خبر الأفق العربي للمصالحة الفلسطينية .. عبد الاله بلقزيز

الساعة 10:05 ص|25 يناير 2010

بقلم: عبد الاله بلقزيز

نخشى من أن “الحوار الوطني” الفلسطيني في القاهرة لن ينتهي إلى ثمرة سياسية مريحة للشركاء فيه كافة، وقد تظل عقدة التوقيع على “الورقة المصرية” تفرض أحكامها على الوضع الانقسامي الفلسطيني المفتوح . وليس السبب في أن لحركة “حماس” تحفظات مشروعة على بنود “الاتفاق”، وإنما لأن شروط الحوار والاتفاق لم تنضج بعد على النحو الذي ينفتح معه أفق المصالحة والوحدة الوطنية . ومع أننا لا نستبعد تماماً إمكان التوقيع على “الورقة المصرية” في أية لحظة، إلا أن التوقيع لا يستتبع تنفيذاً بالضرورة على ما تفيدنا به سوابق الحوار في الماضي القريب .

سبق للفصيلين الفلسطينيين المعتركين أن تحاورا ثنائياً  ومع غيرهما من الفصائل الأخرى  في القاهرة قبل سنوات من أجل إعادة بناء منظمة التحرير وتنمية الأطر المؤسسية للوحدة الوطنية . وانتهى الحوار إلى اتفاق . وأحيط الاتفاق بتهليل سياسي وإعلامي كبير أوحى بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية دخلت ربيعها المزهر . غير أن شيئاً مما وقع الاتفاق عليه ووقع عليه لم يبصر نوراً ولا خطا نحو تنفيذ مادي أو رمزي . فعاد المتحاورون، وعادت مصر الراعية للحوار، وعدنا معهم جميعاً إلى نقطة الصفر .

وسبق للفصيلين  بعد إذ صارا شريكين في السلطة مختلفين  أن تحاورا في السعودية برعاية منها قصد حل خلاف الشراكة في السلطة، وانتهى الحوار إلى توقيع “اتفاق مكة” الذي قضى بتقاسم السلطة شراكة من طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية . غير أن الصيغة ما أحرزت حظاً من الحياة لأن “فتح” ابتلعتها مرغمة قبل أن تجد من القوى الدولية والعربية من يحررها منها .

ثم إن الفصيلين تحاورا في اليمن قبل فترة، وبعد أن بلغ الانقسام بينهما أشده، ووصل الحوار إلى تثبيت ثوابت ومشتركات في ما عرف ب “اتفاق صنعاء” لكن الفريقين تبادلا الاتهام بالمسؤولية عن تعطيل التوقيع والتفعيل، فعادت الأوضاع إلى سوئها الذي كانت عليه . وهذا عين ما يحصل اليوم في القاهرة .

لا تعني هذه الوقائع من الفشل المتعاقب للحوار الوطني إلا شيئاً واحداً لا يقبل التجاهل: عدم نضج الشروط الفلسطينية الداخلية  السياسية والنفسية  للحوار وغياب إرادة مشتركة في ذلك . مرد هذا، في المقام الأول، إلى أن كل فريق متمسك بما لديه من سلطة، وحريص على أن لا تضيع منه تحت عنوان الوحدة الوطنية . ويزيد من معدل ذينك التمسك والحرص ما بين الفصيلين من حال حادة من التواجس وفقدان الثقة، بل ما بينهما  أحياناً  من تكايد يمتنع معه كل مسعى مخلص إلى الخروج من نفق الانقسام .

على أن عدم نضج شروط المصالحة ليس واقعاً فلسطينياً فحسب، أو قل إن العامل الفلسطيني فيه ليس وحيداً ونهائياً، وإنما هو يتصل ببيئة العلاقات العربية  العربية وما يعتورها من استقطاب ونزاع وأثر تلك البيئة ومشكلاتها على الوضع الداخلي الفلسطيني . ذلك أن الاستقطاب الداخلي الفلسطيني لا يعدو، في وجه من وجوه التعبير عن نفسه، أن يكون لحظة في الاستقطاب السياسي العربي وترجمة لأحكامه على الصعيد الفلسطيني . وما أغنانا عن القول إن هذه الحقيقة في غير حاجة إلى كبير اجتهاد للاستدلال عليها، فصلات “فتح” بمحور عربي على مثال صلات “حماس” بمحور عربي آخر أمر في عداد المشهور والمسلم به .

ينجم من ذلك أن إنضاج شروط الوفاق الوطني الفلسطيني يتوقف  في جانب كبير منه  على تحسن أوضاع العلاقات العربية البينية وعلى جنوحها للوفاق، وفي قلبه التوافق على إنهاء حال الأزمة الداخلية الفلسطينية . إذا لم يكن ممكناً أن يحصل وفاق سوري  سعودي  مصري على حل الأزمة، فإن أحداً من الأطراف لا يملك وحده، بمعزل عن مثل هذا الوفاق، أن ينهي حال الانقسام الفلسطيني وإن حسنت نيته . وهذا عين ما حصل في أزمة لبنان بين العامين 2005 و2009 .

لم تكن حال الانقسام الفلسطيني أشد حدة من حال الانقسام اللبناني ولا أكثر استعصاء منها . كما أن محاولات أي محور عربي إدارة أزمة لبنان بمعزل عن المحور الآخر انتهت إلى الاخفاق وإلى المزيد من توسعة رقعة الشرخ الداخلي اللبناني . ومثلما وصل الخلاف الفلسطيني إلى الصدام المسلح في غزة، وصل الخلاف اللبناني إلى الصدام المسلح في بيروت والجبل والشمال . غير أن الانقسام اللبناني انتهى وكأنه لم يكن ما إن حصل توافق سوري  سعودي على انهائه . بدأ ذلك في “مؤتمر الدوحة” (مايو 2008) وبلغ ذروته في المصالحة السورية  السعودية التي فتحت الباب أمام تشكيل حكومة الائتلاف الوطني برئاسة سعد الدين الحريري .

ولسنا نشك في أن الخلاف الفتحاوي  الحمساوي، وإن اشتد أواره، سينتهي ما إن يقع توافق عربي على إنهائه سياسياً . وقد يقتضي مؤتمر حوار وطني مثل “مؤتمر الدوحة”، وقد يقتضي مبادرة أخرى من نوع مختلف، لكنه قطعاً يقتضي توافقاً بين سوريا ومصر والسعودية من دونه يكون أفق الحل مستحيلاً .