خبر تركيا وإسرائيل ... المحفّزات والتراكيب ..محمد أحمد الروسان

الساعة 05:49 م|22 يناير 2010

تركيا وإسرائيل ... المحفّزات والتراكيب ..محمد أحمد الروسان

أعتقد أنّ الأسباب الحقيقية وراء استدعاء وزارة خارجية الكيان العبري,للسفير التركي السيد أحمد أوغوز تشليكوك,بايعاز مباشر من وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان لنائبه داني أيالون,لا يمكن اعتبارها أنّها تأتي في سياق الأستيضاح والتوبيخ للسفير,بسبب بث احدى المحطات التلفزيونية التركية لمسلسل" وادي الذئاب"والذي يتحدث عن ارهاب الدولة العبرية المنظم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

كما يصوّر موثّقاً جرائم الحرب الأسرائيلية التي جرت في غزّة آواخرعام 2008 م ويعمل على تعرية الأسرائليين,وينتقد الحصار المفروض الآن على غزّة بهوية اسرائيلية وأخرى عربية,من خلال جدار بلا أي سند قانوني أو أخلاقي سوى أنّه عمل سيادي لدولة عربية مسلمة بحق شعب عربي مسلم مقاوم ينشد حريته وانعتاقه من نير احتلال ظلامي,عبر دراما تلفزيونية هادفة ترسل الرسائل المتعددة في أكثر من اتجاه ومسار,جدار بهوية و/ أو هويات عربية لا فرق,طالما أنّ هدفه يتمثل في استخدام الفلسطينيين كرهائن للضغط عليهم,لكي يقبلوا ببرنامج سياسي تصفوي يتعلق بالتسوية السياسية و/ أوالوحدة الوطنية وفقاً لمقاسات المشروع الأمريكي – الإسرائيلي المتصهين.

لحادثة فيلم الأستدعاء المذل ومشاهده,الكثير من المحفّزات والتراكيب ببيئة الساحة السياسية العبرية سواءً لجهة السياسة الداخلية,أم لجهة السياسة الخارجية وتقاطعاتها الإقليمية.

بعد عملية رصد سياسي حقيقي لواقع الحالة السياسية الراهنة لحكومة بنيامين نتنياهو,نجد أنّ هناك صراع سياسي متفاقم بعمق,بين ايهود باراك كوزير دفاع من جهة,ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان من جهة أخرى,وحيث الأخير وبسبب تطرفه المفرط ,يريد التشويش على زيارة باراك الحالية الى تركيا كما يسعى الى دفعه الى خانة اليك السياسي واحراجه لتنفيذ فيلم اذلال آخر بحقة ولكن بنسخة تركية,وحيث تنظر "إسرائيل" إلى هذه الزيارة عبر باراك,بعين الأهتمام والترقب من أجل تقليص أسباب الخلافات التركية – الأسرائيلية مع تطبيع وتعزيز العلاقات المتشعبة بينهما,وهذا ما يدركه ويعرف كنهه ليبرمان وحزبه.

ويرى ليبرمان أنّه في حالة أن حقّق باراك في زيارته لأنقرة أية انجازات للدولة العبرية,فسوف يكون لباراك وحزبه صدى ايجابي,سواءً لجهة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي,فيزداد موقف باراك قوّة ويتعزّز وضع حزب العمل وتتسع آفاق عمله داخل الحكومة,أم لجهة الرأي العام الإسرائيلي حيث يرنو إلى تمتين روابط العلاقات الشاملة,مع تركيا كدولة اقليمية حقيقية.

فنظرية أمن اسرائيل وبقائها كدولة في المنطقة,في شق من هذه النظرية يعتمد على وجود تحالف اسرائيلي مع دول اقليمية في المنطقة كتركيا, فعامل الجغرافيا السياسية حاضر في ذهن الرأي العام الأسرائيلي ومؤسسات الكيان العبري لجهة المستوى السياسي والمستوى الأمني بالمعنى الأستراتيجي .

ولأنّ ليبرمان وحزبه ومن على شاكلتهم بالتطرف والتشدّد,يريدون تقويض كل جهد دولي أم اقليمي لدفع عملية السلام قدماً الى الأمام,كونهم يؤمنون ايماناً مطلقاً,أنّ السلام مع دول جوارهم العربي والأسلامي,سيمزق كيانهم العبري من الداخل,لذلك تعتقد هذه المجموعة بشكل خاص في اسرائيل أنّ الدور الذي تقوم به تركيا في مسألة المفاوضات السورية – الأسرائيلية, يكسب تركيا دوراً دوليّاً متعاظماً,كما يعزّز من دورها الأقليمي,لذا لابدّ من القيام بأي عمل من شأنه أن يقوّض الدور التركي في هذه المسألة ويجعله ينكفئ على ذاته,فكان ما كان من فيلم الأستدعاء ومشاهده المذلة,للتشويش على زيارة ايهود باراك الحالية الى تركيا,وتداعيات إفشالها على وضع حزب العمل بالائتلاف الحاكم,ولدى الرأي العام الأسرائيلي المبهور بالعلاقات المتشعبة بتركيا وما تمثله في المنطقة.

كما هدف ويهدف ليبرمان من وراء فعلته الشنيعة الأخيرة بحق تركيا عبر سفيرها في تل أبيب, إلى إحراج نتنياهو بوضعه في مأزق سياسي جاد ومتفاقم وفي حالة انشطار دائم,فبات بيبي مثل شخص علق السكين بحلقه, فهو من جهة لا يستطيع منع وزارة الخارجية من الاحتجاج وفق رؤيتها على مسلسل تركي ينتقد الأسرائليين,وأيضاً لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية الاعتذار لتركيا,بسبب بنائه السياسي والنفسي وتطرفه بنظر من انتخبه, كما لا يستطيع أن يتحمل خيار التصعيد مع أنقرة وتبني تدهور العلاقات معها من جهة أخرى.

كذلك لم تغب زعيمة المعارضة الاسرائلية تسيبي ليفني عن بال ليبرمان ومخططه على هذه الشاكلة- الشائكة الدبلوماسية,فليفني المنتقدة دوماً لدبلوماسية وسياسة الائتلاف الحاكم نحو تركيا, لا تقوى الآن على مطالبة حكومة اليمين في بلادها بالاعتذار,فقد قلّص ليبرمان هامش المناورة السياسية والأمنية أمامها,تماماً كما فعل بنتنياهو من قبل ومن بعد,لقد تقاطعت أهداف ليبرمان مع رؤى الجنرال شاؤول موفازالمتشدد داخل كاديما,حيث الصراع على أشده بين ليفني وموفاز,وان كان يأتي في سياق توزيع الأدوار.

وبرغم شناعة السلوك الدبلوماسي الإسرائيلي الأخير,إلا أنّه عزّز مشاعر الغضب التركي ضد العبريين ووحّد الرأي العام التركي والقوى السياسية التركية إزاء رفض التوجهات الاسرائلية في المنطقة,كما عزّز من مواقف حزب العدالة والتنمية التركي وحكومته, حيال "إسرائيل" نفسها,وحيال القضايا العربية والإسلامية والدولية, وحيال سياسات الحزب الحاكم في أنقرة,لجهة الداخل والخارج التركي,حيث تراجعت مواقف خصوم حزب العدالة والتنمية التركي,من زعماء الحزب القومي التركي وانتهاءً بزعماء حزب الشعب الجمهوري أبرز حلفاء "إسرائيل" وأمريكا,ووقفت كلها خلف رئيس الوزراء طيب رجب ارودوغان وحكومته,منددة بالأجراء الإسرائيلي الأخير ومطالبة بضرورة تصعيد المواقف ضد الأسرائليين,حيث اعتبرت هذه الخصوم لحزب العدالة والتنمية في الداخل التركي,على أن الانتهاكات والجرائم الاسرائلية لم تكن فقط منحصرة في المجال العربي,وإنما امتدت لتهدد وحدة الأمّة التركية عن طريق انخراط مجتمع المخابرات الإسرائيلية في تقديم الدعم والإسناد والمساعدات العبرية للحركات الانفصالية الكردية.

المجتمع التركي بأطيافه السياسية المختلفة ومستوياته الأمنية والعسكرية المتعددة لجهة الرؤى والأفكار,هو براغماتياً في طابع علاقاته مع الشعوب والمجتمعات الأخرى,وفي ذات الوقت فهو يتميز بمشاعر الكبرياء الوطني والقومي والإنساني,وما حدث مع سفيره مؤخراً في تل أبيب لم ولن ينسى أبداً,وسيظل كالجمر يسمع حسيسه بين الفينة والأخرى,لجهة تفعيل مشاعر التعبئة الفاعلة السلبية التركية نحو سياسات "إسرائيل" ومواطنيها في المنطقة .

عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الاردنية