خبر مصر والمصالحة الفلسطينية ..منير شفيق

الساعة 05:47 م|22 يناير 2010

مصر والمصالحة الفلسطينية ..منير شفيق 

هل تريد مصر حقًّا أن تحقق مصالحة جديّة بين فتح محمود عباس وحركة حماس، ومن ثم بقية الفصائل الفلسطينية؟ أم هدفها الحقيقي إبقاء المصالحة معلقة من خلال شرط توقيع حماس على الورقة المصرية التي تعتبرها حماس إجحافًا كبيرًا بها. وذلك من خلال ما أُجْرِيَ من تعديل عليها في آخر لحظة. وهذا التعديل ناقض ما اتفقَ عليه الطرفان الفلسطينيان المتعارضان في مصر نفسها وتحت الرعاية المصرية نفسها.

 

الرد الرسمي المصري وما تبعه من صحافة رسمية على موقف حماس ومن بعده الرد الرسمي الفلسطيني في رام الله ومن راح يؤيّده من بعض المستقلين وبعض قادة الفصائل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تلخصّ فيما يلي:

 

حماس تعترض على الورقة المصرية وترفض التوقيع عليها بسبب تغيير أو حذف ثلاث كلمات من الورقة السابقة التي عبّرت عما اتفق عليه في المفاوضات.

 

فيا للتفاهة، ويا للهول، ويا للجريمة، من أجل ثلاث كلمات يُعطَّل التوقيع على الورقة. وتُعطَّل المصالحة ويستمر الانقسام. وأية ثلاث كلمات تافهة، لا قيمة لها، ولا تستحق حتى أن تناقش أو يُعاد النظر فيها.

 

ولما كان الأمر كذلك، فلا مجال أمام حماس إلاّ أن "تكبّر" عقلها وتوسّع صدرها وتوقع على هذه الورقة ولو كُرهًا، وبلا تحفظات، من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. إذ لا منطق في التمسّك: بثلاث كلمات سُحبت من الورقة التي تمّ التوافق عليها.

 

ولكن إذا سلمنا بأن الكلمات الثلاث لا قيمة لها ولا أهمية، وما التمسّك بها إلاّ تفاهة وصغر عقل، وضيق صدر، وبلا منطق. فلماذا يتمسّك الراعي المصري بها، ومثله فتح محمود عباس وكل من يضغط على حماس للتوقيع على الورقة، مع عدم إضافة هذه الكلمات، وإحراج حماس، وإنقاذ الوضع من الانقسام؟

 

إن الإصرار على استبعاد الكلمات الثلاث وبعناد لا يقل عن إصرار حماس على عدم التوقيع، يدّل على أن الكلمات الثلاث ليست تافهة وليست مجرد ثلاث كلمات لا معنى ولا مغزى لها، بل إن الذي انتزعها من الورقة يعرف معرفة اليقين ماذا يفعل؟ وماذا يريد؟ وما ستكون عليه الخطوة الثانية بعد فرض توقيع حماس على الورقة.

 

من هنا فإن كل من لا يأخذ معارضة حماس لتوقيع الورقة المذكورة مأخذ الجد لا يكون عادلاً إذا لم يعتبر ما حدث من تغيير فيها لثلاث كلمات، يقلب المعنى رأسًا على عقب. فمثلاً حين أسقطت كلمة "بناء" من الجملة التالية "إعادة بناء الأجهزة الأمنية" لتصبح إعادة الأجهزة الأمنية" قلبت المعنى الأول الذي اتفق عليه بين فتح وحماس والذي يدعو إلى بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية بما يشمل الأجهزة في الضفة والقطاع.

 

أما المعنى الثاني فيعني إعادة جهاز الأمن الوقائي وأجهزة المخابرات إلى قطاع غزة لتعود عقارب الساعة إلى المعادلة التي أدّت إلى كل ما شهده القطاع من صدام عسكري بين الأجهزة أوصل إلى ما أوصل إليه.

 

وكذلك عندما تسقط كلمة "مُلزِمة" من بندين يقضيان بتشكيل لجنتين من الفصائل جميعًا تكون قراراتهما مُلزِمة وليستا مجرد لجنتين استشاريتين للرئيس محمود عباس. ومن ثم انفراده بالقرار لأن الاستشارة هنا حين لا تكون مُلزِمة وإجماعية تصبح مضحكة وشكلية حين يكون التناقض عميقًا في وجهات النظر، وتكون المعادلة الفلسطينية تحتاج إلى توافق وشبه إجماع وليس انفراد الرئيس بتقرير النظام الانتخابي، واللجان المشرفة على الانتخابات على سبيل المثال.

 

فإذا كان إسقاط كلمة "بناء" من جملة "إعادة بناء الأجهزة الأمنية" يقلب المعنى رأسًا على عقب، فإن إسقاط كلمة "مُلزِمة" من بندين يتعلقان بلجنتين أساسيتين تقرران مصير الوحدة الوطنية وترمزان إلى الاتفاق للخروج من الانقسام فإن إسقاط كلمة "مُلزِمة" يسلّم القرار الفلسطيني بالكامل للرئيس، وهو ما يجب أن لا ترضاه فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمستقلون وليس حماس وحدها.

 

ومن هنا يكون الذين يضغطون على حماس للتوقيع على ورقة المصالحة من دون الإصرار على إعادة الكلمات الثلاث التي أُسقطت مما اتفق عليه في جولات الحوار بين حماس وفتح والفصائل كلها، يريدون تكريس الانقسام، بل تعميقه إذا سُلِّم الأمر كله لقرار منفرد من الرئيس الذي انتهت ولايته، والأهم من الرئيس صاحب الخط الذي لا توافق عليه الفصائل بما في ذلك فتح المُصادَر قرارها.

 

فإذا كان الرئيس محمود عباس قد اعترف بخيبة أمله في إدارة أوباما، وأعلن أنه لا يريد ترشيح نفسه للرئاسة، وذلك بسبب فشل خطه الذي حصر نفسه في إستراتيجية التفاوض والتفاوض فقط وراهن على الموقف الأميركي الغربي ليكون مركز الثقل في تقرير مصير ما يسمّى بالحل النهائي للقضية الفلسطينية.

 

هذا النهج أعلنت الجبهتان الشعبية والديمقراطية على الأقل، قولاً، أن لهما اعتراضات أساسية عليه، وإن كانتا لأسباب غير مقنعة تغطيّانه من خلال البقاء في اللجنة التنفيذية، وتمرير قرارات المجلس المركزي الملفق وغير الشرعي. المهم هنا ما يُعلن من موقف ضد أنابوليس والمفاوضات التي جرت على أساسه، بل الاعتراض على اتفاق أوسلو نفسه، أو على أداء المفاوض الذي يعمل وفقًا لتعليمات الرئيس.

 

من هنا لا يمكن تسليم القرار المتعلق بالأجهزة الأمنية في قطاع غزة للرئيس ليخضعها كما فعل بالأجهزة الأمنية في الضفة الغربية إلى الاتفاق الأمني الذي يشرف عليه الجنرال الأميركي كيث دايتون. هذا ولم يخرج صوت واحد في فتح أو الجبهة الشعبية أو الديمقراطية أعلن موافقته على الاتفاق الأمني الذي يشرف عليه دايتون والذي شطب حركة فتح من أي دور في الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.

 

والأمر كذلك عندما انفرد الرئيس بتقرير مصير مؤتمر فتح السادس سواء في مكان انعقاده أم في مجريات الانتخابات ونتائجها. وهنا يكفي سماع شهادتيْ أحمد قريع ونبيل عمرو حول العملية الانتخابية وما حملته من شبهات وتزوير وهما من كبار فريق محمود عباس.