خبر تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل .. ديدييه بيليون

الساعة 06:50 م|31 يناير 2010

بقلم: ديدييه بيليون

تعرف العلاقات بين تركيا و"إسرائيل" الأزمة تلو الأزمة منذ عدّة أشهر، وكانت الأخيرة منها تشير إلى خلفية الرهانات القائمة اليوم بينهما.

من الهام أوّلا وضع العلاقات التركية - الإسرائيلية في سياق تطوّرها. ففي عام 1996 وقّع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري، تنصّ على تبادل المعلومات حول التجهيزات ذات التكنولوجيا المتقدمة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والقيام بتدريبات عسكرية مشتركة وإمكانية قيام الطائرات الإسرائيلية بتدريبات في الأجواء التركيّة، وبعض البنود الأخرى التي لم يتم الكشف عنها أبدا.

كان ذلك في السياق الذي أعقب التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي كانت تندرج في إطار إرادة الرئيس كلينتون إعادة تنظيم العلاقات والتحالفات في الشرق الأوسط. كان الأمر يتعلّق بالنسبة له، بتنظيم أوّل حلقة من شركاء الولايات المتحدة حول تركيا وإسرائيل، ثم الأردن وأخيرا الدولة الفلسطينية المفترضة.

كانت الاتفاقية التركية تشكّل إذن المرحلة الأولى من ذلك المشروع، الذي جرّ على تركيا نقدا شديدا من جيرانها العرب وإيران، وبالتالي عزلتها في محيطها الإقليمي. لكن انتخاب جورج دبليو بوش، ثمّ المغامرة العراقية، كان ضربة قاضية للمشروع الذي بدأه بيل كلينتون. هكذا في الأول من شهر مارس/ آذار 2003، رفض البرلمان التركي طلب الرئيس الأميركي بنشر 62 ألفاً من المارينز الأميركيين على الأرض التركية، من أجل الهجوم على العراق من الشمال.

والمسؤولون السياسيون الأتراك اعتمدوا على التعبئة الشعبية الكبيرة، ورفضوا مشاركة الولايات المتحدة خياراتها التي فهموا أنها ستهز استقرار الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف تركيا عن النظر أولا إلى مصالحها الوطنية الخاصّة، وفي مقدمتها التقارب مع سوريا.

وفي مثل ذلك السياق من تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة، كان من الواضح أن علاقة تركيا مع "إسرائيل" ستغدو أكثر صعوبة. هكذا في شهر يونيو/ حزيران من عام 2004، وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة بإرهاب الدولة، وبعدها شهدت العلاقات التركية - الإسرائيلية سلسلة من الأحداث والمواقف السياسية المتباينة. لكن لم يتم قطع العلاقات، إذ حرص كل طرف على عدم تجاوز الخط الأحمر وصولا إلى القطيعة.

في المقابل، شكّل العدوان الإسرائيلي على غزة في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008، منعطفا حقيقيا وزاد من الشروخ. لم يتأخر أردوغان منذ غداة العدوان، عن وصفه بجريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني، ونشط دبلوماسيا حيث زار جميع دول المنطقة باستثناء إسرائيل، لمحاولة الوصول إلى وقف إطلاق النار وإعادة دمج حماس في اللعبة السياسية.

وأثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2008، غادر أردوغان قاعة النقاش الذي تعارض فيه بشدة مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. وبعد عدّة أشهر ألغى وزير الخارجية التركي زيارة كانت مقررة لإسرائيل، بحجّة عدم السماح له بزيارة قطاع غزّة.

ومنذ فترة قصيرة نشبت أزمة جديدة، بعد الإهانة العلنية التي تلقاها سفير تركيا في إسرائيل. لقد استدعاه داني أيالون، نائب وزير الخارجية، بذريعة أن أفكارا مناهضة للساميّة ترددت في فيلم تلفزيوني تركي. وقد تركه ينتظر طويلا، ولم يصافحه، وتوّجه له بالحديث باللغة العبرية التي لا يتقنها، بل وحرص على أن يجلس السفير على كرسي منخفض جدا بالنسبة للكرسي الذي كان يجلس عليه، في مكتب في وزارة الخارجية لم يكن فيه سوى علم إسرائيل. لكن بعد عدّة ساعات من التوتر الشديد، وأمام تهديد أنقرة بسحب سفيرها، قدّم داني أيالون اعتذاره رسميا للسفير وللشعب التركي.

سلسلة طويلة من المواقف والأحداث التي تدلّ على التدهور الحقيقي في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وتؤكّد على نتيجتين أساسيتين. الأولى تخص تأكيد المكانة المركزية التي اكتسبتها تركيا حديثا على المسرح الإقليمي، ومن خلال قدرتها على المبادرات السياسية والتقارب مع العديد من الدول العربية ومع إيران، أثبتت أنقرة أن الشراكة مع "إسرائيل" لم تعد تحظى بالأولوية، وحتى لو لم يتم نقض اتفاق عام 1996 كما تدلّ الزيارة التي قام بها قبل أيام إيهود باراك إلى أنقرة. ثمّ إن إلحاح القادة الأتراك على شجب الوضع الذي دفعت "إسرائيل" شعب غزّة إليه منذ عام، يبيّن عدم تراجعهم حيال هذا الموضوع، مما جعلهم موضع احترام كبير في العالم العربي.

النتيجة الثانية تخص "إسرائيل" التي برز فيها اتجاهان؛ الاتجاه الذي يجسّده أعضاء حزب العمّال الذين يؤيدون المحافظة على علاقة قوية مع تركيا، كما عبّر وزير التجارة والصناعة بن إليعازر واعتبار أن تركيا يمكن أن تلعب دور الوساطة بين "إسرائيل" وسوريا. والاتجاه الآخر المعارض للتوجّه الأول، ويجسّده اليمين المتطرف بزعامة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، الذي يعتبر أن تركيا لم تعد مؤهّلة أبدا للعب أي دور لتسهيل الوساطة. بل ويرى الوزراء الأكثر تطرّفا، أن نتنياهو قد ذهب بعيدا حتّى في اقتراحاته الخجولة حيال الفلسطينيين.

وفي المحصّلة، يؤكّد الملف الفلسطيني مرّة أخرى مركزيته السياسية في الشرق الأوسط، واهتمام تركيا بهذا الملف يزيد التوتر في علاقاتها مع إسرائيل. والمؤشرات الراهنة تدل على أن هذا التوتر سيستمر، ولكن يصعب التكهن إلى مدى سيصل في المستقبل!.