خبر ميتشل ومبادرات ملء الفراغ .. محمد السعيد ادريس

الساعة 03:35 م|29 يناير 2010

بقلم: محمد السعيد ادريس

ربما، من دون أن يقصد إذا افترضنا حسن النوايا، كشف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل مدى زيف مضمون التحرك الأمريكي الجديد لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المجمدة منذ أكثر من عام، عندما صرح بأن هذا التحرك يأتي بدافع من محاصرة جهود أطراف دولية أخرى لـ"ملء الفراغ" الموجود الآن في عملية السلام بسبب توقفها من ناحية وبسبب عجز الإدارة الأمريكية عن تقديم أفكار جديدة مغرية للطرفين.

ميتشل نوه في هذا الخصوص بتحركات روسية وأخرى أوروبية، وأن الجهود التي تبذل لعقد مؤتمر دولي للسلام في باريس أو موسكو بدأت تتصاعد، وهذا من شأنه أن يفقد واشنطن دورها الريادي، ومن ثم عليها أن تنشط مجدداً للحفاظ على دورها المسيطر على إدارة عملية السلام تلك.

إذا أخذنا هذا الدافع الذاتي الأمريكي في الاعتبار، وإذا وضعنا تقييم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لما أسماه "سقف التوقعات المرتفع" الذي أدارت به واشنطن عملية السلام في الشرق الأوسط على مدى عام كامل من إدارته لتوصلنا إلى استنتاج دقيق مفاده أن جولة ميتشل هذه المرة، وكل ما يحيط بها من ضجيج في بعض العواصم العربية، ليست أكثر من دبلوماسية علاقات عامة تريد بها واشنطن وتلك العواصم العربية أن تقول إنها ما زالت صاحبة الريادة، وانها لا تقبل أي منافسة لدورها، لا لشيء إلا لأن هذا الدور المفرغ من أي مضمون وهذه الريادة المزيفة تخدم المصالح المباشرة لواشنطن والعواصم العربية الحليفة، وأن الشعب الفلسطيني عليه وحده أن يدفع ثمن هذا الحرص على هذه الريادة.

دليلنا على ذلك ما أكده الإسرائيليون من أن ما يسمى بـ"عملية السلام"، وبالذات منذ توقيع اتفاق أوسلو عام ،1993 لم تحقق للعرب غير "وهم السلام" بينما مكنت الإسرائيليين من التوسع الاستيطاني والتمدد والتهويد، وإفراغ ما يسمى بـ"عملية السلام" من أي مضمون. ودليلنا أيضاً ما جاء على لسان الوزير الإسرائيلي يوسي بيليد الذي أعلن منذ أيام أن "بلاده"، ويقصد الكيان الصهيوني "لا تعتبر السلام مع جيرانها هدفاً تسعى إلى تحقيقه" وأن الهدف الأول لـ"إسرائيل" هو "ضمان وجود إسرائيل دولة لليهود إلى الأبد". ما يعني ويؤكد أن التعاطي الإسرائيلي والتفاعلات الإسرائيلية مع ما يسمى بـ"عملية السلام" ليس إلا "تجارة بالوهم" أو "متاجرة في الوهم" مع العرب لكسب الوقت لتحقيق الحلم الصهيوني وهو إقامة الدولة اليهودية على ما يسمونه بـ"كل أرض إسرائيل التاريخية".

هذا يعني أن الدولة المقترحة تؤسس على الحدود التي تريدها "إسرائيل" وتحقق شروط الأمن الذي تريد، بما فيها جعل كل المستوطنات التي بنيت والتي يجري بناؤها، وجعل القدس الموسعة، وجعل الحدود الشرقية مع الأردن، أراضي "إسرائيلية" شرعية.

وترى واشنطن أنه من خلال طرح هذا الاقتراح سيتم إرضاء الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ويتم فوراً استئناف المفاوضات. فشرط الوقف الكامل للنشاط الاستيطاني الذي تطرحه السلطة الفلسطينية سيختفي نهائياً، لأن الاستيطان سيكون في هذه الحالة مشروعاً، وسترى السلطة أن هذا الاقتراح يأتي تجاوباً مع طلبها باستئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات مع حكومة إيهود أولمرت، كما أن الاقتراح يرضي "إسرائيل" ويحقق مطلبها في إطلاق النشاط الاستيطاني في كل المناطق التي تريد، كما يخضع الدولة الفلسطينية الى كل شروط الأمن "الإسرائيلي".

واشنطن، بهذا الاقتراح، الذي يبدو أنه جاء بالتنسيق مع الإسرائيليين، تريد أساساً نقض القانون الدولي بأن الضفة الغربية وقطاع غزة أراض فلسطينية محتلة، وتريد أن تنقض القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بأن هذه الأراضي محتلة قطعاً ويجب الانسحاب منها، وأن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون، ويجب إزالته وتعويض الأضرار عنه.

الترويج لهذا الاقتراح، والطموح الأمريكي لقبوله فلسطينياً وعربياً من شأنه أن يؤدي إلى تفتيت قضية فلسطينية إلى قضايا منفصلة مثل الحدود والمياه والاستيطان واللاجئين وغيرها، اعتماداً على مبدأ تساوي حقوق فلسطين و"إسرائيل" في الضفة الغربية، ولن تكون هناك من مشكلات أو خلافات في هذه الحالة إلا المساومة على توزيع هذه الحقوق على الطرفين حسب ميزان القوى بينهما.

تزامن طرح هذا الاقتراح مع إعلان نتنياهو أن "إسرائيل" سوف "تحافظ على وجود لها على طول الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المرتقبة" في المنطقة المحاذية للحدود مع الأردن بهدف منع تهريب الأسلحة يكشف حقيقة وجود تنسيق أمريكي - إسرائيلي حول فكرة أو سياسة "تبادل الأراضي" كحل للخلافات حول الدولة الفلسطينية، وإذا أدركنا أيضاً أن هذا التحرك الأمريكي يأتي بدافع من الحفاظ الأمريكي على امتلاك الريادة المتفردة لعملية السلام في الشرق الأوسط التي هي المدخل الأهم للسيطرة الأمريكية المنفردة على المنطقة لتأكدنا أن هذا أقصى ما يمكن أن تقبل به واشنطن ضمن حدود "توازن المصالح" بينها وبين كل من العرب و"إسرائيل".