خبر المحرقة واللاسامية وجرائم إسرائيل .. نواف الزرو

الساعة 07:15 ص|01 فبراير 2010

بقلم :نواف الزرو 

كعادتها في كل مناسبة يقترب فيها أحد في العالم من قصة الممارسات والانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، أو يقترب من أسطورة المحرقة/ الكارثة اليهودية، أو من إسرائيل أو من اليهود في أي مكان في العالم، تسارع إسرائيل إلى استحضار فزاعات «اللاسامية» و«الإرهاب» لشن هجوم كاسح على من يتجرأ على انتقادها أو التعرض للهولوكوست اليهودي.

تربط الدولة الصهيونية في هذه الأيام ربطاً واضحاً وقوياً بين فزاعة اللاسامية، التي أخذت من وجهة نظرهم تطل برأسها بقوة مقلقة في أوروبا والعالم، وبين ذكرى اليوم العالمي للمحرقة اليهودية الذي حددته الأمم المتحدة في السابع والعشرين من يناير كل عام.

وهم حينما يتحدثون عن اللاسامية، إنما يقصدون بها أولئك القادة أو الساسة أو المفكرين أو العلماء أو الإعلاميين أو حتى على مستوى الرأي العام، الذين يتجرأون على انتقاد ممارسات وجرائم إسرائيل.

في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، استنفرت إسرائيل كل ما تمتلك من أدوات ووسائل إعلامية وسياسية ودبلوماسية ولوبيات صهيونية، لشن هجوم إعلامي تحريضي واسع على كل الجبهات، ضد الذين يتجرأون من وجهة نظرهم على اتهام إسرائيل والجيش الإسرائيلي باقتراف جرائم حرب في غزة، وكذلك ضد ما يطلقون عليه «تنامي ظاهرة اللاسامية في العالم».

وحيث إن تقرير غولدستون الذي يدين إسرائيل باقتراف جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة، هو الأخطر، فقد ربطوه قبل غيره باللاسامية، فها هو وزير الإعلام الإسرائيلي يولي ادلشتاين يشن هجوماً كاسحاً، متهماً تقرير القاضي غولدستون حول الحرب على غزة العام الماضي ب«معاداة السامية».موضحاً أن «إسرائيل ستسخر ذكرى المحرقة لمحاربة تقريرغولدستون»، مضيفاً في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية «إن تقرير غولدستون وتقارير مماثلة تثير اللاسامية، وتشكل قاعدة لمن يريدون التنكر للمحرقة، واللاسامية وكراهية إسرائيل».

وحيث إن أوسع وأشد الانتقادات لجرائم إسرائيل جاءت أيضاً على لسان رئيس الوزراء التركي أردوغان، فقد فردت الخارجية الإسرائيلية تقريراً خاصاً ضده يتهمه باللاسامية، فأصدرت تقريراً حول العلاقات مع تركيا وزعته على وزراء المجلس الأمني السياسي السباعي، وممثليات إسرائيل في الخارج، يوجه انتقادات شديدة للحكومة التركية ولرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ويتهمه بأنه «يحرض ويشجع اللاسامية».

الوكالة اليهودية لم تتأخر، فانضمت بدورها إلى الحملة الإعلامية التحريضية الإسرائيلية، فذكرت في تقرير سنوي لها ان «العداء لإسرائيل تصاعد بشكل كبير منذ العدوان على قطاع غزة».

وفي هذا السياق أيضاً، وفي ظل هذه الأجواء «اللاسامية المصطنعة» وعلى جبهة معسكر اوشفيتز، شارك وفد برلماني برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، في إحياء اليوم العالمي للهولوكوست في قلب معسكر اوشفيتز، وضم الوفد وزراء وأعضاء كنيست من مختلف الأحزاب الإسرائيلية.

الرئيس الإسرائيلي بيريز ترأس أيضاً وفداً دعائياً إلى ألمانيا، وألقى خطاباً أمام البوندستاغ (البرلمان) الألماني، بينما توجه لنفس الهدف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على رأس وفد إلى هنغاريا، ونائبه داني أيالون على رأس وفد آخر إلى سلوفاكيا، وعضو الكنيست العربي ونائب وزير تطوير (تهويد) النقب والجليل أيوب قرا على رأس وفد إلى إيطاليا، ووزيرة الثقافة والرياضة ليمور ليفنات (ليكود) على رأس وفد إلى فرنسا، ويولي أدلشتين وزير الإعلام والشتات على رأس وفد إلى الولايات المتحدة.

فنحن عملياً أمام أضخم حشد إسرائيلي رسمي إعلامي سياسي دبلوماسي، ينتشر في أوروبا وأميركا بهدف تسخير واستثمار اليوم العالمي للكارثة استثماراً سلوكياً، يعيد إلى الأذهان دائماً ذلك الدور الذي لعبته الكارثة/ المحرقة، في ترويج الرواية الصهيونية المتعلقة بإقامة دولتهم على حساب الشعب الفلسطيني والنكبة الفلسطينية.

المحلل الإسرائيلي المناهض لسياسات إسرائيل جدعون ليفي، يقول في هآرتز: «يوم الكارثة الدولي.. جهد إعلامي كهذا لإسرائيل لم يشهد له مثيل منذ زمن بعيد، توقيته الاستثنائي لم يحدث أن اجتاح زعماؤنا العالم هكذا. ليس صدفة عندما يتحدث العالم غولدستون نتحدث نحن عن كارثة، وكأننا نشوش الانطباع، عندما يتحدث العالم عن احتلال نتحدث نحن عن إيران وكأننا نريد العالم أن ينسى».

والأسقف الكاثوليكي البولندي بيرونيك يتهم إسرائيل باستغلال المحرقة ـ الهولوكوست كسلاح دعاية، وأنها تستفرد في نسب المحرقة لها وحدها، مضيفاً: «اليهود يتمتعون بدعاية جيدة، لأن لديهم سبلاً مالية قوية تقف خلفهم، وقوة هائلة ودعماً غير مشروط من الولايات المتحدة».

 

 

بينما يعرب 42% من سكان أوروبا الغربية عن اعتقادهم بأن اليهود يستغلون الماضي وخصوصاً المحرقة، التي نفذتها النازية خلال الحرب العالمية الثانية، لابتزاز المال من أوروبا.

إذن، هي ثلاثية تتكامل دائماً في الخطاب الإعلامي التحريضي الإسرائيلي: الهولوكوست ـ المحرقة ـ اللاسامية والإرهاب. وتوظف إسرائيل هذه الثلاثية في هذه الأيام على نحو مكثف، ضد تقرير غولدستون، أي ضد أولئك الذين يتحدثون أو ينتقدون المحارق والجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

فيا لها من فزاعات صهيونية مخادعة مضللة، يراد من ورائها اختطاف الرأي والمزاج العام الأوروبي الأميركي، إلى جانب إسرائيل وضد كل من يجرؤ على مناهضتها أو انتقادها.

ولكن ألف خطاب ضد اللاسامية، لن تطفئ النار التي أضرمتها حملة «رصاص مصبوب» ضد إسرائيل، و«طالما غزة موجودة فإن خطابات الكارثة ستبقى مخلولة، وطالما تسلل الشر عندنا من الداخل، فان العالم (ونحن) لا يمكننا أن نقبل بمزايدات أخلاقية على الآخرين، حتى لو كانوا جديرين بذلك» كما يقول جدعون ليفي.

فإسرائيل تبقى دولة الإرهاب وجرائم الحرب والعنصرية، وذلك بالشهادات والوثائق التي لا حصر لها..

والسؤال الكبير الذي يقرع دائماً: إلى متى سيبقى العرب والعالم رهينة لفزاعاتهم الثلاثية المزيفة؟!.