خبر الانتفاضة الثالثة .. معاريف

الساعة 09:30 ص|18 يناير 2010

بقلم: عينات وايزمن

(ممثلة، وتنهي في هذه الايام اللقب الثاني في الاعلام السياسي)

نحن في ذروة الانتفاضة الثالثة، وهي انتفاضة لا يعلم أكثر الاسرائيليين بوجودها. يصعب تعريف الانتفاضة الثالثة لاول نظرة، ولما كان يصعب تعرفها فان قمعها ايضا صعب. هذه انتفاضة تتنكر في زي المهرجان: ان المظاهرات في الشيخ جراح، وفي كل قرية اخرى ايضا تتم فيها مظاهرات في أيام الجمعة، قد تبدو أحيانا مثل احتفال ملون – فهنالك عشرات المتظاهرين اليهود الفلسطينيين والدوليين المسلحين بالصفارات والطبول والاعلام. لا يمكن دائما التمييز بينهم – فكثير من الدوليين واليهود مسلحون بكوفيات وبأعلام فلسطين وبهذا فان التجربة هي لجمع من الناس ملون مع صيحات وخطب وقرع طبول تصبح كتلة متجانسة واحدة للمقاومة.

كانت الانتفاضة الاولى مفاجئة. نشبت مقاومة لم يكن الجيش الاسرائيلي مستعدا لها بل لم يعلم اي الوسائل يتخذ لمواجهتها. ان جنود الجيش الاسرائيلي الذين رأوا أنفسهم مشابهين لداود دائما، ساروا فجأة ليصبحوا مثل جالوت ووجدوا أنفسهم يطاردون أولادا يرمون الحجارة. مع ذلك كان تقسيم الادوار على الاقل واضحا: فقد كان الفلسطينيون دائما في مواجهتنا نحن الاسرائيليين. أما الدوليون فراقبونا من مكان وجودهم في أوروبا، وفرقعوا بألسنتهم وصفقوا راحات أيديهم.

كانت الانتفاضة الثانية ارتفاع درجة للمقاومة العنيفة وتميزت بأعمال انتحارية وبارهاب. وقد كف جماحها بعنف شديد – "الاغتيالات المركزة"، وعملية "السور الواقي" وبناء سوء الفصل. ان العطف الدولي الذي حظي به الفلسطينيون في الانتفاضة الاولى تصدع ازاء صور التفجيرات التي نشرت. في مقابلة هاتين الانتفاضتين، عمل الاعلام الاسرائيلي في الاستراتيجية الاهم وهي "انتاج الاخر" – الفلسطيني كعدو أزعر يهدد بالقضاء على الدولة اليهودية.

للانتفاضة الحالية وسائل اخرى: فهي تستعمل وسائل مقاومة شرعية – مظاهرات غير عنيفة، وأنباء الى وسائل الاعلام والقطيعة. لكن التهديد المركزي للدولة هو الائتلافات الجديدة والقوية التي تنسج بين اليهود والفلسطينيين والدوليين. لم يعد يوجد جواب واضح لسؤال من هو العدو، وأين يمر الخط الذي يفصل بين "نحن" و "هم". لم ينجح سور الفصل في تقسيم العداوة الى مناطق جغرافية – فالعدو اليوم في الداخل والخارج وهو متملص وأشد ثباتا.

مع ذوبان العدو الواضح البارز، لم تعد وسائل القمع والحلول قاطعة، ويشهد بذلك نشاط الدولة الحائر في مواجهة النضال. فالمظاهرات تفرق باستعمال وسائل مختلفة عجيبة، لانه منذ انضم اليهود والدوليون لم يعد من الممكن استعمال النار الحية. ولذلك يجب الارتجال، فهنالك الغاز المسيل للدموع، ورصاص الملح، وبخاخ الفلفل، وأعمال الدهن الليلية والاعتقال الاداري، وتحقيقات الشاباك لا مع الفلسطينيين فقط.

في يوم الجمعة الاخير اعتقل حجاي العاد، المدير العام لرابطة حقوق المواطن، ومعه 16 متظاهرا اسرائيليا آخر. من كان في المكان او رأى الافلام التي توثق الاعتقالات في النيو تيوب ير ان الاعتقالات لم تأت ردا على أعمال الشغب. بل العكس هو الصحيح – فقد كان العنف الوحيد الذي استعمل هو هجوم افراد الشرطة وجنود حرس الحدود الذين جعلوا هدفهم كما يبدو تخويف وردع المتظاهرين المحتملين عن المشاركة في أعمال من هذا النوع. لان المعتقلين يهود، وخلافا لهم يطلق سراح الفلسطينيين بعد بضع ساعات.

لكن المشروع المشترك قد انطلق في سيره. ان التهديد الكبير هو الاعتراض على مشروع الفصل الكبير للدولة، الذي نجح في جعل أكثر الاسرائيليين لا يلقون فلسطينيا البتة، ولا علم لهم كيف يبدو الاحتلال. الانتفاضة الثالثة تحل عرى الاستقطاب، ولم يعد واضحا التفريق بين المشاركين: فاللجان الشعبية فلسطينية، لكن متحدثها الرئيس يهودي، فمن ينتمي لماذا وكيف نواجههم؟ اسهام وسائل الاعلام في مكافحة المقاومة هو الاسكات. فاذا استثنينا تقارير صحفية هنا وهناك عن المظاهرات، فان وسائل الاعلام تدع لعنف قوات الأمن ان يبتلع في روتين الاحتلال وروتين العنف اليومي.