خبر الصحافيون الفلسطينيون أمام مفترق طرق ..بقلم: خليل شاهين

الساعة 08:53 م|03 فبراير 2010

الصحافيون الفلسطينيون أمام مفترق طرق ..بقلم: خليل شاهين

      

كمن يبيع سيارة قديمة، يبدو حال المسعى الراهن لإجراء انتخابات نقابة الصحافيين الفلسطينيين. يتجدد اسم المالك، فيما تدنو السيارة أكثر من نهاية أجلها. عندها، تخضع للإجراء المعروف: تنزيل عن الشارع؛ أي الشطب.

 

ثمة من يصر على سلوك المسار ذاته: شطب نقابة الصحافيين، بتشييع دورها النقابي المهني إلى مثواه الأخير، بعد تغييبه لسنوات طويلة.

 

لم تكن مشكلة غياب دور النقابة تكمن في نقيبها وأعضاء مجلس إدارتها فقط. هؤلاء كانوا، مع النقابة، مجرد "لقطة" في مشهد إعلامي فلسطيني مشوه، تطور على إيقاع مسار أكثر تشوها لسلطة حكم ذاتي يبدو مآلها النهائي كسيارة صديقنا القديمة.

 

افتقد المشهد الإعلامي في مجتمع تحت الاحتلال، وفي ظل سلطة غير حرة، لتطور بنية مؤسساتية إعلامية مهنية وحرة، تحتل فيها إدارات التحرير موقعا مركزيا في صياغة وتنفيذ سياسات إعلام وتحرير وخطط للعمل والتغطية الإعلامية، الأمر الذي يضعف مهنيتها الصحافية، كما يعلي من وزن تأثير الإعلانات مدفوعة الأجر على سياسة التحرير، وعلى عدد الصفحات في الصحف المحلية، الذي يتغير زيادة أو نقصانا في الغالب حسب حجم الزيادة في مساحة الإعلانات وليس في مساحة المواد الإخبارية والتقارير المنشورة.

 

وإلى جانب ذلك، يعاني الصحافيون والإعلاميون عموما من العاملين في وسائل الإعلام المحلية من رقابة مؤسساتهم، ومن رقابتهم على ذاتهم، في ظل إشاعة "ثقافة الخوف" مع تفاقم الصراع الداخلي، كما يعانون من تدني أجورهم، وافتقارهم لتدريب توجهه مؤسساتهم الإعلامية لتطوير قدراتهم المهنية، إضافة إلى عدم الشعور بالأمن الوظيفي في ظل عمل عدد كبير منهم بدون عقود عمل ذات بنود واضحة تحمي حقوقهم.

 

وقد أدى كل ذلك، في ظل النمو العددي المطرد لوسائل الإعلام المحلية، وعدم وجود قانون يتلاءم مع هذا الاتساع في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وتوظيف العديد من وسائل الإعلام في الصراع السياسي الداخلي، إلى انكشاف الوسائل الإعلامية والعاملين فيها على شتى الضغوط، مع تراجع الحريات العامة. 

 

 في وضع كهذا، فإن نقابة الصحافيين ذاتها في بنيتها وهيكلها ونظامها الداخلي لم تعد تعكس هذا المستوى من الاتساع في المشهد الإعلامي، وظلت تراوح في موقع خلف مجمل التطورات في العمل الإعلامي الفلسطيني. وهو نمو لم تكن نقابة ذات تعريف مشوش أصلا لمن هو الصحافي قادرة على استيعابه، وظلت في بنيتها ممزقة بين تعريف كل من الصحافي والإعلامي، فلا استطاعت أن تمثل هذا أو ذاك.

 

بالرغم من ذلك، شهدت فترة ما قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، أي ما قبل آخر انتخابات شهدتها النقابة قبل عقد من الزمان، تحركا من عشرات الصحافيين والإعلاميين في الضفة الغربية وقطاع غزة سعى للإجابة عن السؤال الرئيسي الذي ما زال مطروحا حتى اليوم: ما هو السبيل لبناء جسم نقابي مهني يمثل مصالح الصحافيين، وكذلك فئات العاملين في قطاع الإعلام ممن لا تنطبق عليهم معايير العضوية في النظام الداخلي للنقابة من جهة، ولا يوجد جسم مهني آخر يمثلهم ويدافع عن حقوقهم من جهة أخرى؟

 

كان هذا السؤال يفتح المجال أمام أسئلة أخرى لا تقل أهمية:

 

• لماذا يغلب السياسي على المهني في تحديد وظيفة النقابة، وعضويتها، و"الكوتا" السياسية في مجلس إدارتها؟ وما هي السبل لكي لا تصبح النقابة أداة في يد السياسي، بل ومجرد موقع آخر من مواقع القوة والنفوذ لصالح هذا الطرف أو ذاك؟

 

• لماذا لا يوجد للنقابة دور مؤثر يجعل قراراتها ملزمة للصحافيين، ولإدارات وسائل الإعلام، وكلمتها مسموعة في أروقة السياسيين، وتحركها يدخل في حسابات جهات ومواقع الضغط والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي والأمني؟

 

• لماذا يشعر الصحافيون أن النقابة لا تمثلهم، أو كيف يمكن تحديد ومعالجة مصدر عدم ثقتهم بنقابتهم؟

 

• كيف يمكن بناء مصادر تمويل للنقابة تعزز استقلالها المهني، وتصديها لشتى الضغوط، وتوفر النفقات اللازمة لتوفير الخدمات المطلوبة لأعضائها؟

 

• هل ينبغي أن يقتصر تمثيل النقابة على الصحافيين الفلسطينيين في الضفة والقطاع؟ وماذا عن الإعلاميين الفلسطينيين في الشتات ممن كانوا يوما تحت مظلة الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين؟ وكيف يمكن التعامل مع الصحافيين من الداخل والعرب والأجانب ممن يعملون مع وسائل إعلام تنشط في الأراضي الفلسطينية، لاسيما عندما تتعرض حقوقهم للانتهاك؟

 

كانت هناك إجابات عدة، لكنها تجمع على أن نقطة البداية ينبغي أن تنطلق من ضرورة أن يكون مؤتمر النقابة والانتخابات محطة لتطوير بنية النقابة ونظامها الداخلي، أي لإحداث تغيير يعزز دورها المهني الحر. ومن الأفكار التي جرى تداولها التوجه إلى الجمعية العمومية في مؤتمر النقابة بمسودات مشاريع لخيارات محددة لبناء نقابة "جديدة" تقطع مع البنية المتخلفة التي كانت – ولا تزال – سائدة، وتتمثل في الخيارات الأربعة التالية:

 

أولا: بناء اتحاد لنقابات المهن الإعلامية، بحيث تتوزع فئات العاملين في وسائل الإعلام على كل نقابة حسب طبيعة المهنة (محررون ومراسلون، مصورو فوتوغراف وتلفزة، تصميم ومونتاج وغرافيك إعلامي في الوسائل المرئية والمقروءة، بما فيها المواقع الإلكترونية، مهن إعلامية مساعدة كالصف والتدقيق والأرشيف والإضاءة وغيرها..)، على أن تتمثل هذه النقابات ضمن "كوتا مهنية" في الأمانة العامة للاتحاد. ومثل هذا الخيار يعني المواءمة بين بنية ووظيفة الجسم النقابي ومستوى التطورات في المشهد الإعلامي، كما يعظم من قوة العمل النقابي، لاسيما من حيث إمكانية عمل كل نقابة منفردة لصالح أعضائها، أو الاستفادة من وقوف الاتحاد بكل نقاباته لدعم مطالب ومصالح أعضاء هذه النقابة أو تلك إن عجزت بمفردها عن تحقيق مطالب أعضائها.

 

ثانيا: بناء نقابة للصحافيين والإعلاميين بعد إعادة النظر في تعريف "من هو الصحافي" ليشمل فئات أوسع من العاملين في الإعلام كمقدمي البرامج والمذيعين مثلا، على أن يتم تكليف مجلس النقابة بعد انتخابه من قبل المؤتمر بالسعي للمساعدة في تأسيس نقابة "شقيقة" تضم العاملين في المهن الإعلامية المساعدة (مونتاج، صف، تدقيق، أرشيف، فنيو إضاءة وصوت...).

 

ثالثا: بناء نقابة للصحافيين والإعلاميين تتشكل من "غرف مهنية"، تضم كل منها إحدى فئات العاملين في وسائل الإعلام، وبحيث يتشكل مجلس النقابة من "كوتا مهنية" تمثل مجمل الفئات الإعلامية. وهي صيغة انتقالية تسمح مستقبلا، في ضوء مستوى تطور ونمو واتساع المهن الإعلامية، إما بتشكيل نقابة مستقلة لهذه الفئة أو تلك، أو تشكيل اتحاد للنقابات المهنية الإعلامية وفق الخيار الأول.

 

رابعا: إبقاء الوضع على حاله في بنية النقابة، مع إعادة النظر في تعريف "من هو الصحافي" والنظام الداخلي، والتوجه إلى انتخاب مجلس انتقالي للنقابة (مؤقت لمدة عام) يكلف من قبل المؤتمر بإطلاق ورشة من النقاش حول الخيار الأنسب من بين الخيارات الثلاثة المذكورة أعلاه، وأية خيارات إضافية لإعادة بناء النقابة، على أن يكون دور هذا المجلس أقرب إلى اللجنة التحضيرية لعقد المؤتمر التالي.   

 

وفي كل هذه الخيارات لا يمكن إغفال صيغة لعلاقة الاتحاد أو النقابة بالصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين في الشتات، بحيث يتم إيجاد الطريقة المناسبة لإعادة تأسيس فروع نقابية في الأماكن التي يوجد فيها إعلاميون فلسطينيون.

 

وبصرف النظر عن أي خيار يمكن للصحافيين والإعلاميين أن يقرروا اعتماده لبناء الجسم النقابي، فإن الأمر الثابت أن مسيرة البناء لا يمكن أن تنجح بدون توفر شروط أساسية أهمها ما بات يسمى بـ"غربلة" العضوية، وفتح باب الانتساب أمام كل من تنطبق عليه شروط ومعايير العضوية، في عملية لا بد أن تقودها لجنة تحضيرية مهنية وتمثيلية للمهن الإعلامية في الضفة والقطاع، بعيدا عن التدخلات و"اللوبيات" السياسية، بما يمكن الصحافيين من أخذ زمام الأمور بأيديهم، لا بأيدي السياسيين.

 

ومثل هذا المسار يقتضي التصدي لـ "همروجة" نقل ملكية "السيارة المتهالكة" إلى "مالك جديد" تحت شعار الانتخابات الجاري "الترتيب" وليس "التحضير" لإجرائها في الخامس من شباط الجاري. فالمطلوب شق مسار لإعادة بناء الجسم النقابي يستند إلى أوسع مشاركة من العاملين بوسائل الإعلام في النقاش حول بنية الجسم الأكثر مهنية وتأثيرا في رسم مستقبل الإعلاميين وتحريرهم من سطوة تغليب السياسي على المهني.

 

بدون مسعي لتحويل المؤتمر إلى محطة ديمقراطية مهنية لإعادة بناء الجسم النقابي، يصبح السؤال الأبرز: ما جدوى الانضمام أصلا إلى نقابة في طريقها إلى "الشطب"، ولماذا يساق الصحافيون و"غير الصحافيين" إلى مؤتمر لن يؤدي سوى إلى إعادة إنتاج ذات الجسم فاقد الأهلية والدور المهني وإن اختلف أسماء أعضاء مجلس النقابة المقبل ممن يسميهم حاليا قادتهم السياسيون؟

 

والإجابة لا بد أن تأتي من الصحافيين أنفسهم برفض تحويل معظمهم إلى شهود زور على عملية "الاختطاف السياسي" للنقابة، ومقاطعة أي مؤتمر لن تكون انتخاباته أكثر من مجرد "نقل ملكية".

 

أما إن غلب "القرار السياسي" بالإصرار على اختطاف نقابة الصحافيين وعقد المؤتمر رغم أنوف الصحافيين المكافحين لتصحيح مسار التحضيرات للمؤتمر، فلا ينبغي أن يثير ذلك لدى الصحافيين أي مشاعر أسى أو أسف على نقابة تمضي نحو شطب دورها بيديها. وعندها، لا مناص من جهد مخلص يسعى لفتح ورشة من العمل المهني الديمقراطي الدؤوب لبناء جسم نقابي مهني وحر بعيدا عن مسار "السيارة المتهالكة".

 

عملية صعبة، ولا تخلو من مواجهة مع المتورطين في عملية الاختطاف السياسي الجارية للنقابة، لكنها قد تصبح أكثر من ضرورية. فالدفاع عن المعايير المهنية وحرية العمل النقابي الإعلامي هو دفاع عن مهنة الصحافة وحرية العاملين فيها، وقبل كل ذلك هو جزء لا يتجزأ من واجب خوض معركة الدفاع عن الحريات العامة.

 

* كاتب وصحافي فلسطيني- رام الله. - [email protected]