خبر ما بعد التوقيع .. نبيل عمرو

الساعة 03:33 م|29 يناير 2010

بقلم: نبيل عمرو

الجهود العربية، المواظبة والمكثفة، ستفضي عاجلا أم آجلا إلى توقيع الورقة المصرية، وإذا كان خالد مشعل راغبا في حوار ثنائي مع عباس، كمقدمة ضرورية لتوقيع الورقة المصرية كما يرى، فإن بالإمكان تحقيق هذه الرغبة، بصورة أو بأخرى، كي نصل إلى مسك الختام في هذه المرحلة على الأقل، وهو التوقيع، أي الإعلان المعنوي عن أن القطيعة قد انتهت، والعداء قد وجد سبيلا للانتهاء، ولو بعد حين.

وإذا ما نظرنا إلى مسألة التوقيع كنهاية لمرحلة شاقة، وبداية لمرحلة غامضة، فيتعين علينا أن ندرس، بقدر معقول من الموضوعية، أمرا تحاشيناه منذ زمن نظرا لصعوبته، إلا أنه سيظهر جليا وبقوة بعد التوقيع، وأعني به الشأن السياسي.

إن جذر الخلاف بين منظمة التحرير، المعترفة بـ"إسرائيل" والمتوغلة في عملية سلام ناجحة أم فاشلة، وبين حماس، هو الموقف والنهج السياسي والتفاوضي، وعنوان الخلاف هو: هل تحترم حماس التزامات المنظمة أم تلتزم بها؟

وبفعل كل التدخلات والضغوط والمناورات وصلت حماس إلى القبول بكلمة احترام، وهي كلمة وإن كانت، في حال حسن النوايا، تكفي فإنها - بالنسبة للعالم - تبدو أقل إقناعا من التزام. وهنا يكمن بيت القصيد في ما مضى. وحتى حين اجتمع الطرفان في رحاب خادم الحرمين الشريفين بمكة، ظلت هذه المسألة غامضة، مما ولد مع الاتفاق ثغرة دخلت من خلالها قوى كثيرة، اعتبرت اتفاق مكة ناقصا من حيث الصيغة السياسية، مع أنه كامل من حيث الشراكة الحكومية، وشروطها، وحصصها، وما إلى ذلك من أمور أخرى.

وإذا كان انهيار اتفاق مكة لم يكن بسبب الثغرة السياسية، وإنما لأسباب أخرى، فإن عدم تحديد نقطة اتفاق حاسمة بهذا الشأن سيمنح كل طرف باباً للتنصل والتراجع في الوقت المناسب له، بحجة أن الأساس السياسي غير واضح وحاسم، ويحتمل تفسيرا من كل طرف، وهذا ما يضع الاتفاق كله في مهب الريح.

إن الجانبين، فتح وحماس، مضطران، ويستحسن أن يكون ذلك الآن، إلى تظهير مواقف أكثر وضوحا وتحديدا إزاء المبادرات الدولية التي تتصدى لمسألة الاستعصاء التفاوضي، وتطرح مشاريع حلول تبدو إشكالية حتى الآن على الأقل.

 

وإذا وجدنا تفسيرا لمشروعية الاختلاف السياسي في المجتمع الواحد، خصوصا الفلسطيني، فإن استمرار هذا الاختلاف لن يلقى تفهما كافيا من قبل العالم، أو المعسكر الداعم، والمتبني للمعادلة الفلسطينية الملتزمة بعملية السلام.

فحماس لا تملك أن تكون سلطة ومعارضة في ذات الوقت، تختار المرشح لها فتقبله كسلطة منتخبة، وتستبعد المتعب لها كمعارضة وطنية!

ولو كانت قضية حماس بهذا البعد مطروحة أمام الشعب الفلسطيني، وحتى الدول العربية، لأمكن إيجاد تفسير أو تبرير لهذه الإشكالية. أما حين يكون الأمر متعلقا بالولايات المتحدة وأوروبا و"إسرائيل"، وحتى روسيا، والأمم المتحدة، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تسويق تفسير مقنع لهذه الإشكالية؛ ذلك أن الأمر ليس مجرد نقاط سياسية يختلف عليها أو يتفق، وإنما مليارات من مختلف العملات تجمع وتنفق.

ودون وجود مجرى سياسي مقنع، يحمل أو يبرر هذه الأموال، فإن كل دولار يتم توفيره سوف ينظر إليه على أنه في غير محله ومن قبيل التبديد.

وفي السياسة الواقعية لا يحق لأحد تجاوز هذه المسألة ما دامت الإمكانات المتوفرة لدى الشعب الفلسطيني لم تصل إلى حدود الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الدعم الدولي.

لقد تسربت أخبار غير مؤكدة عن تقليل حجم الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية، وقبل التأكد من صحة هذه الأخبار لم ينَم الفلسطينيون الليل قلقا على وضعهم الاقتصادي، فليس كل فلسطيني قائدا لفصيل، أو قائدا في فصيل، حتى لا يهتم براتب آخر الشهر، أو يتجاهل الحاجة إلى مشاريع، ولو متواضعة، تخفف عبء الحياة القاسية عن مدينته أو قريته.

إذن يجب أن لا يتردد طرفا الاختلاف في اقتحام الشأن السياسي، كي نصل إلى صيغة يرضى عنها العالم. ما دمنا بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي، ليس على صعيد المال فقط، وإنما السياسة كذلك.

وهنا لا بد من التذكير بأن الدعم الدولي للفلسطينيين لا يقدم كعمل خيري أو كتعويض عن مأساة، وإنما تمويل مدروس في سياق سياسي محدد، فالعالم يريد أن يظل الفلسطينيون في وضع ينسجم مع معادلة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا العالم لا يرى سبيلا إلى ذلك سوى ببقاء الفلسطينيين داخل عملية السلام، حتى لو كانت متعثرة بمساراتها وآلياتها.

فالعالم يرى أن المتعثر اليوم يسلك غدا، أو ربما بعد غد، أما دعم الفلسطينيين في أي اتجاه آخر يقررون فهذا أمر غير منطقي وغير واقعي، بل هو المستحيل بعينه.