خبر سعي للسلام أم استعداد لحرب جديدة؟ .. عريب الرنتاوي

الساعة 07:18 ص|01 فبراير 2010

بقلم: عريب الرنتاوي

في سعيها لتبرير عزم بلادها تشديد العقوبات الدولية المضروبة على إيران ، تقدمت السيدة كلينتون بعذر من النوع الذي يقال فيه ، بأنه "أقبح من ذنب" ، فإيران النووية ستطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط ، وهذا سيعزز الشعور بالتهديد في إسرائيل ، التي قد تقوم بتوجيه ضربة عسكرية لإيران ، الأمر الذي سيدخل المنطقة في حالة من انعدام الأمن والاستقرار ، هكذا حرفيا وبكل خفة.

تناست الوزيرة أولا ، بان إسرائيل هي أول من أدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط ، ومنذ أزيد من أربعة عقود ، وأنها واحدة من دوله القليلة التي رفضت التوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي ، رافضة بصورة متكررة ، وبغطاء أمريكي ، عرض منشآتها للتفتيش الدولي ، والأهم أنها الدولة الوحيدة التي تقف بالمرصاد ، لكل قول أو فعل ، يسعى في كسر انفرادها بهذا السلاح ، أو يدعو لجعل الشرق الأوسط بمجمله ، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

وتناست الوزيرة ثانيا ، بأن تقارير استخبارات بلادها ، حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني ، ما زالت تشكو نقصا وتناقضا ، بل وتذهب إلى "عدم ترجيح" وجود برنامج إيراني نووي لأغراض عسكرية بعد أن توقف عام 2003 ، وأن كل ما يجري تداوله ، ليس سوى تكهنات و"تسريبات" إسرائيلية ، أقل كفاءة ومهنية من تلك التي مهدت للحرب على العراق.

والحقيقة أن ما يثير القلق والحنق في تصريحات السيدة كلينتون ، أنها تتزامن مع حدوث تطورين هامين: الأول ، تصاعد نغمة التصعيد والتهديد ، لكأننا في المراحل الأخيرة لـ"بناء سيناريو الحرب إيران" ، تماما مثلما حصل مع العراق غداة الحرب عليه واحتلاله ، فالولايات المتحدة (وغيرها من دول الغرب) ، وعلى لسان رئيسها (وغيره من جنرالاته) ، تحذر إيران من احتمال تعرضها لضربة إسرائيلية ، بدل أن تحذر إسرائيل من مغبة انتهاك القانون الدولي ، وتمارس ضغطها عليها لمنعها من مقارفة مغامرة من هذا النوع.. والولايات المتحدة تنشر منظومات صاروخية في أربع من دول الخليج ومياهه وقبالة السواحل الإيرانية ، فضلا عن إسرائيل ، التي تشير كافة الدلائل إلى أنها أنهت استعدادتها لتنفيذ سيناريو الضربة الخاطفة لإيران.

أما التطور الهام الثاني ، فهو تزامن تصريحات كلينتون ، وما سبقها ومهّد لها من "تسريبات" حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني ، مع انهمار "سيل الأكاذيب" في التحقيقات البريطانية حول الحرب على العراق ، وبصورة أفقدتنا ما تبقى من ثقة في صدقية الولايات المتحدة وبريطانيا فيما خص أحداث وتطورات من هذا النوع ، فقادة "العالم الحر" يكذبون على شعوبهم أيضا ، وتدفعهم أجندات رخيصة وانتهازية ، ويفبركون الأدلة ويزورون الشهادات والشهود ، ولم لا يفعلون ذلك ، طالما أن كل ما تحتاجه المعالجة اللاحقة هو الإقرار بوقوع بعض الأخطاء المفترقة وإبداء الإحساس بالأسف لها ، من دون اكتراث للويلات والكوارث التي خلّفها هؤلاء في الدول والمجتمعات التي أخضعوها لوابل نيرانهم ، وما يجري في العراق أساسا ، شاهد حي على ما نقول.

ثمة نذر تصعيد عسكري واسع النطاق ، تتجمع في أفق المنطقة ، وثمة تلويح غربي عموما ، أمريكي على وجه الخصوص ، بالضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران ، لكأن "أزعر الحي" المزروع في الشرق الأوسط ، قد نُذًرَ للمهام القذرة ، ولها وحدها فقط ، وثمة سيناريوهات تسعى في إلقاء اللائمة مسبقا على إيران ، عن أي حرب إسرائيلية قادمة على لبنان أو غزة ، فحديث جيمس جونز عن أن إيران قد تلجأ لحماس أو حزب الله للتخفيف من أزمتها والخروج من عنق الزجاجة الذي يعتصرها ، يمكن أن يقرأ على أنه ضوء أخضر أمريكي متجدد لإسرائيل لاستئناف حرب تموز على لبنان وسكب المزيد من الرصاص المصهور على غزة ، وكل ذلك تحت جنح "مهمة ميتشيل ومساعي إحلال السلام"؟.