خبر هل تغير أبو مازن؟ وعلى ماذا يراهن؟ .. هاني المصري

الساعة 02:08 م|19 يناير 2010

بقلم: هاني المصري

أسقط أبو مازن الرهان على أنه لن يصمد على موقفه الرافض لاستئناف المفاوضات. فرغم استمرار وتكثيف الضغوط الأميركية والأوروبية والإسرائيلية، وربما العربية عليه لاستئناف المفاوضات بدون تجميد الاستيطان تجميداً تاماً، وتحديد مرجعية لعملية السلام والانطلاق من النقطة التي وصلت إليها المفاوضات السابقة، لا يزال متمسكاً بموقفه وأكد أنه سيقاوم الضغوط رغم إدراكه أن إسرائيل قد تقوم باغتياله كما اغتالت ياسر عرفات.

ولا يكاد يمر يوم بدون أن يؤكد ابو مازن على هذا الموقف، وأعلن أمام المجلس الثوري لحركة فتح أن خلاصة الموقف الفلسطيني والعربي الذي رفع لواشنطن أثناء زيارة وزير الخارجية الأردني، وزيارة وزيري الخارجية والمخابرات المصريين بقوله:

إما أن تلتزم إسرائيل بوقف الاستيطان والمرجعية، وإما أن تأتي أميركا وتقول هذه هي نهاية اللعبة فيما يتعلق بالقضايا النهائية الحدود والقدس واللاجئين والاستيطان... الخ.

فماذا عدا عما بدا؟

هل تغير موقف ابو مازن؟

أم أن لديه معلومات أن إسرائيل قد تغتاله فعلاً؟على ماذا يراهن؟

قبل هذا التصريح لم يسبق أن حسم ابو مازن بمسألة أن إسرائيل قد اغتالت ياسر عرفات، بل ترك هذا الأمر للتحقيق، الذي لم ينته ولا يبدو أنه سينتهي سريعاً، لأسباب فنية وسياسية متعددة.

إذا كانت إسرائيل، على لسان الرئيس الفلسطيني، قد اغتالت ياسر عرفات، فكيف تنجو من جريمتها بدون عقاب أو مساءلة أو حتى مجرد اتهام؟ فهل سنشهد الآن متابعة جادة لمسألة التحقيق باغتيال ابو عمار؟

وإذا اغتالت إسرائيل ابو الوطنية الفلسطينية الحديثة لأنه كان عقبة في وجه مشاريعها التوسعية والاستيطانية والعنصرية، فإنها قد تغتال ابو مازن لأنه يرفض استئناف المفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية.

لقد بدأت الحكومة الإسرائيلية بشن حملة على ابو مازن باعتباره ضد السلام، وقال نتنياهو في مجالسه الخاصة إن ابو مازن أسوأ من ياسر عرفات وهذا يشعل الأضواء الحمراء وينذر باحتمال تصعيد الموقف الإسرائيلي من ابو مازن، . صحيح أن ابو مازن ليس مثل ياسر عرفات، فهو رجل سلام وضد المقاومة المسلحة ولكن إسرائيل تريد منه أكثر من ذلك بكثير.

فإسرائيل رغم أنها غير جاهزة للسلام ومعادية له، ورغم أن حكومتها الحالية اعطت الأولوية للأمن والسلام الاقتصادي إلا أنها تدرك أهمية المسار السياسي لإرضاء الإدارة الأميركية والحؤول دون قيامها بالضغط على إسرائيل، ولمنع بلورة اصطفاف دولي ضد إسرائيل، ولقطع الطريق على عودة خيار المقاومة والوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن أجل الوقوف في وجه تصاعد القوة الإيرانية والتركية وازدياد احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، وللدفاع عن شرعية إسرائيل المزعومة المهددة في ظل النشاط الفلسطيني والعربي والدولي المتزايد المتسلح بتقرير غولدستون، لملاحقة إسرائيل على الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة، ولقطع الطريق على توظيف الجمود في العملية السياسية لزيادة خطر الدولة الواحدة، وخطر قيام دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة وعاصمتها القدس قد تفرض على إسرائيل كإحدى ثمار العودة المحتملة للدور العربي والدولي في القضية الفلسطينية، على خلفية بروز نوع من التغير في الموقف الأميركي الذي بات يعتبر قيام دولة فلسطينية مصلحة قومية وأمنية أميركية.

فإسرائيل رغم أنها في وضع جيد حالياً على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية تخشى من المستقبل إذا استمر الجمود في العملية السياسية، لذلك تبذل كل ما تستطيعه من أعمال، وتستخدم العصا والجزرة لإقناع ابو مازن بالموافقة على استئناف المفاوضات.

فبالإضافة الى كل ما تقدم من فوائد لإسرائيل من استئناف المفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية فإن المفاوضات العبثية تمكنها من الاستفراد بالفلسطينيين وفرض شروطها واملاءاتها عليهم، وتوفر غطاء لما تقوم به من خلق حقائق احتلالية على الأرض، في لحظة هامة فاصلة، لأن إسرائيل بحاجة الى وقت إضافي حتى تستكمل تطبيق مشاريعها التوسعية والاستيطانية والعنصرية، خصوصاً في القدس، والتي تخلق أمراً واقعاً يفرض نفسه على أي حل متفق عليه أو مفروض على طرف او على الطرفين.

ابو مازن يدرك مدى حاجة إسرائيل للمفاوضات، ومدى حرص الولايات المتحدة الأميركية على استئناف المفاوضات لذلك يحاول أن يحصل على انجاز سياسي قبل استئنافها، لأن استئنافها بدون انجاز حل سياسي بمثابة انتحار سياسي لابو مازن ولمجمل القيادة الفلسطينية الحالية، في ظل وجود منافس قوي لها على القيادة وهي حركة حماس.

ابو مازن لم يتغير، فلا يزال مؤمناً بالسلام وطريق المفاوضات، ولكنه يعتقد أن مواصلة هذا الطريق، بعد مجيء حكومة بنيامين نتنياهو، بات مستحيلاً ومكلفاً جداً، ما لم يكن هناك تدخل أميركي ودولي يسمح بالحد من تطرف وعدوانية الحكومة الإسرائيلية التي تعتبر أكثر حكومة تطرفاً في تاريخ إسرائيل.

والتدخل الأميركي والدولي بحاجة الى وقت، وبحاجة الى ضغط فلسطيني وعربي على الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي. وهذا متعذر في ظل حالة التبعية والهوان والانقسام العربي. لذلك آثر ابو مازن اتباع سياسة الانتظار.

ابو مازن لا يريد ان يواجه مصيراً مثل مصير سلفه ياسر عرفات، لذلك يحرص على التأكيد على تمسكه بطريق المفاوضات والسلام ويرفض المقاومة المسلحة والانتفاضة.

وابو مازن لا يريد أيضاً مصير الحاج أمين الحسيني الذي مات وحيداً منعزلاً في منزله بدون أن يحقق شيئاً لشعبه.

وابو مازن لا يريد أن يموت متهماً بالخيانة بدون أن يحقق شيئاً لشعبه.

وهو لا يزال يراهن على السلام، وعلى حاجة الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، وشعوب وبلدان المنطقة، بما فيها إسرائيل للسلام. لا يزال يراهن على المفاوضات رغم حصاد الفشل طوال 18 عاماً لأن البديل عن السلام مكلف أكثر بكثير من السلام. فهل ينجح رهان ابو مازن؟ لا أعتقد ذلك. وإذا لم ينجح فهو مستعد لهذا الاحتمال. فقد أعلن عدم تمسكه بالرئاسة وأكد استعداده لعدم الترشح في الانتخابات القادمة. والانتخابات غير محددة الموعد حتى الآن. لذا لديه وقت إضافي لاختبار رهانه مرة أخرى.

ابو مازن حتى يحقق ما يريد بحاجة الى شق طريق آخر، طريق استعادة البرنامج الوطني والوحدة الوطنية والمقاومة المثمرة واستعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية، والتي كانت ولا تزال قضية تحرر وطني، قضية شعب تحت الاحتلال يكافح من أجل الحرية والعودة والاستقلال.

موقف ابو مازن يستحق الدعم، ولكنه لا يكفي ويتطلب التطوير من خلال شق طريق آخر بقيادته، أو المساهمة باختيار بديل له يقوم باختيار طريق جديد قادر على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه طريق المفاوضات الثنائية كأسلوب وحيد لحل الصراع!!.