خبر عام أوبامي ثان... أمريكا تستعيد بوشها! ..عبد اللطيف مهنا

الساعة 09:49 ص|20 يناير 2010

عام أوبامي ثان... أمريكا تستعيد بوشها! ..عبد اللطيف مهنا

انقضى عام أوباما الأول، وهلَّ علينا عام أوبامي أمريكي جديد، وكنا، عندما شاءت فجاءت المؤسسة الأمريكية بأوباما هذا، ومعه شعارات وبشارات واستبشارات التغيير على الصعد الداخلية والكونية، ولم تفعل إلا لأنها ضاقت ذرعاً بفجاجة ودموية وحماقات سلفه بوش، قلنا يومها أنه ليس الرجل المُغيّر، أوالآتي بالتغيير، بقدر ماهو في مجيئه كان نتيجة للتغيير الذي تريده المؤسسة التي جاءت به، أو هي وجدت فيه رجلاً مناسباً لتغييرها هي الذي شاءته فاختارته له.

 

كانت مهمته عندها هو مكيجة وجه أمريكا القبيح الذي زاد سلفه والمحافظون الجدد دمامته قبحاً على قبح كان مزمناً. وجاء أو جاءت به حيث الداخل الأمريكي يعاني أزمة اقتصادية لازال الأمريكي، ولا ندري إلى متى، يتحسس جيبه واجفاً ويتفكر قلقاً في مستقبله وهو يواجهها. وقلنا في هذا وذاك أن الولايات المتحدة لم تفعل عندما جاءت بأوباماها، ولا تستطيع كامبراطورية، أكثر من تغيير لون بشرتها لا جوهر سياساتها، لاسيما تلك الكونية منها.

 

الآن، وقد قضى الساحر، والشاطر، ورجل العلاقات العامة المميز، والخطيب المفوه، والمحارب الحاصل على جائزة نوبل سلفاً من أجل سلام لم يصنعه وإنما يفعل ما هو نقيضه، عاماً واحداً في المكتب البيضاوي، تبخرت بشاراته الخارجية وخابت آمال المراهنين على متغيراته الداخلية... وفي بلادنا، لم يعد عرب التسوية يضربون كما كانوا بسيف ضغوطه الخلبية الموهومة على إسرائيل، التي انتظروها منه ليجلب لهم محبوبتهم التسوية، وها هم اليوم لا يوهمون النفس أو يعللونها بأكثر من تنفيذ استراتيجية سلفه في العراق، التي تقضي بالانسحاب منه والبقاء الدائم فيه!

 

أما في أفغانستان، وباكستان، وربما لاقدر الله، ووفق ما يبشرنا به السيناتور ليبرمان وما ترمي إليه دعوات البريطاني براون الذي يأخذ ذات دور سلفه بلير، قريباً في اليمن، فحدث ولا حرج... لقد فاق الخلف هناك مآثر السلف، وها هو ينتهج ذات منهجه!

 

أما العرب والمسلمون، الذين كادوا، على اختلاف مللهم ونحلهم، أو مذاهبهم وميولهم، أواتجاهاتهم الدنيوية والدينية، أن يوصموا بالإرهاب، إن هم لم يثبتوا العكس، والذين كانوا قد انشرحت صدورهم لخطابي أوباما الشهيرين في اسطنبول ومن بعدها جامعة القاهرة، والذين كاد أن يكبر المكبر منهم حين بادرهم فيهما بتحية السلام عليهم، وربما ترحموا حينها متأثرين بإطلالته على والده الأخ في جانب الله حسين أوباما الأفريقي الكيني، وكادوا وهم يستمعون له وهو يستشهد بالآيات القرآنية أن ينادوه يومها بمولانا الشيخ باراك بن حسين أبو عمامة... هؤلاء، لكم خابت اليوم الآمال التي خلفها لديهم، وحيث لم يحل سلام منه في ربوعهم، فلم يعد هناك منهم من يعثر اليوم، مهما بذلوا من جهد جهيد، على ثمة فارقاً ملموساً يميزون به الخلف الأمريكي عن السلف الأمريكي!

 

...واستطراداً، لم تنتعش آمال فقراء العالم ومعوزيه ومرضاه ناهيك عن مقهوريه. لم تتحقق أحلام أنصار البيئة وآمال مناضليهم ضد التلوث الكوني.  لم تهدأ شكوك الروس في النوايا الأطلسية الزاحفة مجتازة أسيجة حدائقهم الخلفية، ولم تتبدد مخاوفهم من الإطلالات الصاروخية الأمريكية وراداراتها المحدّقة عن قرب في سماواتهم وأرضيهم عبر الحدود البولونية والتشيكية، أو هاتين الشقيقتين الاشتراكيتين سابقاً اللتين خلعتا جارهما الأكبر وصاحبهما السابق إلى غير رجعة واتجهتا صوب بديل أو جاءهما مرحب به عبر الأطلسي... لم يتغير شيء في العالم اللهم إلا ما يلي:

 

كان عاماً قد بدأ بالوعود المبهجة والمواقف الواعدة المعلنة والإيحاءات المبشّرة بالتغيير، وانتهى بالتراجع التدريجي عن أغلبها. شمل هذا كل ما ذكرناه من هذه، ونكتفي بأن نزيد: التراجع عن الموقف المعلن من عملية التهويد في فلسطين أو ما يعرف "بالاستيطان"، وبدلاً من موهوم الضغوط المفترضة على إسرائيل، وفق ما أمل وروّج المروّجون في بلادنا وبنوا سياساتهم عليه، زاد حجم التماهي واتسعت مساحته في السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وحيث لسنا في حاجة لذكر ديمومة مستمر الدعم والتأييد الأمريكي التاريخيين لإسرائيل، فقد تعمقت أكثر عرى التحالف الإستراتيجي بين المركز في واشنطن والثكنة المتقدمة له في بلادنا. وعبرت عنه مناوراتهما العسكرية المشتركة مؤخراً. بل وكما كنا قد توقعناه وقلناه سابقاً، تحول الضغط، أو هو أخذ وجهته المعتادة، فقط باتجاه العرب لتمرير الحلول الإسرائيلية للصراع التي تعني ترجمتها حرفياً استسلاماً عربياً كاملاً.

 

وفي أفغانستان، زاد حجم القوات الغازية هناك، برفدها بالمزيد، جراء ما عرف بإستراتيجية أوباما التي أعلنت مؤخراً بعد طول إرجاء وانتظار. أو استراتيجية الاعتماد على "الصحوات" الأفغانية أو تكرار انموذج "الصحوات" العراقية هناك، واطلاق العنان لأيادي السي آي إيه السوداء لتغدو هناك جيشاً رديفاً له قواعده وسجونه وتعاقداته، وإفلات أسراب الطائرات بدون طيار لتزرع صواريخها بلاد الأفغان مجازاً، وجوارها الباكستاني مذابحاً... استراتيجية الجنرال ماكرستال الناجحة جداً في كسب المزيد من العداوة التي هي تخدم في المحصلة طالبان أكثر من أن تنجم عنها إفادة قد يرتجيها أصحابها!

 

ما زرعه أوباما في عامه الأول بدأ يحصده سريعاً ووفيراً في عامه الثاني. والبادي حتى الآن هو أن محصوله مما زرع إلى زيادة. الضربات الطالبانية انثالت رسائلها مع أول خيط لأول يوم من جديد عامه الثاني. وهي إن دلت على شيء فعلى أمور ذات دلالة، أولها أن "صحوات" الأفغان مرتع خصب للاختراقات الطالبانية المتقنة وليست ظهيراً للمحتلين، والبديل الأفغاني المأمول الذي يجري تدربيه وتسليحه ليقاتل المقاومة الأفغانية نيابة عن جيشه، أو يفترض أنه قد يخفف ما يتكبده الأطلسيون، الذين بدأوا في تلمس السبل للانفكاك رويداً رويداً من الورطة الأفغانية، ويحاولون مواربة ما استطاعوا ترك الأمريكان يخلعون شوكهم وحدهم... تثبت واقعه خوست وسواها مما سبقها أو قد يلحقها أن هذا البديل المأمول الذي ينفقون عليه الملايين هو ما قد يصبح استثماراً طالبانياً لا أمريكياً.

 

لقد كان جميع قتلى قاعدة مطار خوست القديم، باعتراف الأمريكان هم من منتسبي جيوش السي آي إيه وضباطها . قال الأمريكان أنهم ثمانية قتلى وستة جرحى، وتقول طالبان أنهم ستة عشر قتيلاً. وكان سميع الله الاستشهادي المنفذ وفقما تقول أحد الروايات يرتدي زي الجندي الأفغاني، أو أنه من هذا البديل المحلي المفترض أنه سينوب عن جند الغزاة وفق الاستراتيجية الأوبامية التي وصفناها في حينها بأنها استراتيجية هروب، ولا فرق إن صحت رواية أخرى تقول أنه إنما كان أبو دجانة الخراساني، أو العميل الأردني المزدوج الذي نجح في اختراق هذه الجبهة الرديفة التي استحدثتها هذه الاستراتيجية... وما زرعته هذه الاستراتيجيته، معتمدة على مذابح طائرات ماكرستال بدون الطيار وبدائله الأفغانية المشار إليها، ومكائد السي آي إيه الدموية، حصدها حلفاؤه الكنديون في قندهار مع تباشير هذا العام خمسة قتلى وخمسة جرحى، ومثلهم كان حظ البولنديين الذين سبق وأن جاؤوا بلاد الأفغان، أو المستنقع الأفغاني، بشكل أو بآخر مع السوفييت وعادوا لها الآن علناً مع الأمريكان... قبلهم أخذ البريطانيون والفرنسيون والألمان والإيطاليون نصيبهم أيضاً، والحبل على الجرار! أما حلفاؤهم الأفغان فمأزقهم غني عن الوصف، والعام الجديد بدأ بجولة طالبانية من قطع رؤوس ثلة من العملاء الذين اعترفت الحكومة في كابل رسمياً بصفتهم هذه!

 

لعل أوباما، وهذا ما أشرنا إليه في مقالات سابقة، كان لا يريد أن يبدو ضعيفاً، وهو يواجه مزايدات الجمهوريين، وانتقادات عتاة المحافظين الجدد، الذين أخرجهم من البيت الأبيض قبل عام، أو أحلته المؤسسة الأمريكية محلهم. لعله يريد أن يبدو حازماً فلم يجد سبيلاً أسهل عليه من سلوك مسلك سلفه بوش واستعادة مآثر صاحب الحروب الاستباقية، وموزع فضائل سياسة "الفوضى الخلاقة"، ومتعهد الحرب الكونية على الإرهاب، أو مطاردة العدو اللامرئي في أربع جهات الأرض... في عامه الثاني يستعيد أوباما، أو الولايات المتحدة، كنتيجة لهذه الاستعادة، 11 سبتمبر مرة أخرى بما تحمله معها مما خبره وعاناه العالم... هاهو الساحر المفوّه الواعد والمبشر الموهم يثبت أنه سيد الأقنعة المتبدلة، وها هي طائرة ديترويت الجالبة معها من أمستردام النيجيري ومتفجراته، تشعل من جديد إوار فوبيا الخطر الخارجي، ومعها وفير المليارات لجيب شركات إنتاج أجهزة المسح الجسدي... هذه الأجهزة التي عليها أن تدقق من الآن فصاعداً في عورات الأمريكان وضيوفهم في كل المطارات الأمريكية، رغم أنف الخصوصية التي بالغت الدساتير الأمريكية ولا تزال في وجوب صونها!

 

عام أوباما الجديد يرث بجدارة عامه المنصرم... زادت واتسعت جبهات الحرب الأمريكية الكونية على ما يسمى الإرهاب... استعادت الإمبراطورية فيه بوشها مرة أخرى... وفيه بدأت الإحصائيات هناك مرة أخرى لسالف معتادها... هاهي تخبر الأمريكان بما كانت تخبرهم به سابقاً في أغلب العهود الرئاسية، عادت تقول لهم ما كانت تقوله: إنه لأول مرة تهبط مؤشرات شعبية الرئيس إلى ما دون الخمسين في المائة!!!