحة" مصر حسام كنفاني

04/02/2010  11:21 

لا تخلو جعبة الجامعة العربية من مفاجآت. مع اقتراب كل قمّة عربيّة، تظهر إلى العلن مجموعة من المشاريع لتقديمها إلى طاولة الزعماء. لا أحد مضطر إلى القبول بهذه الاقتراحات، التي تكون في كثير من الأحيان مجرّد اقتباسات دولية لإسقاطها على واقع عربي تعس. اقتراحات غير قابلة للتطبيق. مسؤولو الجامعة، وفي مقدمتهم أمينها العام عمرو موسى، يعلمون ذلك. لكن لا بد من هذه المشاريع لـ«تحليل» رواتب الموظفين، والتأكيد على أن هذه المؤسسة ليست واجهة للبطالة المقنعة.

 

في الآونة الأخيرة خرج علينا موسى بمشروع «عبقري»: «إنشاء قوات حفظ سلام عربية للاستعانة بها عند الضرورة». فكرة برّاقة مستنسخة من تجارب المنظمات الدوليّة الكبرى. عمرو موسى لا يزال مؤمناً بالعمل العربي المشترك. جلس مع نفسه قليلاً ورأى أنه لا ينقصنا شيء للتمثّل بالأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي أو غيرهما من المنظمات التي تملك أذرعة مسلّحة. وما دامت الأذرع الحربيّة العربية، عبر اتفاقات الدفاع المشترك، سقطت على أعتاب الخلافات والانقسام، فقد يكون السلم جامعاً.

 

هكذا فكّر موسى، ووفق هذا الأساس يقدّم مشروعه على طاولة اجتماع وزراء الخارجية العرب في ليبيا، تحضيراً لقمّة الزعماء. مشروع مستمدّ من «مجلس السلم والأمن العربي»، الذي أقرّ في عام 2007، إلا أنه نام في الأدراج، على غرار كل مشاريع الجامعة، ولم تصدّق عليه حتى الآن إلا 12 دولة من أصل 22.

 

ومن يقرأ عن مشروع قوّات حفظ السلام، يخيّل له أن العمل العربي المشترك يسير على سكّته الصحيحة، ولم يعد ينقصه إلا هذه القوات لإكمال المشهد «الوحدوي».

ولنضع فكرة الوحدة الطوباويّة جانباً، أو حتى فتح الحدود العربية وإلغاء التأشيرات بين أعضاء الجامعة، لماذا لا يبدأ موسى بتفعيل «السوق العربية المشتركة»؟ من المؤكّد أن هذه السوق، الخاضعة للنقاش والبحث منذ عام 1998، أولى لأن تأخذ حقّها من الجدية في البحث، لو كانت الجامعة مقتنعة بأنه لا يزال هناك رجاء من التعاون العربي.

وماذا عن عمليات إصلاح الجامعة العربية المعطّلة بفعل تعدّد الرؤى والمهمات؟ هذا المشروع المطروح منذ أكثر من خمسة أعوام، من دون نتيجة، كفيل بتكريس اليأس من إمكان اتفاق العرب على مشروع موحّد.

 

أليس ميثاق الدفاع العربي المشترك الذي أقرّ في قمّة دمشق من عام 2008 أولى بالتفعيل، ولا سيما أن هذا الميثاق سقط في اختبار العدوان على غزّة، ليؤكّد أنه ليس أكثر من حبر على ورق، على غرار معظم القرارات التي اتخذتها كل القمم العربية.

 

لا شك بأن هناك الكثير من المشاريع والقرارات العربية المجمدة، التي تتقدّم فكرة إحيائها على ما دونها من أفكار، ولا سيما إذا كانت على غرار «قوة حفظ السلام العربية» ذات الأهداف الملتبسة.

 

فالجامعة العربية وضعت ملامح المهمّة الأولى للقوّة المبتغاة. مهمة أرفقت مع الإعلان عن الاقتراح، وهي «التمركز حول قطاع غزة في إطار خطّة عربيّة تهدف إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح».

قد تكون هذه الخطّة هي السبب الحقيقي لطرح مثل هذه الفكرة، وتحديداً جزئيّة نشر القوات «حول قطاع غزّة». جزئية تهدف إلى إزالة عبء محاصرة القطاع عن الكاهل المصري، وإلقائه على أكتاف العرب أجمعين، سواء أولئك المؤيدون لـ«حماس» أو المعارضون لها.

 

وحتى لو كانت الخطة لتحقيق المصلحة، فإن ذلك لا يمنع أن هناك مهمة مراقبة «تهريب السلاح»، التي قد تكون شرطاً أميركيّاً ــــ إسرائيليّاً مسبقاً لرفع الحصار عن القطاع. مهمة هي مسؤولية مصريّة مباشرة قامت بها إلى الآن بكل «أمانة»، لكنها قد لا تكون قادرة على الاستمرار فيها منفردة إلى ما لا نهاية. لا بد لها من غطاء عربي. وهنا تكمن مهمّة عمرو موسى، الذي لم تخرجه الأمانة العامة للجامعة العربية من العباءة السياسيّة المصرية، حتى لو أراد أحياناً التمايز عن مواقف النظام.

 

على هذا الأساس يمكن فهم المقترح الجديد. القضية ليست فصل نزاعات ولا مشاركة في حروب، ولا سيما أن للجامعة تجارب فاشلة مع حفظ السلام عبر «قوات الردع» في لبنان، كما أن الانقسام العربي نفسه ساهم في تأجيج نزاعات وحروب، فكيف له المشاركة في إخمادها.

 

الفكرة لا تزال قيد التباحث، ومصيرها معروف سلفاً، ولا سيما أن معارضيها بدأوا يعبّرون عن هواجسهم. لذا ربما يكون على موسى بدء التفكير بمقترحات خلّاقة جديدة لإراحة مصر، والتأخير قدر المستطاع لمراسم دفن الجامعة.

"الأخبار"