خبر الرقص حول طاولة المفاوضات .. ديفيد ماكوفسكي

الساعة 03:17 م|22 يناير 2010

بقلم: ديفيد ماكوفسكي

سيعود المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل هذا الأسبوع إلى المنطقة في محاولة لاستئناف المحادثات التي كانت قد توقفت منذ بداية إدارة الرئيس الأميركي أوباما. وفي مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن ميتشل أنه يرغب في استكمال محادثات التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين في غضون عامين، أو أقل. وكان كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس أوباما، قد دعوا إلى عودة غير مشروطة إلى طاولة المفاوضات. ويتمثل الموقف الرسمي للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لا يمكن استئناف المحادثات حتى توسع إسرائيل قرار وقف الإستيطان بحيث يشمل أيضاً القدس الشرقية. كما يريد أن تكون حدود ما قبل 1967 الأساس لاستئناف المفاوضات. وفي الوقت نفسه، كان الرئيس عباس قد أدلى ببيان أشار فيه بأنه يأسف إلى الكيفية التي وصل بها إلى وضعه الحالي، ملمحاً إلى أن المأزق القائم لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني. والسؤال هو هل هناك مزيد من التقارب بين الجانبين مما هو بادي للعيان؟

عباس محاصر

مازالت محادثات التسوية بعيدة المنال وبقيت كذلك منذ اليوم الأول من إدارة الرئيس أوباما؛ ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى معالجة موضوع المستوطنات. لقد كان موقف الولايات المتحدة في أغلب عام 2009، بأنه يتعين على إسرائيل ليس فقط تجنب توسيع النشاط الإستيطاني، بل أيضاً تجميد أعمال البناء داخل المستوطنات القائمة. ورغم أن إدارة الرئيس أوباما تصر على أنها لم تطلب أبداً أن يكون التجميد شرطاً مسبقاً ورسمياً لإجراء محادثات سلام، إلا أنه من وجهة النظر الفلسطينية أصبحت أفضليات الإدارة الأميركية شرطاً مطلوباً بحكم الواقع. وباختصار، شعر عباس بأنه محاصر عندما أعلنت الإدارة موقفها المتشدد ولكنها سعت بعد ذلك إلى التفاوض مع إسرائيل حول وقف محدود لأعمال البناء أمدها عشرة أشهر. وقد أوضح الرئيس عباس هذه المشكلة في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أجراه في 22 ديسمبر 2009، حيث ألقى باللوم على واشنطن لطرحها فكرة التجميد ثم طلبها منه التوصل إلى حل وسط. وقد تذكر بأنه قال لمسؤولين أميركيين خلال اجتماع سبتمبر في الأمم المتحدة، «لقد وضعتموني على قمة شجرة، والآن تسألوني عن حل، وتطلبون مني التراجع عن موقفي». وتابع عباس قائلاً: «وضع أوباما شرط بأنه يجب وقف عمليات الإستيطان بصورة تامة. ما الذي يمكنني أن أقول له؟ هل ينبغي أن أقول بأن هذا كثير جداً؟»

وفي غضون ذلك، تراجعت إسرائيل أيضاً عن مواقف عدة غير مواتية لإستئناف المحادثات. فعلى سبيل المثال، كان الموقف الأصلي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يجب عدم إجراء المزيد من المحادثات حتى تجد الولايات المتحدة طريقة لوقف البرنامج النووي الإيراني. كما عارض إقامة دولة فلسطينية. إلا أنه قام بتعديل موقفه على مدى الأشهر القليلة الماضية، بتأييده إقامة دولة فلسطينية، والتخلي عن الشرط الإيراني، وإصراره على تذكير واشنطن بأن أي زعيم إسرائيلي لم يدعم وقف أعمال الإستيطان إلى الدرجة التي قام بها هو نفسه.

نص يلخص التطلعات

يقوم ميتشل حالياً بالاستطلاع فيما إذا كان بالإمكان العودة إلى طاولة المفاوضات بعد مرور ما يمكن أن يُطلق عليه عام ضائع. وقد وافق الجانبان حتى الآن، وبهدوء على نص يمكن أن يشكل أساساً لإستئناف المحادثات. فبعد مرور أشهر من المفاوضات، تم الإعلان عن النص يوم 25 نوفمبر المنصرم، مباشرة بعد إعلان نتنياهو عن وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية. ورغم الإعلان عن هذا النص باسم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وتأكيدها اللاحق حول مضمونه، إلا أنه يتجنب الإعلان عن موقف جديد في السياسة الأميركية. وبدلاً من ذلك، يلخص هذا النص تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين، قائلاً: «نعتقد بأنه من خلال إجراء مفاوضات بحسن نية، بإمكان الطرفين الإتفاق على نتيجة تنهي الصراع، وتوفق بين هدف الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة وقابلة للحياة على أساس حدود عام 1967، مع مقايضات متفق عليها، وبين الهدف الإسرائيلي المتمثل في دولة يهودية ذات حدود آمنة ومعترف بها وتعكس التطورات اللاحقة، وتلبي الإحتياجات الأمنية الإسرائيلية». وفي الواقع، سمح النص لواشنطن أن تقول بأن أهداف الجانبين قابلة للتوافق، بدون أن تلزم نفسها أو إسرائيل بالعودة إلى حدود عام 1967 أو إلى تبادل الأراضي التي من شأنها أن توازن الكتل الإستيطانية.

وتشير المناقشات مع مسؤولين من كلا الجانبين بأن هناك تقارب بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من وجود خلافات بينهما. ولكي تُستأنف المحادثات بصورة ناجحة، تحتاج جميع الأطراف إلى الإعتراف ومتابعة هذه التقاربات التي تركز الكثير منها على تجنب العثرات الماضية مثل تلك المبينة أدناه.

رسالة الضمانات

تود بعض الدول الأوروبية والعربية أن ترى الولايات المتحدة مستعدة لأن تذهب إلى أبعد من إعلان كلينتون وأن تصدر رسالة ضمانات تكرر دعم الولايات المتحدة لحدود عام 1967 مع تعديلات طفيفة. ومع ذلك، هناك مشاكل عدة لهذه الفكرة التي كانت قد رُفضت علناً من قبل محمود عباس في الأسبوع الماضي كونها غير ضرورية. أولاً، باستثناء مصر (التي سعت إلى استئناف المحادثات)، لم تفعل الدول العربية تقريباً أي شئ لتحقيق أمل ميتشل بأن ترد بالمثل على وقف الإستيطان الإسرائيلي حتى لو كان هذا أقل من التجميد الكامل الذي تم تصوره قبل عام. ثانياً، سيتطلب نهج صياغة أي رسالة ضمانات إجراء مفاوضات شاقة خاصة به. ثالثاً، قال فلسطينيون بارزون في مناقشات خاصة بأن من شأن إعطاء رسالة من قبل الولايات المتحدة إلى عباس ستقابل حتماً برسالة مماثلة إلى الإسرائيليين. وبعد ذلك، سيتم نشر هذه الرسالة على الملأ، وبالتالي يمكن استغلالها من قبل الفلسطينيين المتشددين الذين ينتقدون حكومة عباس.

عواقب وخيمة

لقد سئم الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني من عدم حدوث أي تقدم في المفاوضات السابقة، بعد أن استمعا إلى خطابات كثيرة لم تثمر سوى عن نتائج هزيلة. ولذلك، لا يريد أي منهما تكرار ما حدث في «مؤتمر أنابوليس» عام 2007، حين تم إطلاق محادثات التسوية على مرأى ومسمع الأضواء المسلطة من كل الإتجاهات. وعلاوة على ذلك، مثل «مؤتمر أنابوليس» محاولة لحل جميع القضايا الجوهرية التي تفصل الإسرائيليين والفلسطينيين. وهناك الكثير من المخاطر من عدم تحقق التوقعات العالية، مع احتمال حدوث عواقب وخيمة. إن إجراء محادثات سلام على هذا النمط قد يثير قضايا داخلية لكلا الطرفين، مما سيؤدي بهما إلى اتخاذ مواقف قد تؤدي إلى حدوث انهيار.

مفاوضات سرية

إن الممارسات الماضية التي تمثلت بعقد اجتماعات منتظمة على المستوى التنفيذي، كتلك التي كانت تعقد بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود اولمرت، لا يبدو أنها ستكون نموذجاً مفيداً في هذه المرحلة. ويبدو حالياً أن عباس يتمتع بكسب «رأس المال السياسي» دون اتخاذ قرارات، ويساعده في ذلك كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي يكرر ترددات عباس من أجل تحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، يشعر العديد في واشنطن بالقلق من أن عريقات قد قام بتحريف المواقف الأميركية. فعلى سبيل المثال، قال عريقات في تقرير قُدم مؤخراً إلى «اللجنة المركزية لحركة «فتح»»، إن واشنطن تؤيد فكرة استمرار المحادثات من النقطة التي توقفت عندها مباحثات عباس- أولمرت، مع العلم أن هذا ليس هو واقع الأمر. كما أنه يتمتع بالمسار الذي يتبعه منذ فترة طويلة والمتمثل بمواصلته تحدي إسرائيل، اعتقاداً منه بأن ذلك سيعزز من مكانته المحلية. ولذلك، لا يخشى عريقات إذا ما اضطر إلى دفع ثمن سياسي لفشله في إقامة أي شكل من أشكال الثقة أو علاقات عمل مع إسرائيل. وفي الواقع، يبدو أنه يعتقد بأن لا غنى عنه كلياً عند الرئيس محمود عباس بسبب ذاكرته المؤسسية المتعلقة بالمفاوضات.

وإذا نضع موقف وتصريحات صائب عريقات جانباً، نجد بأن هناك تقارب بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من وجود اختلافات بينهم، حيث يتفق معظمهم على أنه يجب مباشرة محادثات التسوية لأن المأزق الحالي لا يخدم أي طرف باستثناء «حماس». ومن المؤكد أن لدى الإسرائيليين والفلسطينيين نقاط تركيز مختلفة، ولكن أطر المفاوضات التي يرسمها كل جانب يبدو أنها تتناسب فيما بينها بصورة جيدة. ويؤيد المفاوضون الفلسطينيون الرئيسيون مشاركة ميتشيل في المحادثات غير المباشرة، حيث يعتقدون أن وساطة الولايات المتحدة فيما يتعلق بجوهر المناقشات هي أمر بالغ الأهمية. بيد، يفضل الإسرائيليون إجراء مفاوضات مباشرة على المستوى العملي - بشرط أن تكون سرية. ويبدو أن هذه الأساليب تنسجم مع بعضها البعض، حيث يمكن أن يجتمع الإسرائيليون والفلسطينيون على المستوى العملي بصورة سرية وتحت مظلة زيارات ميتشل العرضية لمناقشة القضايا التي على جدول الأعمال. وفي الواقع، كانت هذه القنوات السرية والمباشرة العامل الرئيسي لجميع الاتفاقات التي أبرمت بين الجانبين منذ عام 1993.

التركيز على الأرض أولاً

لقد أعرب ميتشل علناً عن رغبته في التركيز على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود في اليوم نفسه الذي صدر فيه بيان كلينتون. وقد أشار الفلسطينيون عن موافقتهم. ورغم من أن الإسرائيليين يقولون أنهم يرفضون فكرة التوصل إلى اتفاق مستقل بشأن الحدود، إلا أنهم يعترفون على نحو متزايد بالمنطق المتمثل بجعل موضوع الأراضي القضية الأولى على جدول الأعمال الأوسع نطاقاً.

وأخيراً، إن هذه التقاربات قد تجلب كلا الطرفين إلى طاولة المفاوضات، لكنها لن تستطيع ضمان نجاح أي من المحادثات التي ستجري بينهما. وسيقابل النجاح الإجرائي قيام اختلافات حول مضمون المحادثات المتعلقة بالأراضي، ناهيك عن القضايا المشحونة مثل القدس واللاجئين. ومن المرجح أن يجد ميتشل بأن جميع هذه الاختلافات ستختبر كثيراً الفكرة القائلة بأنه ستتم تغطية جميع المواضيع المعلقة ويتم حلها في غضون عامين.