خبر موسكو تستقبل أبو مازن وعينها على جورجيا!! .. هاني حبيب

الساعة 09:28 ص|27 يناير 2010

بقلم: هاني حبيب

هذه زيارة مختلفة، تلك التي ما زال يقوم بها الرئيس عباس الى الاتحاد الروسي، ابعد من تفاصيل العملية السلمية والمصالحة الداخلية الفلسطينية والمؤتمر الدولي الذي حاولت روسيا منذ مؤتمر انابوليس ان تعقده في عاصمتها موسكو، الاتحاد الروسي احد الاضلاع الاربعة في اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الاوسط يمكن أن يلعب دوراً في المجالات الثلاثة المذكورة، فمن خلال دوره في اللجنة الرباعية من الممكن ان ينعش نشاط هذه اللجنة الخامل اذا ما توفرت ظروف مناسبة، وبامكانه ايضاً أن يؤدي دوراً مهماً على صعيد المصالحة الداخلية الفلسطينية نظراً لعلاقاته الجيدة مع حماس والسلطة الفلسطينية، فمشعل زار موسكو مرتين خلال العامين الماضيين.

وكان من المتوقع زيارتها مجدداً هذه الايام الا انها تأجلت من قبل موسكو بعد تأكيد جولة الرئيس عباس وزيارته لموسكو خلال ثلاثة ايام، الاتحاد الروسي يدعم الجهد المصري والورقة المصرية ويطالب حركة حماس بالتوقيع عليها، اما فيما يتعلق بالمؤتمر الدولي، فيبدو ان موسكو قد تراجعت عن الاعتقاد بقدرتها على عقده بعد الرفض الاميركي- الاسرائيلي لهذا المؤتمر، ذلك كان واضحاً من خلال تصريح وزير الخارجية الروسي مؤخراً، لافروف، من ان موسكو ستعقد مؤتمراً دولياً للسلام في الشرق الاوسط بعد استئناف العملية التفاوضية. وما فائدة مثل هذا المؤتمر اذا ما كان هدفه تذليل العقبات امام استئناف العملية التفاوضية، وهل هناك حاجة لعقد مثل هذا المؤتمر بعد تخطي هذه العقبات وبدء العملية التفاوضية!

سفيرة اسرائيل في موسكو رحبت بزيارة الرئيس عباس لموسكو، لاعتقادها انها ستعمل على تسهيل عقد المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، لكن هذا الترحيب يعكس فيما يبدو، طبيعة العلاقة المرتبكة بين موسكو وتل ابيب، فرفض اسرائيل لعقد مؤتمر للسلام في موسكو اسهم في توتير العلاقات بينهما، اسرائيل لا تريد سوى مفاوضات مباشرة من دون اي ضغط يمكن ان يمارس عليها. اسرائيل لا تقبل لأي طرف ان يلعب دوراً في مفاوضات لا بد من ان تكون ثنائية، وهي بالكاد تسمح لواشنطن بأن تكون وسيطاً، وناورت مع باريس لكي تتخلص فرنسا عن دعوتها بعقد موتمر سلام حول الشرق الاوسط لديها، كما سعت كي لا تأخذ اللجنة الرباعية دورها، فلماذا تسمح لموسكو لعقد مؤتمر حول الشرق الاوسط وهي تعلم ان مثل هذا المؤتمر لن يكون الا ضد احتلالها وعرقلتها للعملية التفاوضية.

وقد حاولت موسكو التقرب من اسرائيل لتسهيل قبول الاخيرة بعقد مثل هذا المؤتمر على غرار مؤتمر انابوليس، اسرائيل لم ترفض في البداية، بل ناورت من اجل كسب تنازلات من موسكو على ملفات اخرى، اهمها ما قيل عن تزويد الاتحاد الروسي لايران وسورية بأنواع متطورة من الاسلحة، وأيضاً لدى ابتزاز اسرائيل لروسيا، من اجل الوقوف الى جانب العقوبات التي تقترفها الولايات المتحدة على ايران على خلفية البرنامج النووي في الامم المتحدة. وظلت اسرائيل تناور بين مختلف الملفات بهدف ابتزاز موسكو مقابل عدم اعتراضها على مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط تنظمه روسيا في عاصمتها.

وظل الامر على هذه الحال من المناورات الاسرائيلية، الى أن دخلت روسيا في حرب مع جوريا، والتي ادت الى انكشاف الدور الاسرائيلي الهام والخطير في التدخل المباشر في هذه الحرب، من خلال تدريب الجيش الجورجي، وامداده بالاسلحة المتطورة بما فيها الطائرات دون طيار، وتزويده بالمعلومات الاستخبارية، وتنظيم مناورات تدريبية، والمشاركة في اعداد الخطط الحربية والمساهمة في غرف العمليات.. اسرائيل اعترفت ببعض هذه الانشطة ووسائل اعلامها فضحت الباقي منها، واستثمرت تل ابيب ذلك لخوض شكل آخر من اشكال الابتزاز: وقف الاسلحة الروسية لكل من طهران ودمشق، مقابل التخلي عن دور اسرائيلي في جورجيا!!

ورغم أن موسكو تراجعت نسبياً عن اتفاقيات وتعهدات بشأن امداد طهران ودمشق بأنواع من الاسلحة نتيجة للابتزاز الاسرائيلي الا انها استمرت في دعم جورجيا عسكرياً ورئىس جمهورية اوسيتا الجنوبية ادوارد كوكويتي اكد بعد نهاية الحرب بين روسيا وجورجيا، على ان اسرائيل لا تزال رغم تعهداتها تمد الجيش الجورجي باسلحة وتقنيات عالية. موقع "ديبكا" الاسرائيلي المتخصص في الشؤون الامنية والاستخباراتية كشف عن اتفاق سري بين اسرائيل وجورجيا يتم بموجبه تخصيص قاعدتين جويتين لتستخدمها القاذفات المقاتلة الاسرائيلية في الانطلاق للهجوم على ايران عندما تقرر اسرائيل ذلك مقابل تدريب القوات الجورجية وتزويدها بالخبراء والاسلحة.

الا ان اسرائيل لم تكتف بعدم الوفاء بتعهداتها، بل قامت في تموز الماضي باختطاف سفينة شحن روسية في المياة الاوروبية تحت دعوى انها تحمل شحنة صواريخ روسية متطورة مضادة للطائرات من طراز "واس -300" في طريقها الى ايران، استمر حجز السفينة لعشرين يوماً قبل ان تترك امام السواحل الافريقية، تغاضت موسكو في بداية الامر، ولم تتحدث صراحة عن الجهة التي اختطفت السفينة الا بعد افتضاح الامر من خلال وسائل الاعلام الاميركية والاسرائيلية.. رئيس الدولة العبرية شمعون بيريس قام بزيارة سريعة الى موسكو بعد يوم واحد من الافراج عن السفينة ليصرح بعد ذلك انه اتفق مع القيادة الروسية على عدم تزويد ايران بالاسلحة!!

اشارتنا الى ذلك، للتأكيد على عدم قدرة موسكو على لعب دور مؤثر في احياء العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني- الاسرائيلي من ناحية، وللاشارة الى ان هدف زيارة الرئيس ابو مازن يتجاوز هذه المسألة الى امور يمكن لموسكو ان يكون لها يد فيها، ونقصد بذلك تحديداً مساهمة الاتحاد الروسي في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وفقاً لخطة رئيس الحكومة فياض، وذلك من خلال تقديم مساعدات ملموسة في حل القضايا الانسانية والاجتماعية والاقتصادية، ومن اجل توسيع العلاقات الثنائية التجارية والاقتصادية تلبية لما جاء في الوثيقة التي وضعها مجلس العمل الروسي- الفلسطيني في تشرين الاول العام 2008، لهذا السبب، قام الرئىس عباس خلال زيارتيه السابقتين جمهوريتي الشيشان وداغستان، وهذه المرة سيزور الرئيس عباس جمهورية تترستان، في وقت تشيد فيه موسكو بدور السلطة الفلسطينية في تعزيز مكانة الكنيسة الروسية في القدس وكافة الاماكن المقدسة والاملاك الروسية التي لا تزال محل صراع بين الاحتلال وروسيا.

لهذا، نعتقد ان زيارة الرئيس عباس لموسكو، تأخذ ابعاداً عملية، ثنائية، اكثر من كونها زيارة تركز على الابعاد السياسية، وباستطاعة موسكو ان تلعب دوراً اكثر تأثيراً في هذا المجال، يمكن لها ان تعوض دورها المفقود سياسياً، وتكاد في هذا الدور ان تنضم الى الاتحاد الاوروبي الذي يلعب دوراً في دعم مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية مالياً واقتصادياً من دون ان يوازى هذا الدور بفعل سياسي، واذا كانت كل اوراق اللعبة بيد اميركا، فإن بامكان الاتحاد الروسي ان يجاري الامر من خلال البحث عن دور مؤثر بعيداً عن التطلع الى مؤتمر، موسكو ذاتها باتت تتشكك في عقده حتى بعد انطلاق العملية التفاوضية اذا كان لها ان تنطلق.

الروس سيلعبون دوراً مهماً ومميزاً، لكن عينهم ما زالت تتطلع الى جورجيا وهي ترحب بالرئيس الفلسطيني، فالمسألة شائكة ومعقدة، كما هو الامر عندما تنطلق الامور من المصالح!!.