خبر المرشد الى انتاج مسيرة سياسية -اسرائيل اليوم

الساعة 10:32 ص|20 يناير 2010

بقلم: يعقوب عميدرور

 (المضمون: كي تستطيع اسرائيل التوصل الى اتفاق مناسب مع الفلسطينيين، يجب عليها ان تبين لهم اننا نستطيع تدبر امورنا من غيره ايضا واننا مستعدون للقتال ايضا اذا دعت الحاجة لذلك - المصدر).

أخذوا يتحدثون مرة اخرى في المدة الاخيرة عن مسيرة سياسية مع الفلسطينيين. والسؤال لماذا يخرجون في طريق حاولوا السير فيها سنين طويلة، ومع شركاء مختلفين في الطرف الاسرائيلي والطرف الفلسطيني. انتهت جميع هذه المرات، سوى اتفاقات اوسلو في 1993، الى خيبة بل الى حمام دم أحيانا لنا ولهم.

اتفاقات اوسلو شاذة. تم التفاوض في احرازها عندما كان عرفات ورجاله جالين، وكان حلمهم العودة الى وطنهم وتصريف الحرب لتحريره التام من داخل الارض. كانوا مستعدين لذلك لاسماع تصريحات بعيدة المدى، بشرط ان يستطيعوا اقامة قاعدة الحرب في الضفة الغربية وفي غزة. كان ذلك سبب "انجازات أوسلو".

وهذا سبب أنه منذ أن عادت القيادة الفلسطينية الى أرض اسرائيل، لم يطرأ تغير جوهري على موقفها. يكاد كل ما طلبته في المحادثات الاولى يكون هو الذي تطلبه اليوم ايضا. كل انجاز أحرزته ردت عليه بطلب شيء أكثر. هذا هو التكتيك وهذه هي استراتيجية المفاوضين الفلسطينيين. الطرف الاسرائيلي وحده يتخلى من آن لآخر بلا انقطاع تقريبا منذ أوسلو. والسؤال من أجل ماذا.

تهديد الهجرة من البلاد

بين السيد يوسي بيلين في الفترة الاخيرة اننا مدينون لانفسنا بالتوصل الى اتفاق لانه اذا لم يحرز فثمة خطر أن يهاجر كثير من أبناء الجيل القادم من ابنائنا وبناتنا من البلاد. فالعالم مفتوح أمامهم، ولا يوجد اليوم أي قيد على العمل والتقدم في البلدان الاجنبية. هذا الزعم عندما يصدر عن أحد الساسة (السابقين اليوم) الاكثر تأثير ممن وجدوا هنا في العشرين سنة الاخيرة، يستحق التأمل.

        في مقالة كتبها محافظ بنك اسرائيل، السيد ستانلي فيشر، زعم انه من اجل ان نخطو الخطوة الآتية لتطوير اقتصاد اسرائيل يجب علينا التوصل الى اتفاقات سياسية مع جيراننا. الحديث عن شخص جدي جدا، تجب مباركته في كل يوم لأنه هاجر الى البلاد ويسهم لها بنجاح بارز جيد. ولهذا لا يمكن تجاهل أقواله. قارن بين هذين الزعمين. فهما موجهان لاحراز فائدة عملية: احدهما يريد اتفاقات لمنع الهجرة من البلاد، والثاني كي نصبح أغنياء على نحو شخصي وذوي اقتصاد قوي كدولة.

        يؤسفني ان هذين الرجلين الكبيرين الحكيمين يخلطان بين الاداة وبين الغاية من وجودها. لم تنشأ دولة اسرائيل لكي تصبح حالة اليهود أفضل من جهة اقتصادية وان يكن هذا أمرا مرادا جدا. ولم تنشأ دولة اسرائيل ايضا لمنع حزن الآباء اذا هاجر ابناؤهم من البلاد، وان يكن من المحقق انه ينبغي العمل في مضاءلة الهجرة من البلاد والحزن الذي يصحبها قدر  المستطاع.

        نشأت دولة اسرائيل لكي يصبح لليهود وطن قومي لهم، ولكي يتخذوا القرارات في شأن أنفسهم وكي يستطيعوا التطور كشعب ومجتمع وافراد. نشأت دولة اسرائيل كي لا يظل اليهود لقمة سائغة لمبغضيهم الذين يفعلون بهم ما شاؤوا.

        ان المتع الاقتصادية وفرح  الآباء لا يقفان في نفس درجة الاهمية.

        من أجل الاستيقان من حقيقة وجود دولة اليهود، يجب أن نعطي احتياجات اسرائيل الأمنية أعلى تفضيل. فاذا فقدت اسرائيل قدرتها على الدفاع عن نفسها – فلن تقوم في عصر الاتفاقات أيضا. لقد برهنت اتفاقات اوسلو، لمن كان ما زال يحتاج للبرهان، على أن الاتفاقات في حد ذاتها ليست ضمانا للأمن.

        قد يكون جزء من مطالب اسرائيل الأمنية صعبا على الفلسطينيين جدا بل قد يمنع توقيع الاتفاق لكن لا ينبغي ان نذعر لذلك. فليس الجدل الحقيقي في سؤال هل الاتفاق أمر جيد لان هذا متفق عليه. الجدل هو أهو ضروري الى حد أنه يحل لتحقيقه أن تتخلى اسرائيل من قدرتها على الدفاع عن نفسها. يجب ان يكون النقاش أيضا لسؤال ما مبلغ صحة التخلي من المبادىء والرموز والاراضي والأماكن المقدسة لتلبية الحاجات الاقتصادية واستعداد ابناء الجيل القادم للبقاء في البلاد. يجب على دولة اسرائيل للتوصل الى اتفاق ان تبين ان لها خيارات أفضل مع عدم وجود اتفاق ايضا. يجب ان يكون واضحا للاصدقاء والاعداء ان اسرائيل مستعدة للحرب اذا وجدت حاجة، وانها ستعلم كيف تنمو وتزهر بغير اتفاق ايضا.

        اذا شعر اعداء الدولة اليهودية بأنها لا تملك سوى خيار الاتفاقات، فسيستغلون ذلك لدفع اسرائيل الى التنازلات، وليمسوا بأمنها وبعدل وجودها ايضا، كان هذا هدف عرفات في الانتفاضة الثانية، عندما حاول ان يركع اسرائيل بالارهاب. لا سبب يدعو الى ان تجلب المسيرة السياسية للفلسطينيين الانجازات التي لم ينجحوا في احرازها بقوة عرفات ورجاله.

        توجد خيارات اخرى

        واضح انه من وجهة نظر الجيل الشاب والبالغين أيضا، يفضل الهدوء والسكينة على الحروب، لكننا بشرنا هذا الاسبوع فقط بأن عدد الاسرائيليين الذين يعودون من خارج البلاد زاد هذه السنة بـ 10 في المائة وبلغ رقما قياسيا في جميع الأزمان – وذلك في السنة التي يبدو فيها التفاوض مع الفلسطينيين أبعد مما كان دائما.

        في الجانب الاقتصادي أيضا ليس محققا وجوب ضرورة التوصل الى استنتاجات محافظ بنك اسرائيل ايضا. فقد نجحت اسرائيل في مدة زادت على 60 سنة في اقامة اقتصاد فخم برغم الضغط الأمني، وليست وحيدة في هذا الوضع. فقد نجحت كوريا الجنوبية وتايوان من جهة اقتصادية جدا، برغم أنهما مهددتان بالاعداء منذ قامتا كدولتين مستقلتين.

        ولما كان من غير المحقق البتة أن تضاؤل الهجرة من البلاد ونمو الاقتصاد متعلقان باتفاق، ولأنه يجب الحفاظ على خيار "عدم اتفاق" مفتوحا، ولو من أجل التفاوض نفسه، يبدو أن على اسرائيل أن تفكر بجدية في تفاوض لا يوجد في أساسه كثير من التنازلات للفلسطينيين.

        في الأمور المهمة – مثل حدود قابلة للدفاع عنها، وانهاء النزاع والاعتراف باسرائيل دولة يهودية، ومنع اعادة اللاجئين الى داخل اسرائيل ومكانة اسرائيل في القدس القديمة – يجب على اسرائيل أن تكون عنيدة. الاحتفاظ بخيار "عدم الاتفاق" ومطالب أوضح في هذه المجالات سيجعلان الفلسطينيين يزنون تنازلا من قبلهم. لن يتوصل الطرفان الى اتفاق في الصورة التي تم عليها التفاوض حتى الان عندما كانت اسرائيل وحدها هي المتنازلة. تجب محاولة نهج آخر.