خبر غراس نتنياهو واستجلاب المليون يهودي...! .. نواف الزرو

الساعة 06:46 م|31 يناير 2010

بقلم: نواف الزرو

منذ البدايات الأولى لمشروعها الاستعماري في فلسطين ربطت الحركة الصهيونية ما بين ثلاثية الأرض والهجرة اليهودية والاستيطان الاستعماري كمرتكزات استراتيجية في بناء مشروعها، كما جاء في خطاب لفلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لمعسكر اليمين الإسرائيلي المتشدد حيث أكد أن:"هدف الصهيونية

- الدولة اليهودية

الأسلوب

- الاستعماري الجماعي

مساحة الدولة

- لا حدود"

ولذلك كرست تلك الحركة بمنظماتها ومؤسساتها المختلفة التي أنشأتها من أجل تحقيق الهدف أعلاه، كافة طاقاتها وإمكاناتها بهدف الاستيلاء على أوسع مساحات ممكنة من الأرض العربية، وغزوها غزواً جماعياً، عبر تهجير واستجلاب واستقطاب أكبر عدد من يهود العالم، وبناء المستعمرات الاستيطانية على امتداد الجسم الفلسطيني.

يجدد نتنياهو في هذه الأيام مضامين الخطاب الجابوتنسكي عبر ربطه الهجرة بالسيطرة على الأرض العربية بالاستعمار الاستيطاني.

فخلال الأيام القليلة الماضية قام بجولة غرس اشجار في المستعمرات الممتدة من غوش عصيون مرورا بمعاليه ادوميم وصولا الى ارئيل في شمال الضفة معلنا بقاء "إسرائيل" في هذه الاماكن الفلسطينية الى الابد، وكان يعلن في الوقت نفسه خلال مشاركته في"مؤتمر الهجرة والاستيعاب"، "إنه سيعمل على إحضار مليون مهاجر يهودي جديد إلى إسرائيل"، وإنه يعتزم "إحضارهم من دول أوروبا الشرقية وأثيوبيا والولايات المتحدة وأميركيا اللاتينية وأوروبا الغربية"، مؤكدا:"إنه يعمل من أجل استيعاب مهاجرين جدد حيث "يجب تحويل دولة "إسرائيل" إلى دولة عظمى إقليمية اقتصادية ودولة عظمة عالمية تكنولوجيا، وتعزيز اقتصادها بشكل كبير ويصعب تنفيذ ذلك من دون مهاجرين يهود جدد - وكالات - 27-1-2010".

وأشار نتنياهو في السياق إلى "إن استجلاب المهاجرين الجدد من اليهود بين 1989 - 2009، ومن بينهم مليون قادم جديد من دول الاتحاد السوفييتي السابق أنقذوا "إسرائيل" من النواحي الاقتصادية والأمنية والعلمية والديمغرافية".

يستحضر نتنياهو في تصريحاته هذه المرتكزات التي تقوم عليها الصهيونية ودولتها منذ مطلع القرن الماضي، ليضع الجميع مجددا -لمن يريد ان يرى ويقرأ - أمام معادلة "الأرض والهجرة والاستيطان والأمن"، ولكن ليشير على نحو واضح بان الهجرة هي القلب النابض لتلك الدولة، فلولا الهجرة اليهودية ما كانت دولة "إسرائيل" وما كانت المستعمرات منتشرة كالسرطان في الجسم العربي الفلسطيني، ف"الهجرة مصلحة وجودية لدولة "إسرائيل" -كما كتب جلعاد شارون - نجل رئيس الوزراء ارئيل شارون في يديعوت – 28-1-2010".

فالحركة الصهيونية هدفت منذ البدايات إلى حشد الملايين من اليهود في فلسطين لتهويدها بالكامل من جهة، ولجعلها قاعدة انطلاق للغزو الصهيوني للوطن من جهة ثانية.. أما الدستور الفعلي الذي سار ويسير على نهجه الصهيونيون فقد سجله إعلان استقلال الكيان الصهيوني في الفقرة الخامسة منه، إذ نص على "أن تظل دولة إسرائيل مفتوحة لهجرة اليهود من جميع البلدان التي انتشر فيها ".

ولعلنا نستذكر هنا أقوال مؤسسي الكيان الصهيوني، فقد قال دافيد بن غوريون أول رئيس للوزراء في ذلك الكيان :"أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين هي دم الحياة لإسرائيل، وضمان أمنها ومستقبلها وجوهر حياتها وروحها"، وأكد بن غوريون نفسه المقولة ذاتها في مكان وزمان آخرين قائلاً :"إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية المكثفة.. إن بقاء إسرائيل يعتمد فقط على توفر عامل هام واحد وهو الهجرة اليهودية الواسعة إلى إسرائيل"، أما غولدا مئير، زعيمة حزب العمل ورئيسة وزراء الكيان الإسرائيلي منذ عام 1969 - 1974 فقالت :"ما نحتاج إليه في الوقت الحاضر أكثر من أي شيء آخر هو الهجرة.. وتوجد أمور كثيرة نحلم بشأنها، لكن لقلة الرجال وبسبب الحروب المفروضة علينا، لا نستطيع أن ننجزها إلا إذا أتي المزيد من الرجال"، ومن جهته، أكد ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي سابقاً :"إن مستقبل الصهيونية العالمية يتوقف على سياسة الهجرة اليهودية إلى إسرائيل"، وأضاف أنه"إذا حلت مشكلة الهجرة وهي المشكلة الثانية، فإنه لن تكون هناك مشكلة أولى وهي مشكلة الأمن ".

واصل زعماء الكيان الإسرائيلي وقادته اللاحقون النهج الفكري - العملي ذاته، فأقاموا مئات المستعمرات اليهودية فوق مئات آلاف الدونمات العربية المصادرة في الأراضي المحتلة، واستقدموا مئات آلاف المهاجرين والمهجرين اليهود من أجل توطينهم فيها، وقد استمرت هذه النشاطات الصهيونية في الأراضي المحتلة عام 1967، وكذلك في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 (في الجليل والنقب)، كما استمرت إلى جانبها في الوقت ذاته النشاطات والمساعي الصهيونية العالمية مستندة إلى الاحتضان والدعم الأمريكي الكاملين، والرامية إلى إجبار الاتحاد السوفيتي على فتح أبواب حركة الهجرة والتهجير أمام"اليهود السوفيت".

وفي أعقاب رفع القيود السوفيتية عن حركة الهجرة والتهجير اليهودية، أعلن شامير خلال جولة له في ريشون لتصيون في سياق رده على سؤال حول إمكانية استيعاب القادمين الجدد :"سوف نستوعب الجميع، ومن سيأتي سيستوعب من يأتي بعده، فهكذا تم بناء إسرائيل"، وكان شامير قد أعلن قبل ذلك بيومين عبارته المشهورة التي تسببت بردود الفعل العربية والدولية الشاجبة التي قال فيها :"إن هجرة كبيرة تحتاج إلى إسرائيل قوية وكبيرة"، وقد ربط شامير، في عبارته هذه بوضوح بين حركة الهجرة والتهجير واستيعاب القادمين الجدد في الأراضي المحتلة عام 1967، ثم عاد شامير وأكد على موقفه وسياسته المذكورة فصرح خلال جولة له في حي"نبي يعقوب في القدس"قائلاً :"إننا نحتاج إلى شعب إسرائيلي كبير وقوي.. وإلى دولة كبيرة وقوية"، ثم اتبع هذا التصريح بتصريح آخر أدلى به في مؤتمر صحفي قال فيه :"نستطيع أن نكون شعباً عظيماً، والمهاجرين الذين يأتون اليوم لا يأتون إلى دولة فلسطينية، أنهم يأتون إلى دولة يهودية، ويجب أن نتذكر ذلك، ولا يوجد أحد هنا يريد أن يرى دولة فلسطينية في أي جزء من أرض إسرائيل، فهذه الدولة الصغيرة يجب أن نحافظ عليها، وأن لا نتنازل عنها، إذ لا يمكن تقسيمها من جديد"، وفي منتصف شهر شباط 1990 تقريباً عاد شامير ليوضح بما لا يدع مجالاً لأي شك، إذ قال أمام الكنيست :"إن أرض إسرائيل ليست كعكة يمكن تقطيعها إلى أجزاء.. إن إسرائيل تشهد الآن وقتاً عظيماً وأياماً عظيمة، ويجب أن نكون مستعدين لاستقبال إخواننا واستيعابهم بأذرع وبود وحب.. هناك فقط بلاد واحدة، هي وطن الشعب اليهودي، أرض التوراة والأنبياء، إنها حلم الشعب اليهودي منذ أجيال عديدة.. لذا فإن من حق كل يهودي مهاجر أن يختار مكان إقامته حسب رغبته ".

وكان رعنان فايس رئيس شعبة الاستيطان في الوكالة اليهودية سابقا، قد كثف أهمية المستعمرات الاستيطانية في الفكر الصهيوني بتأكيده :"أن مخططي الاستيطان الصهيوني خلال الستين عاماً المنصرمة عملوا على أساس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية، يجب أن تعين من خلال أنظمة من المستوطنات السكانية تبدأ كنقاط استيطانية، وتأخذ بالتوسع لأكبر مساحة ممكنة من الأرض".

هكذا بدأت الصهيونية استنادا إلى هذه الفلسفة الاستعمارية، وهكذا واصلها قادة تلك الدولة على مدى القرن الماضي، وهكذا يعلنها ويجددها نتنياهو في هذه الأيام عبر غراسه في غوش عصيون ومعاليه ادوميم وارئيل وقبلها بشهور في الجولان المحتل..،

والفلسطينيون والعرب يراوحون في متاهات المفاوضات والسلام - المستحيل -...؟.